الج ـزء (23)

أمي كانت معنا و هي تقلب أمامنا الألبومات القديمة..
بما فيها من ذكريات جميلة و رائعة ..
و كنت أرى على عينيها و اللتان أغرورقتا بالدمع..
مشاعر هي أعمق من أن أتمكن من ترجمتها مزدانة
بالحب.. الأمومة .. الحنان ..
و بل ربما الفخر و الاعتزاز ..
فمن ذا الذي يصدق أن تلك الطفلة الصغيرة في الصور ..
و التي نراها بشعرها المنفوش ..
و دموعها المنسابة بسبب و دونما سبب..
قد أصبحت عروساً.. و عريسها ماثل أمامنا..
يشاركنا ضحكنا.. و تعليقاتنا على الصور القديمة ..
" يا سبحان الله .. لكم هي الأيام تمر بسرعة .. أو لا تشعرون معي بمثل هذا الشعور ؟! "
اختار خطيبي واحدة من أحلى صوري .. و أصر على الاحتفاظ بها في محفظته .. مع أني حاولت إقناعه بأني سأصور لأجله صورة أخرى في (الاستيديو)..
تكون رائعة بالفعل ..
لكنه و كما كان يقول أنه يرى في هذه الصورة ..
أن من فيها ملاك رائع..

" خلاص هذا أهم شي .. أن أكون في نظر خطيبي ملاك رائع ! "
و أنا أيضا أريد له صورة !! واحدة بواحدة ! و لم أكن لأنفك أطلبها منه و لو بطريقة غير مباشرة ..
حتى وعدني بإحضار صورة شخصية له غداً ..
" أيوه كذا .. علشان أشعر بأني مخطوبة .. و أفوشر بصورة بعلي على ربعي ! و أقول إليهم .. شوفوا اشكثر عصامي وسيم و يجنن ! "

ثم أني سرعان ما انتهزت لحظة تعذرت أمي فيها بالذهاب إلى المطبخ .. لشرب الماء ..
و إن كنت أعلم أن غسل عبراتها و تجفيف دموعها..
هو السبب الحقيقي في انصرافها عنا ..
انتهزت الفرصة لأحادث خطيبي المبجل و بشيء من الدلال..
في رغبتي باستعارة سيارته..
للقيام بمشاويري اللازمة لحفلة الخطوبة المرتقبة !
و كانت عبارتي تلك ..
هي الشرارة لأن أبدأ حرباً معه ..
استمرت لأكثر من ربع ساعة ،
و هو يحاول فيها عبثاً إقناعي بأنه سيقوم بإيصالي إلى المكان الذي أريد ..
فهو و كما يقول
.. أبداً لا يحبذ سياقة المرأة .. إلا فقط للضرورة القصوى !
" بس انتوا طبعا تدرون شنو ردة فعلي و رايي في هالموضوع !
و الله هذا اللي ناقص ! ياخذني و يحبسني و يمنعني من السياقة بعد ! "


و عندما لم يجدي المنطق في إقناع عصام بوجهة نظري .. لجأت كما عادة المرأة ..
إلى سلاح العاطفة ..
ليرضخ عصام و قد استعملت معه كل ما لدي من طاقة و قدرة في تمثيل دور ( الزعلانين ) و أنا أهمهم له ..
" إن كنت خائف على سيارتك لهذه الدرجة .. فأنا خلاص لم أعد أرغب في أخذها ! "
فما كان أمام عصام سوى أن يطرق رأسه قليلاً..
و قد شرد بنظراته لبضع ثوانٍ..
قبل أن يجيئني صوته راضخاً ..

" حسناً .. حسناً عزيزتي .. و لكن انتبهي لنفسك جيداً ! "

ثم مد يديه إلى جيبه ليناولني مفاتيح السيارة ..
اعتلت وجهي ابتسامة واسعة و أنا أمد يدي لأختطفها من بين يده ..
إلا أن أصابع عصام كانت لا تزال عالقة ..
تأبى أن تترك لي المفاتيح ..
" ها ؟!! هل غيرت رأيك ؟ ألن تناولني إياها ؟! "

"ليس قبل أن تعيديني أنك ستنتبهين لنفسك جيداً ..
و أنك لن تكوني لوحدك ..
اصطحبي معك صفاء.. أو محمد .. أو حتى أسماء ! "
" حاضر .. عزيزي حاضر ! "



و لم أكن لأنتبه ما تفوهت به من شدة الفرحة التي كانت تغمرني.. في تلك اللحظة ..
و لكن ردة فعل خطيبي و ابتسامته الواسعة ..
جعلتني أدرك ما قلته له للتو ..
و قد كانت هذه هي المرة الأولى التي أناديه فيها بعزيزي .. مع أنها جاءت عفوية بالفعل..
دون أن أخطط لها مسبقاً !
" أعيدي ما قلتيه لي للتو .. "
تجمدت في مكاني ..
و قد أصبح وجهي بلون التوت الأحمر ..
إلا أني سرعان ما تداركت الموقف بأن قلت ..
" لم أقل شيئا سوى حاضر عصام حاضر ! "
" لا.. كانت هناك كلمة أخرى .. أعيديها أرجوك !"
و لأنه كان قابضاً بقوة على معصمي ..
و في عينيه رسالة ترجي صادقة ..
" لاحقاً .. لاحقاً.. لا تكن طماعاً .. ع ز ي ز ي ! "

و انفرجت أساريره.. و اعتلت وجهه ابتسامة طفل وديع.. قبل أن يسمح لي بالانصراف إلى خارج البيت..
حيث أستطيع المرور على صفاء لاصطحابها معي إلى السوق كما خططت ..

