الج ـزء (22)


في صباح اليوم التالي، فتحت عيني على صوت الهاتف المحمول و هو يتعالى ينبئني بورد مكالمة ما ،..
و لم أكن لأركز على رقم الهاتف الوارد ، و النعاس بسلطانه كان لا يزال عالقا على أهداب عيني ..

فقط رفعت السماعة و همهمت بصوت ناعس
" نعم ؟؟!! "
" ... "
" من هناك؟! "
" ... "
" فلتنطقي! من معي ؟! "

و لكن دون جدوى..
فلا من مجيب سوى صمت مطبق، و صوت تنفس أحدهم أو إحداهن .. و هي تزفر بعمق .. و تتنهد بألم !
هي نفسها تلك التي كانت تتصل في..

و تتهمني بأني خاطفة الرجال بلا شك..
و مع هذا ..
عاودت النوم مجدداً.. لا أنكر أن ذلك كان بصعوبة ..
و قد أطارت تلك المجنونة النوم من عيني ..
و لكن لم تمر سوى ربع ساعة إلا و قد عاود الهاتف الصياح مرة أخرى !!
" نعم ؟؟.. من ؟؟ .. فلتتكلمي أيتها المجنونة !! من معي !! "
" ... "
و ما من مجيب هذه المرة أيضاً !!

لذا أغلقت السماعة ، و قد ارتفع ضغط دمي لدرجة أني كنت أشعر بحرقة شديدة في أعماقي ..
و ثوران غاضب في شراييني !
رميت برأسي على الوسادة مجدداً ..
و رفعت كذلك البطانية أغطي بها وجهي و كلي إصرار على مواصلة النوم ..
فالساعة لا تزال عند التاسعة صباحا !!

بعدها بقليل..
رفعت السماعة للمرة الثالثة ..
و قد ارتفع صياح ( موبايلي ) مجدداً ..
و قد أخذ مني الغضب مأخذه ..
لذا و دون أن ألمح من هو المتصل هذه المرة ..
فقط رفعت السماعة لأجيب ، و كلي غضب و حقد على من سلبني النوم في هذا الصباح الباكر، و يحاول سلبني سعادتي في أحلى أيام عمري ..
" هييييي.. يا قليلين الأدب ! ردوا.. و إلا بيصير إليكم شي عمركم ما شفتونه!"
و لم أكن لأكمل سلسلة شتائمي المشبعة بالغضب ..

و قد ارتفع صوت الطرف الآخر مذهولاً ليقاطعني !
" صباح الورد يا أحلى مرام ! "
" ها؟!! هذا أنت يا عصام ! "
و لكم فقط أن تتخيلوا مقدار الحرج الشديد و اللون الأحمر الذي انطبع في وجنتاي في تلك اللحظة !
" عصام.. آسفة .. لم أكن أقصدك بالطبع ! "
" خير عزيزتي..
ما الأمر ؟! .. ماذا هناك ؟! "
" هو هاتف من مجهولة.. تكرر كذا مرة .. دون أن تتكلم ، فقط تسمعني صوت بكائها حيناً .. أو تنهداتها و زفراتها حيناً آخر .. ! "


و الصدمة الكبرى كانت هي حين أمليت الرقم على عصام ..
فقد كانت هي من أخشاها .. ابنة العمة المحترمة !!
" يا الهي ،، ماذا تريد مني؟! لماذا لا تتركني وشأني ؟! لماذا هي مصرة على تحطيم حياتنا! "
" هوني الأمر عليك حبيبتي ،
لن تستطيع هي أو حتى غيرها أن يضروك .. و أنا معك !"

طمأنني عصام بنبرته الحانية ،
" أروع ما في خطيبي هي قدرته العجيبة في امتصاص ثورة غضبي مهما كانت ! "
و لم يكن عصام ليتركني قبل أن يسمع مني ضحكة قصيرة عقبت بها على نغزته المازحة و هو يقول ..
"حبيبتي .. أو لن تعزميني على غداء من صنع يديك اليوم ، فأنا أود حقاً الاطمئنان على مستقبلي ! "
و قبل أن يغلق عصام الخط مودعاً ..

ذكرته بالعقد ..
فخطيبي مصاب كغيره من أبناء هذا الجيل ..
بداء النسيان ..
" عصام.. لا تنسى أن تمر في طريقك على العقد لتحضره .. "
" أووه.. كدت أنساه .. جيد أنك ذكرتني ! "
" أو لم أقل لكم !! ..

إلا خوفتي يوم من الأيام ينساني ! "

سرعان ما تنشطت همتي ، و قد أنعشني صوت خطيبي المبجل و حديثه الرائع بنبرته الحانية !
لذا أسرعت اتجاه والدتي أطلب منها المساعدة في المطبخ ، بل أقصد أن أخبرها أن عصام سيتناول معنا الغداء اليوم..

و أنا من يتحتم علي مساعدتها ..
لا العكس ..
حضرنا ما حضرناه من أطباق و سلطات و عصائر و حلويات ..
" يا بختك يا عصام .. ما راح تطلع من بيتنا إلا زايد وزنك كم كيلو .. ! "

و في الواقع ، كان جل همي و أنا أساعد أمي أن أرى ردة فعل عصام و هو يضع اللقمة الأولى مما صنعته يدي ..
أووه أقصد والدتي ..
و لكن تحت إرشاداتي ..
و لكن لا تخبروه بذلك ..
و ليكن هذا سر ٌ بيني و بينكم حتى حين ..

بعد أن تناولنا الغداء في ذلك اليوم ، و الذي نال بالطبع رضا خطيبي الكامل ..
و الدليل على ذلك أننا رفعنا جميع الأطباق من على المائدة .. فارغةً تماماً !

أصرَّ خطيبي المبجل على رؤية صوري القديمة و التي ترجع إلى أيام الطفولة المنصرمة ..!!
" لا مستحيل .. فشيلة !!
في صور واجد اتخرع ، و صور مخيفة جداً .. و صور مرعبة جداً ! و صور ما إليها طعمة ! و من غير أي سالفة ! "

و لكن و لأن أخي محمد لم يدع لي أي فرصة للتهرب..
و قد قفز فجأة ملبياً طلب عصام !
لم يكن أمامي حينها سوى الإذعان..
و محاولة التستر على ما وراء الصور من حكايات ..
و مشاغبات الطفولة البريئة و ذكريات و إن كانت قديمة .. فهي و بالتأكيد جميلة .. بل رائعة !
" آآه .. ألا ليت الطفولة تعود يوماً .. فقط لأخبرها بما فعل بي الشباب ! "





.. للحديث بقيه ..