الج ـزء (14)

لم تكن ليلتي بأحسن حالاً من سابقتها ..
فقد راودتني كوابيس مرعبة كما العادة ..
دارت حول عصام و والده غالباً ..
مما عكر مزاجي كلياً .. حاولت الاستغراق مجدداً في النوم ..
وقد كانت الساعة لا تزال عالقةً على العاشرة صباحاً ..
إلا أن صوتاً حبيباً كان يهاجمني بعد دقائق قليلة من تلك المحاولة ..

-" هيا أيتها الكسولة .. استيقظي .. كفاكِ نوماً ! "

-" أووه دعيني أنام .. لم أستطع النوم البارحة .. و لا حتى سابقتها.. "

قلت ذاك مدافعة عن حقي في النوم ..
و أنا أسحب من غطاء ( شرشفي ) لأغطي به وجهي .. في محاولة جادة لأن أنام ..

-" مرام .. هيا.. لقد تأخرنا .. "
-" صفاء .. أرجوكِ .. نصف ساعة فقط .. ! "
-" و لا حتى دقيقة واحدة .. هيا قومي أمامي ..

سأنتظرك في السيارة .. "

و عندما لم أجد بُدّاً من النهوض ..
و خصوصاً أن صفاء قد أغلقت التكييف و فتحت الستائر ..
و أضاءت الأنوار .. !
ثم بدأت أيضاً بمداعبتي بإحدى الدمى القطنية الكبيرة جداً .. و التي لا زلت أحتفظ بها في غرفتي منذ طفولتي .. !


لذا نهضت و أنا أكاد بصعوبة بالغة أحسن السيطرة على توازني و أفتح عيني المثقلتين بالهموم و الدموع أيضاً ..


-" هيا أسرعي .. أنا في السيارة .. "

جهزت نفسي بسرعة فائقة .. و أسرعت ألحق بصفاء .. حيث كانت تنتظرني في سيارتها الذهبية
-" إنت دوماً سبب تأخرنا..
أو لم يكن اتفاقنا على الساعة التاسعة و النصف .. ؟!!
انظري كم الساعة الآن .. !! "


هكذا استقبلتني صفاء في السيارة بهجوم معتاد ،، تلومني فيه على تأخري .. و عدم التزامي بمواعيدي ..
-" الساعة لم تتجاوز العاشرة إلا بربع ساعة .. ! "
-"أووه .. حقاً .. ساعة إلا ربع فقط .. تطور ملحوظ .. !!! "
-" صفاء.. كفي عن مثل هذه النبرة .. أكاد أنفجر بالفعل من كثرة الضغوط النفسية التي تحيط بي .. "

ثوان صمت طالت .. قبل أن يجيئني صوتها معتذراً ..

-" آسفة حبيبتي .. لم أقصد إلا مداعبتك .. ! "

لكن اعتذارها هذا جاء بعد أن كانت دموعي قد بدأت بالانهمار ..
و بدأت أسرد لها ما كان البارحة ..
ابتداءاً بحادثة سيارة المراهقين .. وتعطل سيارة عصام ..
وعراك عصام مع ثلة هؤلاء المراهقين ..
والذي كاد الأمر أن يتطور إلى أن يصل إلى الشرطة .. لولا لواذ المراهقين بالفرار في اللحظة الأخيرة ..
ثم انتهاءاً بهاتف تلك المعتوهة التي كانت تتهمني بأني
"خاطفة للرجال "..

-" عزيزتي .. هوني الأمر عليك .. و أسلمي الأمر كله لله .. الله سيكون بعونك وعون عصام .. "
-" و نعم بالله .. الله كريم .. "

قلت عبارتي هذه مصحوبة بتنهد جداً عميق ،،
وأنا أقر تمام الإسلام إلى المولى الكريم ..
آآآه يا ربي .. ها أنا ذا قد أسلمت أمري إليك يا رب .. فلا تخذلني ..


هناك في المجمع ..
لم يكن لي أي مزاج للتسوق .. بعد كل هذه المواقف و الأحداث المتتالية التي ألمت بي مؤخراً ..
لذا كانت صفاء هي فقط من يبتاع ..
أما أنا فقد كانت مهمتي تنحصر في هز رأسي بالموافقة في حال سألتني إن كان ما اختارته مناسباً أو لا ؟!!
هكذا قضينا ساعتين في المجمع ..

ونحن نتنقل من محل إلى آخر .. محملين بأكياس بضائع ما ابتاعته صفاء المبذرة ..

-" هييي .. مرام .. انظري ما أروعه .. !! "

هكذا هتفت لي صفاء و هي تشير إلى فستان أحمر معروض في واجهة أحد المحال ..

-"إنه رائع .. سيكون تحفة عليك .. ! "
-" لا يا عزيزتي .. إنه ليس لي ..

