السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفصل الثاني:
في العيادة الطبية الخاصة بأمراض النساء والولادة..
حيث تعمل(حلا ) ممرضة لدى الدكتور(محمد) ،، بدا الدكتور منشغلاً بأوراق ملف أمامه راحت أصابعه تعبث بها..
و(حلا) تقف بالقرب منه إذ رن الهاتف..مرة،، وأخرى ،،
فقال لــ(حلا )وعينه لم تفارق الأوراق:
-أجيبي فإنني مشغول ..
فرفعت سماعة الهاتف :
_نعم.. عيادة الدكتور محمد.. أهلاً وسهلاً..
_أهلاً بابنتي.. أنا أم الدكتور..أين هو؟
_ماذا أقول لكِ يا خالة..ولكن الدكتور محمد مشغول الآن.. تستطيعين التحدث معه لاحقاً.
فأجابت بيأس:
_ ماباليد حيلة..حسناً اخبريه أنني اتصلت وإذا انتهى من عمله اجعليه يتصل بي.. مع السلامة.
_ في أمان الله وحفظه..
أغلقت السماعة وأعادت كلمات الأم الأخيرة للدكتور ،، فرفع رأسه إليها وهي تنهي كلماتها وقد افتعل الانزعاج..
فاحمر وجهها بالرغم من عهدها القريب بالعمل إلا إنها لم تعتده مع الرجال ..
فــ(حلا ) فتاة مهذبة خلوقة قد أحاطت وجهها بحجاب أبيض أضفى جمالاً وهالة من نور إليها ..
لاحظ الدكتور احمرار وجهها واهتزاز صوتها فابتسم وهو يعيد النظر للأوراق قائلاً بلين:
_ولِــــمَ لم تخبريني بأن المتحدث هو أمي؟
_لقد أمرتني بأن أجيب أنك مشغول ..
_لا باس عليكِ الآن.. خذي هذا الملف وأودعيه مع الملفات لأن صاحبته غادرت المستشفى اليوم ..
_حسناً..
..عادت (حلا) لبيتها مرهقة بعض الشيء ..
فالمسافة بين البيت و المستشفى بعيدة قليلاً تستغرق نصف ساعة ودوامها الرسمي ينتهي الساعة الثانية ظهراً..
تلقت كوباً من الماء من احدى الخادمات ..تلك التي تدعى (تناكا)..
فتاة في مثل عمر (حلا) قادها القدر لأن تعمل خادمة في بلد يبعد الكثير عن موطنها الأصلي..
تحب (حلا) وتستقبلها كل يوم بهذا الكوب من الماء.. مما حذا بها أن تأخذ مكاناً في قلب (حلا)..
صعدت لغرفتها لتغيير ملابسها .. ثم نزلت قاصدة قاعة الطعام لتجد الغذاء جاهزاً .. فهي لا تنعم بتناول الطعام مع أسرتها إلا في أيام الإجازات..
حيث إنها تتأخر في المستشفى لوقت لا يستطيع أحدهم انتظارها فيه..
أنهت طعامها بسرعة ولم تذق سوى لقيمات قليلة.. حيث شهيتها لا تكون مفتوحة وهي تأكل بمفردها..
صعدت لغرفتها ،،وفي طريقها إليها تمر بجانب غرفة والديها ،، فسمعت صوتيهما يتشاجران ،،فجعلت تركيزها في أن لا تستمع لما يقولانه ،، ولكن شاء لها الله أن تسمع جملة أمها :
-ولكن .. هناك سر خطير ما تزال تخفيه عني و.... جرت بسرعة لغرفتها وأوصدت الباب خلفها وهي تلهث ،، خائفة ،، دائماً ما يعتريها هذا الشعور كلما تشاجر والديها ،، وسرعان ما أبعدت هذا الخاطر عنها واسترخت فوق سريرها الفاخر .. وبدون أن تشعر غطت في نوم عميق..
******استيقظت فجأة لدى سماعها رنين هاتفها المحمول .. أمسكت به وهي تتثاءب فقرأت اسم (فاطمة) _جارتها _ فأجابتها:
-أهلاً (فاطمة)..
فجاءها صوت محدثتها باكية:
-ألحقيني يا (حلا)..
