الج ـزء (25)
استيقظت مرهقة تعبة بصداع عنيف ..
في ظهر اليوم التالي،
و قد كان صخب الحفلة وصداها لا يزال يثمل رأسي ،
بل كنت لا أزال أشعر بصوت ( الملايّـة ) و كذا الطبول و الدفوف ..
و لكأنها لا تزال تعزف و تغني ..
" لكل شيء ثمن في هذه الدنيا .. حتى الفرحة لا تأتي بسهولة ! "
هاتفتني سلمى في العصر،
مباركة ً مهنئةً ..
و لتخبرني بأنها و جميع أفراد عائلتها فرحون جداً لانضمامي إليهم،
كما أنها تعتذر عما بدر من ابنة عمتها البارحة ..
ثم أنها أخبرتني كيف أن ابنة عمتها بعد أن طـُردت من الصالة ..
هامت على وجهها في الشوارع ..
إلى أن أ ُصيبت بانهيار عصبي ..
لينقلها فاعل خير إلى المستشفى ..
و ها هي الآن ترقد في الجناح النفسي !
" يا إلهي !! صحيح أني لا أنكر أني كنت ساخطة أشد السخط على ابنة العمة .. إلا أني أبداً لم أكن لأتمنى لها يوماً هذه النهاية المؤلمة .. ! "
في اللحظة التي أقفلت فيها الخط مع سلمى ..
كان جرس الباب ينبئني بقدوم صفاء و عائلة خالتي..
ريما و نور كانت أيضاً هنا..
هل تذكرون نور ؟!!
نعم هذه هي .. حبيبة قلبي المفضلة ..
أسرعت أختطفها من بين ذراعي والدتها ،
و أنهال عليها لثماً و تقبيلاً ..
لكن ساءني عدم تفاعلها معي.. فهل بتُّ غريبة عنها .. لانشغالي بعض الشيء بعيداً عنها في الفترة الأخيرة !
لكن خالتي أخبرتني حالاً أن نور تعاني من الحمى ..
و أنها مريضة !
" عسى المرض فيني و لا فيج يا أحلى نور ! "
لكم يؤلمني منظر الأطفال المرضى ..
أشعر بنياط قلبي تتقطع ..
و أنا أرى نور بين ذراعي خالتي .. تأبى أن تتحرك ..
و قد اختفت الضحكة البريئة من على وجهها ..
سحبت صفاء بعد قليل إلى حيث يمكنني محادثتها بعيداً عن الضوضاء التي أثارتها ريما المشاغبة ..
و التي كانت تصرخ و هي تطالب محمد بإحدى الألعاب الموجودة في غرفته ..
أخبرت صفاء كيف أن ابنة عمة عصام قد أ ُصيبت بانهيار عصبي حاد ..
و أنها ترقد حالياً في المستشفى النفسي !
" تستاهل ! "
" لا يا صفاء .. أرجوك لا تقولي هكذا .. إنها كانت ضحية لأم مستبدة.. تستحق الشفقة لا اللوم أو العتاب ! "
" أنت دوماً هكذا .. طيبة القلب ..!
ها ألن تخبريني أنك ستزورينها في المستشفى أيضاً .. لفتح صفحة جديدة ؟! "
" و لكأنك تقرأين أفكاري يا صفاء ..
كيف عرفتي بهذا ؟! "
أطرقت صفاء رأسها .. و قد مطت شفتاها ..
و وضعت يدها على وجهها قائلة..
" لأنك هكذا تفكرين دوماً ! و ستصحبيني معك بالطبع .. أليس كذلك ؟! "
" طبعاً ! "
قلتها و أنا شبه واثقة بأن صفاء ستذعن لطلبي بالتأكيد ..
و أننا سنكون بعد نصف ساعة على الأكثر في المستشفى .. نزور ابنة العمة المعتوهة ! عذراً أقصد المريضة نفسياً !
