عكازه الحلم
أرجو أن تتقبلوا نزفي المتواضع ، وأعذروني جميعاً
فقد قرفتكم بأحاسيسي الحزينة .. أتمنى أن تتسعَ صدوركم
لهذا اللا شيء الذي بينَ حينٍ والآخر وضعَ دمعةً مُرّة
من عينِ قلمه على طبقِ الورق لتأتونَ أنتم وتتذوّقونَ طعمها !
،،،
حينما يغصُّ الإنسانُ بالأسى ، قد يلجأ إلى
صديقَهُ البحر الذي لا يردُ أحداً.. ليتقيأَ فيهِ مشاعرهُ الملوثة بالوجع
ولينفضَ أيضاً نفسَهُ عن الهموم ، مثل السجاد الذي يُنفَضُ عنِ الغبار !
يا بحرُ .. إني قادمٌ إليك
من أقصى الماضي
أتأبّطُ أسطورةًمفعمةٌ بالحكاياتِ
قادمٌ ، رغمَ أنّي أتكِلُ على حظّي
وأضعُ ما يصيبني على خارطةِ القدرِ
أنا مثلُكَ تماماً حينَ تتصرّفُ الشمسُ في لونِكَ
فتعطيكَ لونَ السماءِ الأزرقَ في النهارِ
ولونُ الليلِ في ظلامه
يا بحري.. قادمٌ إليكَ أحملُ
على وجهي دموعاً مختلفة لنكهاتٍ شتى ..
فبكائي الذي ارتكبني ، أغرقني
مثل الثّلجِ الذي ينزفُ فيُغرقَ ذاتهْ !
آه .. أيامٌ تكدّست شهور
وسؤالي الضرير يبحثُ عن جوابهْ
بحقِّ عُمقكَ .. يشبهُني فيكَ موجُكَ حينَ يتيهَ
وحينَما يتسابقَ إلى حافّةِ الشاطئ
أنا مثلهُ أتخبّطُ حدّ الضياعِ في مسافاتِ الجروح
و أتسكّعُ في أفكاري
أتنقلُ من فكرةٍ لأخرى وقطارُ الجسدِ في مكانهْ
حتى ظلّي ضيّعَ جسدي عندما تنقّلتُ مبعثراً ،
ولكنّي !
عندما أمشي في نظرِ الأحزانِ أكابِرَ
و أصطنِع خطواتٌ على ظهرِ الأرضِ مُرتبةً كنبضِ الساعةْ
وأقلّدَ الريحَ في طغيانها على الأشياءِ
فأرسُمني مزيّفاً على لوحةِ الدهرِ
وأخالف شعوري في أوقاتِ الضجر
فقط لأهربَ من جحيمي القديمِ
إذْ اللحظاتُ لا تدري أني أحبُسُ الأسى
بينَ ضلوعي بعيداً عن الكلماتِ و بعيداً عنِ البرية ْ
نعم يا سيدي.. وبحقِّ رملِكَ
كنتُ كالمشرّد الذي يقبِضُ على الدّفتر
ليخترِعَ لهُ ألفَ حكايةْ
تارةً ظريفة ، ليتمضمضَ الضحكة منها
وأخرى يُضَمّدَ فيها منبعَ مأساتهْ
لكنّه لا يعرف أنّهُ اقترفَ أوّلَ وطأةٍ نحوَ جنونه !
أواه .. أخافُ أن ألتقي بهِ هذا المشرّد
بعدما تقذفني قصتي خارجَ الوعي !
أخافُ أن أشاركهُ هلوسته
..
هنا أنا أقفُ أمامكَ بصفتي ضائعٌ فَقَدَ ذوقَهُ
وتاهَ عن طعمِ الحياةِ
أفتِشُ عن موقعي في جيوب الحقيقةِ
فأينَ يخفيني الواقع ، وأين يخبئني ردائه ؟!
أنا قصيدةٌ مقفّاةٌ بالنعيّ كنتُها في الماضي
أنا ذاكَ الذي ينتظرُ انطفاءَ غليله
فالأحلامُ التي ملكتُها انكسرتْ على قارعةِ الأمسِ
إذْ أني أسرفتُ من تجاربي الفارغة
فلا جدوى من تجاربي
بل أنّ تجربتي أجهضت لي معظمَ الأماني
وصارَ الوهمُ يلعبُ في أعصابي
نعم ..فلا جدوى من تجربتي
طالما كنتُ محصورٌ في هامشٍ
تداعبهُ أظافرُ الأكذوبة
فلا جدوى ..
وتفكيري حينها يحيطُني باضطرابهْ
بأنّي في الغد سأكونُ مجرّدُ
ذكرى أكلتها السنون
وأنّ عقلي ربما سيُراودهُ بـُضعَ جنون !
آهٍ .. أحاولُ أن أهزمَ الشكَّ
بكلِّ ما أوتيتَ من يقينْ
وأغلّفَ نفسي بالصبرِ بطعمِ مرارته
وأحنّكَ لساني بمفرداتِ الغموض
لأبتعدَ عن الماضي مسافةُ نسيان ..
يا سيّدَ البحر .. ماذا أقول
غيرَ أني تعلّمتُ كيفَ أحقد على الوقت
وأشتمَ يومَ ميلادي
وتعلّمتُ كيفَ أعكرَ مزاج الورقِ حينَ
أكتُبني بمدادِ إحساسي
ومازلتُ أقفُ أمامكَ
وكلّي شغفٌ ..
أريدُ أن أتعلم كيفَ أخيّطَ جروحي المفتوحة
وأريد أن أحصلَ على أمالي المفقودة
وأريدُ أن أتعلمَ كيفَ أتكئ على عكازةِ الحلمِ المجبورِ
بعدَ طولِ انكساره !
:
تحياتي المعطرة / بكاء القلم
21 / 6 / 1429 هـ
المفضلات