تسارعت دقات قلب (حلا) وهي تعتدل في جلستها:
-ما بكِ يا (فاطمة).. أفزعتِ قلبي .
_ أخي أصيب بحادث ،، وقد ذهب إليه أبواي ،، ولم استطع اللحاق
بهما ،، فهلاّ ذهبتِ إليهم ..
_.........
_ (حلا) .. هل تسمعيني؟.
فانتفضت (حلا) وكأنها مستيقظة من كابوس فأجابتها بكلمات متقطعة:
-و متى.. حدث.. ذلك..؟؟
_ منذ دقائق فقط،، أجيبيني بالله عليكِ،، هل تستطيعين الذهاب معي ،،
_ في أي .. مسـ .. تشفى ؟
_ في نفس المستشفى الذي تعملين فيه..
تحسست (حلا) جبينها بإرهاق وقد تصبب منه العرق..
_حسناً..سأدع السائق يوصلنا الآن..
أغلقت السماعة وهي تلهث :. سترك يا رب ..
وثم.. ركبتا السيارة التي قادها السائق بسرعة لم تشعرا بها.. فـ( فاطمة) لم تستطع إخفات إجهاشها بالبكاء و (حلا) عليها أن تهون الأمر على (فاطمة).. ولكنها أيضاً بحاجة إلى من يهون عليها ذلك .. ولمَ كل هذا الحزن و القلق ..ألانه جارها.. أم شفقة لـ(فاطمة)..أم لشيء آخر تجهله..أو فلنقل تتجاهله ..
ووصلت الفتاتان إلى المستشفى ،، وصعدتا للطابق الثاني بسرعة وذلك لعلم (حلا) بقسم الحوادث ..
وحين التقتا بوالدي (فاطمة)..ارتمت (فاطمة) في حضن والدتها وكلاً منهما تصب دموعها بنحيب ، فقال الأب محاولاً تهدئة الوضع :
-لا خوف عليه إن شاء الله .. لاتضخما الموضوع .. سيتشافى بإذن الله .. عليكما بالدعاء له..
تركت هذه الكلمات أثرها في نفسيهما فهدأتا قليلاً ..
أما (حلا) فاستأذنتهم بالذهاب للاطمئنان على المريض .. فسألت الطبيب المشرف على علاجه ،، وقد كان أخاً للدكتور (محمد) :
_ ها .. ما أخباره..
_جروح في الرأس.. كسر في اليد ..وهو الآن في حالة غيبوبة .
فشهقت بالبكاء وهي تقول :
-ماذا ؟ غيبوبة ..
فرفع حاجبيه مستفهماً:
-يبدو أنه قريبكِ..
حاولت تدارك الموضوع فقالت وهي تمسح دموعها:
-لا..إنه جارنا .. واعتبره كأخي .. فقد تربينا سوياً .
_ آها .. لابأس لابأس .. سيتماثل للشفاء بإذن الله.
_يا رب
رجعت للبيت بدموع حبيسة فمرت بأمها و (غلا) وهي قاصدة غرفتها ..
مرت دون أن تسلم أو تعيرهما إلتفاتة،، تساءلت (غلا) :
-ماهذا الحال الذي تسير به (حلا) .. ومن أين جاءت ؟ .
_ لقد خرجت مع جارتنا (فاطمة) ..ربما تشاجرتا ..
_ لا .. لاأظن .. فصلة (حلا) بـــ(فاطمة) أقوى من صلتها بي
_ احذري .. لا تتطفلي عليها الآن .. دعيها حتى تهدأ ثم افعلي ما تشائين..
انفردت (حلا) بغرفتها وقد أغلقت الباب بالمفتاح ،، ألقت بخمارها جانباً وانكبت على مكتبها تبكي ..وتبكي وتبكي .. فبكت ما شاء الله لها أن تبكي ..
رفعت رأسها وقد احمرت عيناها وابتل وجهها بالدموع الساخنة ،، وسقط نظرها على الصورة الفوتوغرافية .. تلك الصورة التي ضمتها وطفل أمام بحر واسع.. تأملتها طويلاً .. ثم أمسكت بها وقالت :
_ لا علم لي بمن أهوى حتى الآن..
************
المفضلات