الج ـزء(26)
" هييي.. أنت يا خاطفة الرجال ! .. ماذا تفعلين هنا لابنتي ! "
أو لا يكفيك أنك باختطافك عصام منها .. قد دمرتيها!! "
" أنا التي دمرتها أم أنت ! "
هكذا وددت لو أصرخ في وجهها ..
إلا أني لم أكن بالطبع لأمتلك الجرأة و خصوصاً أن صوتها المرعب ..
و صراخها المزمجر .. كانا قد أرعباني كثيراً ..
لدرجة أني فقط تمنيت لو تنشق الأرض و تبتلعني !
و عندما يعجز اللسان على الرد على أمثالها ..
فإن الدموع بلا شك أقوى من أي كلمات..
لتعبر عما في داخلي من خوف، من سخط ، و من ارتباك !
صفاء كانت قد اقتربت مني لتقف إلى جانبي..
مساندة إياي في موقف حرب كهذا ..
مع أني لم أكن لأعرف حتى كيف أحارب ..
أو أني خططت مسبقاً للدخول في العراك معها !
فقد جئت مسالمة ..
أحسب ببراءة أنهما سيرحبون بي و بقدومي..
بل و ربما ظننت أنهما ستهرعان إلى معانقتي لنفتح صفحة جديدة !
لكن ما يحدث الآن هو على النقيض تماماً ..
فها هي العمة منتصبة ..
و قد أطلقت العنان للسانها لينهال عليّ بالشتائم المتواصلة !
و ها هي الابنة ..
لا تكاد تتحرك في شبه غيبوبة..
من شدة الانهيار النفسي التي كانت و بلا أي شك تعاني منه.. يكفي أنها تملك أماً كهذه !
نقلت بصري اتجاه الابنة المسكينة ..
لأتأكد من شبه غيبوبتها ..
و قد عزمت أن ألقي عليها نظرة الوداع ..
قبل أن أحمل نفسي و صفاء خارجاً ..
و كلي أسفٌ عليها تلك المسكينة ..
و احتقار إلى الأم المستبدة .. و شخصيتها المسيطرة !
ثم أني أدرت ظهري..
و اتجهت ناحية الباب .. ساحبة معي صفاء ..
فلا بقاء لنا هنا .. في مكان تـُراق فيه كرامتنا.. !
و أنا لا أريد أن أنزل من نفسي فأرد على أمثالها و أعطيهم و لو شيئا من قيمة تـُذكر !
إلا أني و قبل أن أخطو خطوة واحدة إلى الخارج ..
ضغطت صفاء على أصابع يدي بقوة ..
و لكأنها تريد مني البقاء قليلاً !
أدرت رأسي مرة أخرى إلى داخل الغرفة ..
لألمح ابنة العمة و هي تتمالك نفسها لتنهض من على السرير ببطءٍ شديد ..
ثم لتتجه كما الأشباح إلى حيث كانت أمها لا تزال ترغي و تزيد بسيل شتائمها المتواصل ..
ثم و في لحظة خاطفة ..
رفعت الابنة يدها عالياً..
لتستقر و بقوة غير متوقعة على خد الأم ..
و التي وقفت مذهولة لبرهة من الزمن .. غير مصدقة !
رفعت الأم يدها ببطءٍ شديد..
و هي تتلمس أثر الصفعة على وجنتيها و التي احمرت احمراراً شديداً .. ملفتاً للنظر .. و مثيراً للأسى ..
" أو تصفعيني ؟! .. تصفعين أمك !! "
رفعت الابنة كلتا يدها مرة أخرى .. لتدفع بهما جسد الأم.. باتجاه الباب .. و هي تصرخ فيها ..
" برررررررررررره !!!!! "
" و تطرديني أيضاً ؟! "
كانت الابنة و حتى هذه اللحظة تبدو كما الأشباح..
أو الموتى ..
أو ربما (الربوتات) الآلية ..
إلا أني قد بدأت بعدها ألمح على وجهها شيئاً من نبض الحياة ..
قد عاد إليها على حين غرة !
لم يطل الموقف كثيراً.. حتى بدأت الابنة بالبكاء و العويل ..
و من خلف عبراتها.. خرج صوتها مرتجفاً ..
و هو يخاطب الأم المتجبرة ..
" لا أريدك في حياتي .. اخرجي أرجوك ..كنتِ و لا تزالين أم مسيطرة مستبدة .. منعتني من حريتي و أبسط حقوقي منذ صغري..تحكمتي فيّ .. و سيطرتي حتى على مشاعري .. فعلقتيني وهماً بعصام .. و أخذتي تمنيني أنه سيكون لي و بلا شك !!
دعيني و لو لمرة أعبر عن مشاعري و سخطي و غضبي .. دعيني أعيش حياتي كما أريدها أنا .. لا كما تريدينها أنت .. دعي عصام و عروسه يعيشان حياتهما .. بل و لتدعي أن يبارك لهما الرب في حياتهما .. و يغلف عليهما بالمحبة و السعادة الأبدية .. اخرجي أرجوك .. برررررررررررررره ! "
لم يكن أمام الأم بالطبع سوى الانسحاب من الموقف .. لتلملم شيئاً من كرامتها و التي أهانتها ابنتها الوحيدة أمامنا..
و مع أني بالطبع لا أؤيد موقف الابنة بالتهجم على أمها ..
و لكني ألمس لها كل العذر فيما فعلته ..
فلتعبر هذه المسكينة عما يدور في خلدها ..
و لتكن لها رغباتها و مشاعرها الخاصة بها ..
بعيداً كل البعد عن سيطرة والدتها و جبروتها
.. اتجهت ابنة العمة اتجاهي ..
ثم و من دون سابق إنذار فتحت لي ذراعيها لتحتضنني قائلة ..
" اعتني بعصام جيداً .. فأنا لا أرغب إلا
بالسعادة له .. "
لم أعرف بماذا أرد عليها ..
و ردة فعلها قد أربكتني ..
إلا أني همست لها قائلة و أنا أغالب دموعي ..
" لا تخافي .. عصام في عيوني .. و لكن أنت اعتني في نفسك جيداً .. فأنا أنتظرك لتصبحي صديقتي .. "
.. للحديث بقيه ..
المفضلات