الج ـزء (18)


ألقت أمي عليَّ فيما بعد محاضرةً طويلةً عريضة ..
تتمحور حول حقوق الزوج على الزوجة ..
و كيف أنه من الطبيعي جداً في علاقة أي رجل بأي امرأة و هما في ظل الشرع ..
ظهور طقوس الحب و المودة ..
و من ضمن طقوس الحب هذه ..

هي عملية ( تقبيل اليدين !! )

إذاً ..
لا داعي لأي حرجٍ أو ارتباك ،،
في حال أن عصام مثلاً حاول التودد لي مجدداً !

و مع أن رأسي كان مطرقاً أثناء محاضرة أمي العزيزة عليَّ ! .. في محاولة مني لتمثيل دور الفتاة المهذبة ..
أو بالأحرى المجرمة المعترفة بذنبها !
إلا أنه و عندما أمي وصلت بالتحديد إلى هذه الفقرة ..
أي إلى محاولة تكرار الأمر ..
لم أستطع لحظتها تمالك نفسي ،، لذا أطلقت ضحكة قصيرة مكتومة منذ بدء المحاضرة ..
إلا أني استدركت الموقف .. بابتسامة بريئة ..
و أنا أتمتم لأمي ..

-" لكني شبه متأكدة .. أن عصام لن يفعلها.. بعد كل ما فعلته له المسكين ! "


في صباح اليوم التالي ،،
أجبرتني أمي على الاتصال إلى عصام ،، و اختلاق أي محادثة طبيعية معه ..
و بالطبع كان لأمي ما أرادت .. ليس لأنها أمي فقط ،،

و لكن لأني أنا الأخرى كنت أشعر بشيءٍ من تأنيب الضمير ..
كما أني كنتُ جداً قلقةً عليه ،، أو خائفة من كون عصام قد ( زعل ) ،،
أو أخذ موقفاً سلبياً مني مثلاً !

كان صوت عصام راكزاً كما العادة ،، حنوناً ..

و مرحباً .. و لكأنَّ شيئاً لم يكن !

أخبرني عصام أن المستشفى أخيراً قد أفرجوا عن أبيه ،،
و أنه سوف يمر بعد العصر ليصطحبه إلى المنزل ..

فكان أن طلبت منه بشيءٍ من التردد أن يمر لاصطحابي معه قبل ذهابه إلى هناك ..
و لكأن عرضي هذا قد أراح عصام كثيراً ..
و بالتالي فإني قد شعرت أنا الأخرى بشيءٍ من السعادة ..
و أنا أخطو على نهج ما علمتني إياه أمي الحبيبة من واجبات الزوجة اتجاه زوجها ..
و التي كان من ضمنها طبعاً .. الوقوف إلى جانبه ..
و معه.. في أصعب الظروف .. و أحلك الأيام ،،

عند تمام الساعة الرابعة عصراً ..
كنت مع عصام في المستشفى ..
و في حين أن عصام كان يكمل إجراءات رخصة عمي ،،
كنت أنا على مقاعد الانتظار .. أتمتم في أعماقي آيات الشكر و الامتنان للمولى الكريم عز و جل .
. و الذي قد منَّ على والد عصام بالعافية و الصحة ..
بعد سلسلة معقدة من الإجراءات الروتينية..

صعدنا إلى الطابق الثالث ..
إلى حيث كان والد عصام في غرفته ..
و ذلك لنصطحبه معنا إلى البيت .. إلا أن جميع أطرافي كانت قد توترت .. و تصلبت أعضاء جسدي جميعها ..
لأقف على الباب .. بالقرب من عصام ..
و أنا ألمح تلك العمة و ابنتها المعتوهة .. مقبلتان نحونا ..
و ابتسامة كبيرة جداً .. و ضحكات مصطنعة مبتورة .. تكاد لا تفارق تلك الأقنعة التي توارت تلك الامرأتان خلفها ..

