الج ـزء (19)
ما أن قمنا بإيصال عمي إلى المنزل في تلك الليلة ،،
و أطمأنينا عليه..
و بأنه سيأوي
حالا ً إلى الفراش ليرتاح ..
حتى غمز لي عصام بطرف عينه ،، بما معناه أن يريدني في
حديث خاص ..
لذا تسللنا إلى خارج المجلس ..
ليسألني إن كنت أرغب في تناول
العشاء خارجاً ..
-" الآن ؟! و في مثل هذا الوقت المتأخر ؟!! "
-" و لما لا .. فأنا أتضور جوعاً عزيزتي .. "
-" اممم .. حسناً.. و لكن فليكن مطعماً قريباً .. "
و للمرة الأولى في حياتي أشعر بأني أنا و المعروفة "بالعناد" منذ صغري ..
أذعن لطلب
أحدهم حالاً دون إبداء أي نوع من المعارضة ..
فهل يا ترى يكمن السر في سحر
عصام علي! ..
أم أنها أسطورة سي السيد مجدداً ؟!
لم يكتفي عصام بإجباري للاذعان برغبته في تناول العشاء في المطعم فقط ..
إلا أنه
أيضاً لم يدع لي الفرصة لاختيار المطعم الذي أرغب في الذهاب إليه معه ..
إذ أنه قد
قرر مسبقاً أنه مطعم ( جسر الملك فهد).. لا غيره !!
-" عصام .. مطعم الجسر بعيد .. سيكون المشوار طويلاً ..
و نحن في غاية التعب و الإرهاق ..
أي مطعم آخر سيكون مناسباً .. ماذا عن (الأبراج ) مثلا ! "
و لم يكن يبدو على عصام أنه قد سمع مني شيئاً مما قلته للتو ..
إذ سرعان ما توقف
أمام بوابة منزلي .. ليحضر لي جواز سفري و يبلغ أمي خبر سفرنا القصير لتناول
العشاء ..
و لنكون بعد دقائق قليلة فقط .. على الخط السريع إلى المملكة العربية السعودية ،، في طريقنا إلى مطعم الجسر .. !!!
كادت إجراءات الجسر تمر على خير ما يرام .. ما عدا المحطة ما قبل الأخيرة ،،
أي عند جوازات المملكة العربية السعودية ..
إذ طلب منا الموظف الوقوف جانباً بالسيارة ..
و قدبدت من نظراته أن هناك ثمة خطأ كبير أو مشكلة عويصة في هويّـاتنا ..
تتطلب منا الوقوف جانبا لفترة من الزمن ..
بانتظار التعليمات الجديدة التي ستأتي ممن يعلو
هذا الموظف مرتبه ،،
أركن عصام سيارته جانباً .. ثم نزل منها يستقصي الأمر .. تاركاً إياي
فيها لوحدي ..
أتمتم بكل الآيات القرآنية التي أحفظها عن ظهر قلب ،،
آملة من كل
أعماقي أن الأمر ليس بذا أهمية ..
و أنه مجرد اشتباه أو سوء فهم ..
و أنهم سرعان
ما سيفرجون عنا ..
دار بين عصام و الموظف حديثاً غامض .. لم تكن كلماته بالطبع
لتصل إلى أذني .. لبعد المسافة ..
إلا أنه و من خلال التغير الكبير الذي طرأ على
هيئة عصام و ملامح وجهه بالتحديد ..
أدركت أن الأمر أكبر بكثير مما كنت آمل ..
و أنه
بالفعل .. " يا ربي سترك " ،،
أطل عليّ عصام بعد دقائق طويلة من الانتظار ..
ليخبرني
بنظرات غائرة أن موظف الأمن يطلب منا الذهاب معاً إلى داخل ذاك المبنى ..
الذي
يقبع في تلك الناحية ،
-" ها! .. و لماذا ؟!! .. ما الذي يجري ؟! "
و لم يكن عصام ليجيبني بأي كلمة ..
لأنه هو الآخر ما كان ليستوعب بعد أيـّاً مما
يحدث لنا ..
فقط اكتفى خطيبي بهز رأسه بالنفي ،، و بأنه لايدري !
إلا أني استنتجت أن المشكلة تتمحور حول صورة عصام في جوازه ..
فهي له عندما
كان صغيراً على ما يبدو ..
و هم كثيراً ما يمنعون أصحاب مثل هذه الصور من العبور
إلى داخل المملكة ..
في داخل المبنى ..