بل لك يا عروس ! "

اعترضت حديثي و هي تهز رأسها بالنفي..

-" لي؟!!! .. و ماذا أفعل أنا بمثل هذا الفستان !!
ثم أنك تعرفين أني لا أحب اللون الأحمر !! "

-" لا يهم إن كنتي تحبين الأحمر أو لا ..فقط اشتريه .. إنه أروع حتى من الرائع .. !! "

و أكملت محاولتها في إقناعي بشراء الثوب ..

و هي تغمزني بكوعها ..
-" ثم أن جميع الرجال بلا استثناء يعشقون اللون الأحمر .. "

بعد دقيقة صمت ..
أطرقت راسي موافقة .. مع أني لم أكن أفكر في أثناء تلك الدقيقة بشراء الثوب أو عدم شرائه..
إذ و على ما يبدو أني مضطرة إلى شراء الثوب ..
و إن كان باهض الثمن ..
فصفاء لن تتوقف عن إلحاحها المزعج .. إلا إذا اشتريته فقط ..

لكني و في محاولة أخيرة للتعبير عن رأيي ..
ارتفع صوتي قائلاً ..
-" يتحتم علي شراء ثوب أسود ... لا أحمر .. بعد كل هذه الحوادث المأساوية!"
-" هييي .. مرام !! لا تكوني متشائمة هكذا

واشتريه .. "

لا أنكر أنه كان رائعاً جداً ..
لكني و بطبعي لا أحب اللون الأحمر .. فهو كثيراً ما يثير من عصبيتي و" ينرفزني" ..
و لست أفهم ما يعجب الرجال في مثل هذا اللون الناري .. إنهم عديمي الذوق !

بعد ذلك توقفت عند واجهة أحد المحال المختصة ببيع المجوهرات ..
لم أستطع مقاومة بريق الذهب .. و قد أثار لمعانه حسراتي ..
إذ أني و عصام لم نشتري بعد( دبل) الخطوبة !
هذا ما خطر في بالي .. و أنا أتمعن في أصابعي .. الخالية من أي خواتيم ..


دبل الخطوبة ..

من أهم ما في الخطوبة من كماليات .. !

و مع أنها من الكماليات .. و ربما يجب أن تكون آخر ما يشغل تفكيري في الفترة الراهنة ..

لكني شعرت برغبة عارمة باقتناء دبلة خطوبة لي و لعصام .. و الآن !

و لكأن صفاء كانت تقرأ أفكاري ..

لذا دفعتني دفعاً إلى داخل المحل .. لتقضي على التردد الذي كان يراودني ..

و أخذت أنتقي من بين الدبل المعروضة .. ما شعرت أنه أحلاها ..

بل و أغلاها سعراً ..

فقد كانت (دبلتي المستقبلية) من الذهب الأبيض .. المزدانة بفص متوسط من الألماس ..

و كان أقل ما توصف به مثل هذه (الدبلة) أنها فوق الرائعة جداً ..

و مع أن سعرها كان خيالياً ..
لكن صفاء شجعتني على اقتنائها .. و قد أشعلت فيَّ مبدأ :
"أني غالية و الغالي يرخص لي" ..

و قد كان من تفكير صفاء الذي تسرب لي أيضاً .. أن "معزتي" عند عصام ستظهر واضحة على معالم وجهه .. عندما يستلم فواتير (الدبلة )..
فكلما كانت معزتي في قلبه أكبر .. كلما كان العبوس على وجهه أقل ..

و مع اقتناعي التام بمثل هذه الفلسفة ..
و أن هناك مرام واحدة فقط في حياة عصام ..
و يحق لها كل هذا الدلال ..
لكني و لسبب خفي في أعماقي .. آثرت عدم التسرع ..

لذا لم أقتني الدبلة ..
بل فقط حجزتها على أساس أني سأعود لاحقاً لاقتنائها ..
و حددت اللاحقاً هذه بفترة أسبوعين .. !!

-" أسبوعين ؟!! "

قاطعت صفاء حديثي مع البائع ..
و قد ارتسمت عليها إمارات العجب و الدهشة ..

-" و ربما أكثر .. ! "


فمن ذا الذي يدري ما قد يخفيه الغد لي و لعصام ..


بعد كل هذه الظروف التي احتوتنا في الأسبوع الأول لخطوبتنا ..
و من ذا الذي يضمن لي أن الأمور لن تتعقد أكثر و أكثر .. وخصوصا أن والد عصام لا يزال في المستشفى !!
ثم أن الرياح دائماً تجري بما لا تشتهيه مرام ..


" نظرة تشاؤمية .. و لكنها هي الواقع بحذافيره ..

آآه يا ربي .. سترك علينا .. و فرجك القريب .. "





.. البقية تأتي ..