لون عصام كان أيضاً قد تغير بمرآهما ،، و قد تجمد هو الآخر في مكانه لوهلة ..
محاولاً ترجمة أو تحليل موقف و تصرفات هاتين العديمتي الكرامة !
أو لا يملكون ذرةٍ من الإحساس ؟!
أم أنهما قد تناستا تماماً ..
تلك القضية التي رفعوها للتوِّ في المحكمة.. ضد عمي ! مطالبين فيها بإرث ليس من حقهما !
-" عصام.. عزيزي ..أووه .. لا تستطيع فقط تخيل السعادة الحقيقية التي أنا اليوم فيها.. لسماعي بخبر خروج عمي من المستشفى ..!! "
زاد العبوس في وجهي .. و أنا أستمع إلى صوتها الغنج المثير للشفقة أكثر من أي شيء !!

كما أني و لوهلة شعرت بانقباض في صدري ،، و شعور غريب كان أيضاً قد تسلل إليَّ ..
لم أعهده سابقاً !

شعور بالأنانية .. و بأني أريد عصام لي وحدي فقط ..
أو ربما هو شعور بالخوف .. من أن أفقد عصام ..
أو هو مزيج من هذا و ذاك .. !!

أممممممم ،،
هل هذه هي الغيرة التي قد سمعت عنها كثيراً في السابق ؟!!
من يدري .. ربما ..

مرت العمة عليّ .. و كذلك الابنة ..
دون أن تلقيا حتى نظرة أو تحية عابرة ..
و لكأنني جماد لا يستحق أبداً السلام ..
مما زاد بالطبع في حنقي عليهما .. و في غضبي الشديد .. إلا أني تمالكت أعصابي .. و قد كنت على يقينٍ تام ..
بأن عصام و كما العادة سيحسن التصرف ..

رفع عصام يده ممسكاً مقبض الباب .. و قد مد ذراعيه بالعرض مانعاً العمة و الابنة من اقتحام الغرفة ..
-" أبي تعب .. و لا يرغب باستقبال أيَّ زوار ! "

-" زوّار؟؟!! ..
و لكنني عمتك يا عصام .. فعن أي زوّارٍ تتحدث ؟!! "

صمت عصام و قد تشابك حاجباه لوهلة ..
و قد شعرت به و لكأنه في جهاد عميق مع أعصابه ..
فقط ليتمكن من السيطرة عليها .. ليرتفع بعد حين صوته ..
و بنفس النبرة الهادئة .. مكرراً العبارة ذاتها ..
-" لقد قلت ..أن أبي تعب ..
و لا يرغب في استقبال أي زوّار "

" يا لعصام و قوته !!
كيف يتمكن خطيبي المبجل من ضبط أعصابه .. بمثل هذه الطريقة العجيبة !!
إن هذا فعلاً مثيراً للإعجاب .. "

ثم أن عصام بهدوءٍ تام ..
أشار إلى أحد موظفي الأمن المتواجدين هناك قائلاً :
" هلاَّ قُدتَ السيدتين إلى خارج المستشفى .. فهما تتسببان بشيءٍ من الإزعاج إلى المرضى .. "

و على الرغم من أن العمة كانت قد بدأت بتلميم أطراف عباءتها المكشوفة .. أو بالأحرى بتلميم كرامتها المهانة ..
و هي في طريقها إلى الخارج ..
إلا أنها مع ابنتها قد توقفت للحظة .. فقط لترمياني بنظرات استحقار .. التهمتاني فيها التهاماً ..
و قد قرأت في تلك النظرات .. رسالة قصيرة مفادها أن الانتقام آت !
.. فيا ربي سترك ..

بعد رحيلهما مباشرة .. تقدمت إلى عصام و أنا أهمس له معاتبة ..
-" ما كان يجب أن تقسو عليهما بمثل هذه الدرجة .. فهما يستحقان الشفقة .. لا أكثر !"

قاطعني عصام قائلاً ..
" بل تستحقان القتل .. أو لا تكفي محاولاتهما المستميتة للتفريق بيننا ؟!! "

" أمممممم ،،
هل هذا يعني مثلاً أنك ستتعمد قتلهما فيما لو نجحا يوماً في مؤامراتهما اللا نهائية .. ؟!! "

" طبعاً .. إلا أني سأقتل نفسي بعدها .. !! .."

و صمت للحظة قبل أن يكمل ..
" لأني أبداً لن أستطيع الحياة دونك .. "

طبعا لقد كان هذا الحوار استغلال للموقف و العاطفة ..
" لكن كيفي ..
كان خاطري أعرف اشكثر عصام يعزني ..
هيييي .. كيفي لا اطالعوني جذي.. "







.. للحديث بقيه ..