استقبلنا رجل ضخم الجثة .. كث الشعر .. بلحية تكاد تصل إلى نحره ، يعتلي كتفه
عدد كبير من النجوم ..
كما يعتلي وجهه قناع بلا أي ملامح.. سوى الصرامة و الشرر الذي يتطاير من عينيه
بتلقائية ..
بدأ قلبي بالارتجاف الفعلي في تلك اللحظة .. كما أن أنفاسي كانت قد
بدأت تتسارع أيضاً .. فهذه هي المرة الأولى في حياتي كلها ..
و التي أتعرض فيها
لموقف أضطر فيه لمقابلة مثل هذا الإنسان المرعب ،،
تواريت خلف عصام ..
و قد
استندت على الجدار في أحد الأركان ..
في طلب شيء من الحماية أو الآمان ..
و لم
يطل انتظارنا كثيراً ..
إذ سرعان ما تفوه ذاك الضخم الأخضر .. بصوت مأساوي و نبرة
صوت حادة ..
خيّل إليّ منها أنه يصرخ .. لا يتكلم بصوته العادي ..
طلب من
عصام جواز سفر كل منا ..
لذا ناوله ما طلب بحركة آلية ..
ليتمعن الضابط فيهما ملياً ..
و لدقيقة كاملة ..محدقاً في صورة عصام ملياً .. ناقلاً نظراته بين الجواز و بين عصام و
لكأنه يتأكد من أن الماثل بين يديه هو بالفعل صاحب هذا الجواز..
و بعد أن تأكد أن لا
مشكلة في صورته ..
أراد و على ما يبدو فقط أن يمارس هوايته في تعذيب و اختلاق
المشاكل للناس ..
لذا خاطبني قائلا ..
-" ما هي صلة القرابة بينك و بين ال هذا .! "
و أشار بطرف العصا الغليظة التي كانت في يده إلى عصام .. فهو على ما يبدو
المقصود بهذا !
-" إنه خطيبي .. "
لكزني عصام بكوعه ..
و لكأنه يريد مني استدراك ما قلت ..
فعلى مايبدو أني تفوهت للتو
بخطأ جسيم..
-" إنها تقصد أنني زوجها "
-" زوجتك أو خطيبتك .. أين العقد الشرعي الذي يثبت ذلك ؟! "
-" هيي .. ما الأمر سعادة الضابط .. ما الذي يحدث هنا؟! "
-"هل يتحتم علينا حمل وثيقة عقدنا في أي مكان نذهب إليه !! و إلا ماذا ! "
دارت الدنيا بي و أنا أرى نفسي في هكذا موقف ..
و هؤلاء "الخضران" يرفضون تصديق
أن هذا العصام هو زوجي بالفعل و على سنة الله و رسوله .. بل أني في حياتي لم
أكن لأتخيل أني سأكون موضوع شبهة يوماً ما !!
و ما زاد الأمر سوءاً هو أني ما زلت في بطاقتي و في نظر القانون .. عازبة ،،
إذ لم
يمتلك خطيبي المبجل الوقت مؤخراً .. لينقل أوراقي لإسمه .. و ليُـحملني لقبه ..
بعد تعطيل ساعة أو أكثر ،،
في مبنى قديم و متهالك .. لا يمتلك من محتوياته سوى
بضع مقاعد من الخشب العفن القديم ..
و مكتبين متواضعين لكبار الضباط .. و ردهة
استقبال متواضعة .. !
توصل عصام معهم أخيراً إلى أن يقوموا بالاتصال إلى أهلي .. ليتأكدوا منهم شخصياً
بأنه بالفعل زوجي!
و هكذا كان ..
إذ جاءهم صوت أمي مقراً بزواجنا ..
ليتم الإفراج عنا أخيراً ..
و لنتحرر من
تحقيقاتهم و أسئلتهم و نظراتهم المريبة ،،
كانت الساعة عالقة على الحادية عشر و الثلث ..
حين كنا قد تحررنا من الإجراءات
الطويلة على الجسر ..
-" آآه يا عصام .. لو بس سامع كلامي و مخلينه نتعشى في الأبراج .. مو أحسن إلينا
من كل هالبهدلة ! "
رمقني عصام بنظرات عميقة حادة ، جعلتني أبتلع ريقي سريعاً و في الحال ..
و
أصمت ..
بل و أشرد بنظراتي بعيداً عنه و عن عالمه ،،
.. البقيه تأتي ..
المفضلات