" و لما لا تذهبين مع عصام ؟! "
" عصام لن يأتي اليوم .. فهو مدعو في بيت صديقه.. ثم أنه لن يرضى.. فهو لا يرغب أن يحدث أي احتكاك بيني و بين عمته أو ابنتها ! خوفاً من حدوث المزيد من المشاكل ! "
" إذن ستعصين أمر زوجك أيتها العاقلة ؟! "
" إنها مهمة انسانية يا صفاء.. ثم أن عصام
لن يعلم بالأمر ! "
" أها .. أنا سأخبره إذاً يا صاحبة الإنسانية ! "
" لا لن تفعلي.. فأنت تعلمين جيداً أنك لا تستطيعي عمل ذلك لي .. لأني ابنة خالتك المقربة .. و التي تحبينها كثيراً كثيراً ! "
" حقاً أيتها الماكرة ! هكذا أنت دائماً تستغلين حبي لك ! حسناً.. سأذهب معك و أمري لله .. و لنرى إلى أين سنصل معك يا صاحبة الإنسانية ! "
أسرعت إليها أضمها و بقوة إلى صدري قائلة لها بشيء من الخبث و الدلال ..
" الله يخليج إلي يا أحلى بت خالة في الدنيا كلها.. و لا يحرمني منج ! "
بعدها بقليل .. كنا في المستشفى ..
نذرع دهاليزه المتعرجة ..
إلى أن وقفنا أمام الغرفة المفترض أنها ستكون فيها ..
وقفت على باب غرفتها لثوانٍ معدودة ..
مترددة في الدخول ..
أحمل في يدي باقة ورد بيضاء مفعمة بالأمل و السلام .. اشتريتها لها للتو ..
و كلي أمل بتماثلها للشفاء ..
و تقبلها وجودي .. لنفتح معاً صفحة جديدة ..
" هل يا تراها ستتقبل وجودي؟!
هل رؤيتها لي ستساهم في التخفيف من حالتها النفسية ؟! أم أنها ستزيدها سوءاً؟! "
و لم يطل ترددي كثيراً ..
فقد أسرعت صفاء بطرق الباب و دفعي إلى الداخل أمامها ! لتنتشلني من حالة التردد انتشالاً !
الغرفة كانت باردة..
استقبلني أثيرٌ بارد لفح وجهي..
سرعان ما وطأت قدمي أرضية الغرفة !
الجدران كذلك كانت بيضاء ملساء..
مما زاد شعوري بالبرد..
أجلت ناظري في الغرفة ليستقر أخيراً على من كانت شبه نائمة على سرير بفراش أخضر يتوسط الغرفة ..
بدت شاحبة جداً ..
و قد نشرت شعرها الفاحم ، ليسترسل على كتفيها ..
في حين أن نظرات عينيها بدت جامدة ..
خالية من وميض الحياة !
ارتعدت ابنة العمة حال ما رأتني ..
لتنتصب جالسة على السرير.. مسندة رأسها على الجدار ..
و قد تكومت على نفسها بأن ضمت رجليها إلى صدرها!
تقدمت شاردة من نظراتها المتفرسة لأضع باقة الورد على طاولة صغيرة كانت هناك..
ثم اتجهت ناحيتها ..
أريد تحيتها ، أو ربما مصافحتها .. أو حتى الحديث معها..
في حين أن صفاء كانت لا تزال واقفة ترقب المشهد من بعد و أكاد أجزم أنها في أعماقها كانت ترميني بالجنون ..
فما من أمريء عاقل .. يذهب برجليه إلى عدوه..
و الذي يحمل له في أعماقه الحقد و الكراهية !
" كيف حالك عزيزتي ؟! "
هكذا بادرتها بالسؤال..
راغبة في تمزيق الصمت المسيطر على الغرفة ،
آملة أن يبعث صوتي شيئاً من الدفء و الحياة على الموقف !
لكنها لم تجبني..
فقط تكومت على نفسها أكثر و أكثر ..
و تراجعت زحفاً باتجاه الجدار ..
و قد زادت من حدة نظراتها المتركزة علي ..
و التي جعلتني أشعر بأنني أمام أسد.. يتحين الفرصة المناسبة للانقضاض علي !
" جئت مسالمة صدقيني .. فقط لكي أتمنى لك الشفاء العاجل .. و آمل أن نفتح صفحة جديدة.. نكون فيها بمثال الصديقتين ! "
و لكن ما من مجيب أيضاً ..
فقد بدت أنها قد فقدت قدرتها كلياً على الكلام أيضاً .. في هذه اللحظة بالذات ..
و قبل أن أسهب أكثر في التودد إليها ..
ارتفع من الخلف صوتاً مرعباً مزمجراً..
أدرت رأسي باتجاه الصوت .. و أنا في أعماقي أتمتم ..
" لا.. !! ليس باستطاعتي مواجهة الوحوش يا رب ! "
.. البقيه تأتي ..






رد مع اقتباس
المفضلات