الأخـــــ ـــ ـــ الج ـزء )30) ـــ ـــيـــر
عندما استيقظت..
و فتحت عيناي ببطءٍ شديد ..
و بدأت شيئاً فشيء..
أدرك معالم الأشياء من حولي ..
فها هي أمي .. و هاهي صفاء ,, عادل .. أسماء .. محمد .. جميعهم يلتفون حولي ..
تمتمت بسكر و ثقل مؤلم ..
" أين أنا ؟!! "
" في المستشفى .. "
" و لماذا !"
و قبل أن يجيبني أحدهم ..
استرجعت ما حدث لي ..
لذا هتفت بقوة و من كل أعماقي ..
" عصام .. عصام !! هل هو بخير ؟!!! "
" عزيزتي .. هدئي من روعك .. عصام بخير ..!! "
كانت هذه هي أمي ..
في محاولة منها لضبط أعصابي .. و التخفيف عني ..
لكني و في مثل هذا الوضع ،
لم أكن لأصدق أو لأستوعب جيداً ما قالته لي أمي للتو..
لذا أعدت السؤال عليهم مرة أخرى ..!!
و إن كان بصياغٍ آخر ..
" هل تماثل عصام للشفاء ؟! "
" لا .. ليس بعد .. لكنه قد تجاوز مرحلة الخطر !! "
نطق عادل مطمئناً..
مهوناً الأمر عليَّ ..
انتصبت واقفة على رجلي .. و اتجهت دون أية كلمة باتجاه الباب ..
هتفت صفاء مخاطبة إياي ..
"مرام ، إلى أين ؟! "
وقفت في مكاني .. لأرميها بنظرة شاحبة ..
و أتمتم..
" إلى.. إلى عصام .. ! "
" لحظة .. سآتي معك !! "
قادتني بعد ذلك صفاء ، عبر دهاليز متشابكة ..
و سلالم متعددة ،
فقد كان عصام لا يزال يرقد في الطابق الرابع ،
أي في وحدة العناية المركزة !
هناك تجمدت للحظات على باب الوحدة ..
قبل أن ألمح خيال عصام ،
و قد ضُـمد رأسه بعدة لفافات ..
و ألبست ذراعه الجبس كذلك .. و كذا إحدى قدميه..
أوقفت الممرضة التي كانت هناك لأسألها من خلف عبراتي .. بصوت مخنوق
" كيف هو حال عصام ؟"
" أفضل حالاً .. و سيتم إخراجه من وحدة العناية المركزة اليوم .. تبعاً لأوامر الطبيب ! "
" هل سيتماثل للشفاء ؟! "
" إن شاء الله .. فقد أنقذته العناية الإلهية من موت محتم ..
ليصاب فقط بعدة كدمات و بضع كسور ! "
" الحمد لله .. الحمد لله .. "
و أخذت أكررها لعدة مرات بلا وعي مني ..
كما قد بدأت عيناي تذرفان دمعاً حارقاً ..
مفعماً بعميق الشكر للمولى و الإقرار برحمته..
كما هو مفعم بالندم على تقصيري و جدالي المستمر مع عصام .!!
صحيح أنني كنت غاضبة منه ..
لكن مجرد شعوري و لو للحظة ..
بأنه كان هناك احتمال فعلي لأن أفقد عصام للأبد ..
و أن يختطفه القدر مني !
جعلني أدرك بالفعل مقدار عصام و محبته في قلبي ..
و جعلني أقطع قسماً لنفسي ..
أني و منذ اليوم سأكون نعم الزوجة الصالحة له ..
سأخدمه بجوارحي.. و أقف إلى جانبه ..
و الأهم من ذلك أني سأتوقف عن عناده ..
أي أني سأستمع لكلامه .. مهما كان !
في اليومين التاليين ، كنت لا أفارق عصام فيهما بتاتا ً ،
إلا للحالات الضرورية القصوى ..
فقد كنت أرغب أن أكون أول شخص تقع عينا عصام عليه .. حال ما يسترد وعيه بإذنه تعالى ..
و ها هي أمنيتي تتحقق ..
ببركة المولى عز و جل ..
و بالطبع ببركة دعاؤكم له ..
إذ فتحت عيناي ذات ليلة ..
و قد رحت ضحية إغفاءة قصيرة من شدة التعب ..
و قد وصل إلى سمعي صوت عصام .. متأوهاً ..
و الذي كان يفتح عينه في تلك اللحظة ببطءٍ شديد ..
" ماء .. أريد ماءاً !! "
قفزت إليه بجميع جوارحي ..
غير مصدقة أنه قد استرد أخيراً وعيه ..
بعد غيبوبة أربعة أيام ..
مرت عليَّ و لكأنها دهر !
ناولته الماء و أنا أهمس إليه ..
" تفضل حبيبي ! "
"شرق" عصام فجأة .. ليطالعني غير مصدق ..
" حبيبي مرة وحدة ! "
" بالطبع .. و ملك حياتي .. و روحي ..
و تاج راسي !! "
" أووه .. كل هذا أيضاً .. أخجل أنا من كل هذا
الحب ! "
احمرت وجنتاي ..
و هو يحتويني بنظرة عميقة دافئة ..
قبل أن يتمتم سائلاً
" و أين أنا حبيبتي ؟! ما الذي حدث لي بالضبط .. لا أكاد أذكر شيئاً ! "
" انك في قلبي عزيزي ! "
ثم تداركت عبارتي خجلة ..
" أقصد في المستشفى ! "
" فعلاً ؟!! "
رمقني بنظرة غريبة، غير مصدقاً !
و من ثم استرسل قائلاً :
" و هل يجب أن أكون مكسر الرأس و الأعضاء و مملوء بالكدمات ليحتويني قلبك أخيراً ؟! "
" لا.. لا أقصد هذا !! "
و أطرقت رأسي أواري خجلي ..
ضحك عصام يتدارك الموقف .. و هو يكمل :
" لو كنت أعلم أنه هذه هي الطريقة الوحيدة للوصول إلى قلبك ..لكنت قد دعيت بعد كل صلاة أن يصيبني حادث سيارة في كل يوم ! بل و في كل لحظة! "
رمقته بنظرة غضب و أنا أقاطعه معاتبة ..
" أرجوك .. لا تقل هذا !! فأنا لا أستطيع الحياة
دونك ! "
ثم رميت برأسي على صدره .. معانقة إياه..
قبل أن أهمس له ببضع كلمات خاصة ..
" اششش .. احنا قلنا خاصة .. فليش كل هذا الفضول !! "
و أغمضت عيناي ..
و تمنيت لعقارب الزمن أن تتوقف ..
النــ ــ ــ ــ ـهـ ــ ــايــ ــ ــه
المفضلات