الفصل الثالث:
ماذا جنا عقلي ليُــــعاقب قلبي ؟!..
ما الذي ارتكبته لأحظى بعذاب لازم قلبي سنوات..
مذ كنت طفلة ولها من العمر سبع سنوات..
سافرت وأسرتي الصغيرة إلى "بريطانيا " استجابة لبعثة أطباء للخارج ولمدة سنتين كان أبي من جملة من بُــــعثوا..
استقلينا بالسكن في شقة ..
درست و (غلا) سنتين من مرحلة الابتدائية ..ارتدينا فيها الحجاب الإسلامي .. كانت المدارس هناك مختلطة &بنين وبنات& ..
كنت وأختي نتجنب الحديث مع الصبيان ما عدا أحدهم لأنه كان ينتمي لبلدي..
تكونت لدينا مشاعر طفوليه أخويه.. ليس بيننا فحسب..بل بين أمي وأمه .. وأبي وأبيه..
أصبحت الأسرتان تتبادلان الزيارات..كنا نخرج سوّياً للرحلات و النزهات..
حتى التقطنا آخر صورة فوتوغرافية .. احتفظت بها لكي لا يحل بها ما حل بسابقاتها ..
أيام دافئة جميلة.. رائعة..تمنيت عودتها كثيراً ..
ما زلت أذكر جملته وهو وأبويه يودعوننا في المطار حيث اقترب مني ليهمس في أذني *ظاهراً* حيث كان صوته مسموعاً:
-عندما أعود للبلد سأتزوجكِ..
فضحك عليه الجميع .. فاختبأ وراء أمه يداري خجله ..
بعدها .. لم تربطنا بهذه الأسرة أي وسيلة اتصال ..
لقد كبرت ..وكبرت معي مشاعري ومعاناتي ..
فبالرغم مما أنا فيه إلا أنني لست راضية عن نفسي .. أبداً ..
إذ كيف إنني وإلى الآن أفكر في رجل أجنبي عني؟؟..
نعم، لقد كبر هو الآخر لأنه في سن أختي (غلا)..
آه ..ما بيدي أن أفعل .. بودي أن أنسى هذه المعرفة القديمة.. فما الذي سأجنيه من وراء تفكيري و تعلقي به..لقد نسي هو الآخر ..
وذاك الذي يرقد في المستشفى.. لا أعلم ما سبب تعلقي به ..!!
ألأنني أبحث عن الحنان ..كلا ..كلا ..فأبي و أمي يغدقان عليّ به.. ويعاملاني و كأنني مازلت طفلة وديعة..
أسأل الله له العافية ولقلبي الهداية ..
@@@@@@@
اكتفت (حلا) بهذا القدر من الكتابة .. أحست بصداع في رأسها فاستسلمت للنوم الذي لم تشعر بلذته تلك الليلة
############
التزمت (حلا) بدوامها الرسمي ..وصارت تزور جارها في العناية المركزة بين الفينة والأخرى بدون إلفات نظر أي أحد..
..وفي عيادة الدكتور محمد..
بدا منزعجاً حيث (حلا) داخلة عليه تواً..سألها وقد عقد حاجبيه:
_أين كنتِ.. لقد احتجت وجودك في هذه الدقائق..
أجابته بارتباك واضح وقد بان عليها الشحوب وآثار البكاء:
-كنت.. كنت في دورة المياه.. وصادفت في قدومي امرأة كبيرة في السن طلبت مني أن أرشدها إلى عيادة أمراض العظام ففعلت..
هدأت نبرة صوته و كذا ملامحه :
-ما بكِ ؟
-أنا آسفة يا دكتور.. لن أعيدها ثانية..
-قلت مابكِ (قالها وهو يضغط على أسنانه)
-لا شيء.. ماذا علي أن افعل الآن..
-اجلسي إذا سمحتِ..
جلست وهي تتحسس جبينها متنهدة.. وقد لاذ نظرها بالأرض ..
انتظرته حتى يتكلم.. فلم ينبس ببنت شفة .. رفعت رأسها إليه لتراه يتأمل عينيها وكأنه يحاول الوصول لما هي فيه فأردف:
- (حلا)! أخبريني بالحقيقة ..
-أي حقيقة ؟!!
-أين كنت؟..
-ولماذا تسأل إلى الآن؟.. ألم تصدقني ؟
-(حلا) .. أسلوبكِ في العمل لا يعجبني ،بالأمس واليوم ..لقد تغيرت أحوالكِ ..إذا كنت مجهدة فلا باس بأخذ إجازة قصيرة تستعيدي فيها نشاطكِ وحيويتكِ..
-بل أستعيد حزني وهمي...
-ماذا قلتِ؟
-ها.. للـ .. لا شيء لاشيء..
نظر إلى ساعته وهو يقول :.
-بقي على نهاية الدوام عشر دقائق ..تستطيعين مغادرة العيادة منذ الآن ..
فابتسمت بوهن قائلة:
-شكراً جزيلاً..
-نحن بالخدمة ..
*******
و في اليوم التالي .. طلب الدكتور محمد من (حلا) مرافقته إلى غرفة مريضة واضعة في ذلك اليوم.. وفي طريقهما إلى الغرفة استرسل لمسمعيهما أصوات صراخ.. داهمهما الفضول فاتجها لمصدر الصوت وقد كان في عيادة أخرى..
حتى إذا وصلا ..
تفاجأ (حلا) بأن جارتها( فاطمة) و أمها هما اللتان تصرخان.. وقد التقطت هذه الكلمات من الجارة الأم:
- آه.. يا ولدي ..يا حسرةً على الشباب ..
عندها.. لم تتمالك (حلا) نفسها فأسندت رأسها إلى الحائط القريب منها وأخذت تبكي بصمت.. التفت إليها الدكتور فقال بلا مبالاة:
-هيا لنباشر العمل..
فردت بصوت غلبه البكاء:
-اذهب بمفردك..
وجرت مسرعة إلى حيث لا يعلم..
فغضب من تصرفها.. وذهب بسرعة للإشراف على المريضة ..
و ما هي إلا دقائق حتى دخل غرفة مكتبه ففوجئ بـ(حلا) تقف بجانب المكتب وبيدها سكين بالقرب من وجهها تتأملها بغضب و دموعها صامتة فاقترب ليأخذ السكين منها خوفاً من أن تضر نفسها..
فما كاد أن يفعل إلا وقد سقطت أرضاً بلا وعي...
البقية تأتي..
المفضلات