" لكم هي مشاعرهم مرهفة و حساسة ! هؤلاء الرجال في بعض الأحيان .. كما الأطفال تماماً !! "

في داخل السيارة .. و قبل أن نتحرك ....
طالعتني صفاء و هي تتساءل ..
" ما هي خطتنا في المشاوير مرام ! "
" سنمر أولاً على الفستان .. ثم الباقة .. و من ثم الصالة لحجزها ! "
" ما شاء الله .. الله يعينا على كل هالمشاوير ! "
" ها .. إذ ما إليج خلق .. قولي من الحين قبل ما نتحرك ! "
" لا.. ليش كم مرام أنا عندي .. أنا ما قلت شي .. بس انتبهي للطريق قبل ما تودينا في داهية .. "
" أشووه .. حسبت بعد ! "


بعدها بقليل .. ارتفع صوتي مخاطباً ابنة خالتي ..
" ناوليني الهاتف .. سأتصل بعصام ! "
" و لماذا يا ست الحسن و الجمال ! "
" ليصف لي أين يقع محل الأزهار ؟!! "
"و لكني أعرف جيداً أين ذا يقع !! "
" أعلم بذلك .. و لكني أرغب في أن يصف لي هو ..
لا أنت !! "

بعدها بقليل..
أعدت الكرة أيضاً .. و لكن لأننا كنا بالفعل ضائعتين !
و من شدة ارتباكي ..

لم أنتبه إلا و صوت صفاء يصرخ مدوياً ..
" مراااااام.. انتبهي .. انتبهي !!!"

و تداركت الأمر ..
بأن حرفت السيارة قليلاً.. لأتجاوز حادثاً كان على وشك أن يقع !!
" مرام حاسبي أرجوك .. كدت تصطدمين بالسيارة التي أمامنا ! "
" هي من توقفت فجأة .. ليس ذنبي أن غيري لا يعرف كيف يقود السيارة ! "

و لأن الارتباك كان قد أخذ مني مأخذه ..
لذا سرعان ما أوقفت السيارة جانباً ..
و شرعت في البكاء ..
و ما زاد الطين بلة ..
هو أن الموقف الذي أوقفت فيه السيارة ..
كان من الممنوع الوقوف فيه ..
و قد لمحنا رجل مرور في تلك اللحظة ..
و بالطبع فإن رجال المرور متفانين في الخدمة ..
و بالقيام بواجبهم على أتم وجه ..
لذا فإنه فقط أعطانا مخالفة بالوقوف في ما هو ممنوع الوقوف فيه ..
و أخرى لعدم ارتدائي الحزام !

و لم يقتصر يومي على هذه المفاجآت فقط..
بل أعدت السيارة لعصام في نهاية النهار..
بخدش صغير..صغير جداً !
حدث حينما حاولت إيقاف السيارة في زقاق ضيق بالقرب من الخياط !
و في واقع الأمر أنه لم يكن صغيراً جداً ..
و لكن هذه هي الطريقة المتبعة في تهوين الأمور الجسام !
و مع هذا ...
فقد كانت ردة فعل عصام هي فقط أن رفع يده واضعاً إياها على رأسه ..
فاغرا فاه ..
لبرهة من الزمن و هو يتأمل الخدش و الذي امتد على جانب السيارة ..
من بدايتها .. إلى نهايتها !
و لأني كنت بالفعل أشعر بشيء من تأنيب الضمير .. أسرعت أهمهم له بشيء من كلمات الاعتذار الصادقة ..
و أنا أناوله مفاتيح السيارة ..
و قد ترقرق الدمع في عيني يرجو سماحه..
" آسفة عصام .. أنا حقا آسفة .. لم يكن قصدي .. "
عملية استيعاب الموقف .. أخذت من عصام بضع ثوان قبل أن يجيئني صوته هادئاً ..
" خيراً إن شاء الله .. أهم شيء أنك لم تصابي بسوء .. إنها فقط قطعة من الحديد.. لا تهتمي بذلك ! "
ابتسمت و أنا أكرر أسفي له .. و قد تذكرت لحظتها ما قالته لي صفاء حينما خدشت السيارة ..
" في الحديد .. و لا فيني ! أليس كذلك ؟!! أهم شي سلامتي !! "
و أما عن موضوع المخالفات..
سأخبره بها لاحقا..
فأنا أخاف على زوجي .. من كثرة الصدمات !!




.. للحديث بقيه ..