بسم الله الرحمن الرحيم

الحمد لله رب العالمين ، و صلى الله على محمد و آله الطاهرين ...

السلام عليك يازوجة أميرالمؤمنين يا أم البنين(ع) ...


يصادف يوم الثلاثاء الموافق 17/6/2008م - 13/ جمادى الثانية 1429هـ ذكرى وفاة أم البنين ( عليها السلام )،


زوجة أمير المؤمنين و سيد الوصين علي بن أبي طالب( عليه السلام)، أم الشهداء الأربعة: العباس، و جعفر، و عبدالله، و عثمان أبناء علي بن أبي طالب (عليه السلام)، اللذين قدمتهم أمهم أم البنين (عليها السلام) إلى ساحة الفداء و التضحية للإسلام و الدفاع عن الإمام الحسين (عليه السلام) ، إنه من أروع أمثلة التفاني في دين الله تعالى و تقديم النفس و النفيس له، ذلك مما تعلمته في بيت الإمامة و مدرسة الولاية، مدرسة علي و الزهراء ( عليهما السلام ) .

إننا بكلّ الحزن والأسى نتقدم إلى مولانا صاحب الزمان أرواحنا لتراب مقدمه الفداء وإلى مراجع الدين العظام سدّدهم الله تعالى وإلى جميع المؤمنين في شرق الارض وغربها لا سيما اتباع اهل البيت عليهم السلام

بحلول المناسبة الحزينة لذكرى استشهاد الطاهرة أم البنين عليها السلام
وننحني ونحنوا ننشر بعض معالم فضائلها و كراماتها و سيرتها، كي تكون شمعة وضّاءة بل و سراجاً منيراً لنساءنا و بناتنا في مسيرة الحياة الكريمة و تربية النفس و الأولاد و الأسرة الفاضلة.


1- إسمها و نسبها و كنيتها :

هي فاطمة بنت حزام بن خالد الكلابي ، أبوها حزام من أعمدة الشرف في العرب ،ومن الشخصيات المعروفة في الشجاعة والسخاء ، أمها ثمامة بنت سهيل بن عامر ، و قومها ذو شرف باذخ ، ومقام شامخ ، ولدت في السنة الخامسة للهجرة ، عاشت في كنف والديها ، واستمدت من هذا المنبع الأصيل الأدب والأخلاق والعلم والعفة والفضيلة .


حيث قال الشاعر لبيد مخاطباً النعمان بن المنذر ملك الحيرة في مدح آباءها "عليها السلام " :


يا واهب الخير الجزيل من سعة *** نحن بنـــو أم البنــين الأربعـــــة

ونحن خير عامر بن صعصعـــة ***المطعـــمون الجــفنة المدعدعـة

الضاربون الهام وسط الحيصعة*** إليك جــــاوزنا بـــلاداً مسبـــغـة

تخبر عن هذا خبيراً فـاسمعــــه *** مهلاً أبيت اللعـــن لا تأكـــل معه



وقد غلبت كنيتها أم البنين (عليها السلام) على إسمها لأمرين :

أ- أنها كُنِّيَت بـ ( أم البنين ) تشبّهاً بجدتها ليلى بنت عمرو حيث كان لها خمسة أبناء .
ب- إلتماسها من أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يقتصر في ندائها على الكنية ، لئلا يتذكر أولاد الزهراء (عليهم السلام) أمَّهم فاطمة (عليها السلام) يوم كان يناديها في الدار .

2- نشأتها :

نشأت أم البنين (عليها السلام) بين أبوينِ شريفين عُرِفا بالأدب والعقل ، وقد حَبَاهَا الله سبحانه وتعالى بجميل ألطافه ، إذ وهبها نفساً حرةً عفيفةً طاهرة ، وقلباً زكياً سليماً ، ورزقها الفطنة والعقل الرشيد .
فلما كبُرت كانت مثالاً شريفاً بين النساء في الخُلق الفاضل الحميد ، فجمعت إلى النسب الرفيع حسباً منيفاً ، لذا وقع إختيار عقيل عليها لئن تكون قرينةَ أمير المؤمنين الإمام علي بن أبي طالب (عليه السلام) .


3- الإقتران المبارك :

أراد الإمام علي (عليه السلام) أن يتزوج من إمرأة تنحدر عن آباء شجعان كرام ، يضربون في عروق النجابة والإباء ، ليكون له منها بنون ذوو خصالٍ طيّبة عالية ، ولهذا طلب أميرُ المؤمنين (عليه السلام) من أخيه عقيل - وكان نسابة عالما بأنساب العرب و أخبارهم - أن يختار له امرأةً من ذوي البيوت والشجاعة فروي أنه قال: ( إنظر إلى إمرأة قد ولدتها الفحول من العرب لأتزوجها فتلد لي غلاما فارسا ) ، فأجابه عقيل قائلاً :
أخي ، أين أنت عن فاطمة بنت حزام الكلابية ، فإنه ليس في العرب أشجع من آبائها و لا أفرس.
ثم مضى عقيلُ إلى بيت حزام ضيفاً فأخبره أنه قادم عليه يخطب إبنتَه الحرة إلى سيد الأوصياء علي (عليه السلام) .
فلما سمع حزام ذلك هَشَّ وَبَشَّ ، وشعر بأن الشّرف ألقى كلاكله عليه ، إذ يصاهر إبنَ عمّ المصطفى (صلى الله عليه وآله وسلم ) ، ومَن ينكر علياً (عليه السلام) وفضائله ، وهو الذي طبق الآفاق بالمناقب الفريدة .
فذهب حزام إلى زوجته يشاورها في شأن الخِطبة ، فعاد وهو يبشر نفسه وعقيلاً وقد غمره السرور وحفت به البشارة .
وكان الزواج المبارك على مهرٍ سَنه رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في زوجاته وإبنته فاطمة (عليه السلام)، وهو خمسمائة درهم .
وأول ما ولدت العبّاس(عليه السلام)، و يُلّقب بـ (قمر بني هاشم) و يُكنّى أبا الفضل . و من بعد العباس ولدت عبد الله, و بعده جعفر، وبعده عثمان.


4- مجمع المكارم :
أم البنين (ع) من النّساءِ الفاضلاتِ ، العارفات بحقّ أهل البيت (عليه السلام) ، وكانت فصيحة ، بليغةً ، ورعة ، ذات زهدٍ وتقىً وعبادة ، ولجلالتها زارتها زينبُ الكبرى (عليها السلام) بعد منصرفها مِن واقعة الطف ، كما كانت تزورها أيّام العيد.
فقد تميّزت هذه المرأة الطّاهرة بخصائصها الأخلاقيّة ، وإنّ مِن صفاتها الظّاهرة المعروفة فيها هو : الوفاء .
وذكر بعض أصحاب السّير أنّ شفقتها على أولاد الزهراء (عليهم السلام) وعنايتها بهم كانت أكثر من شفقتها وعنايتها بأولادها الأربعة - العبّاس وأخوته) - عليهم السلام، بل هي التي دفعتهم لنصرة إمامهم وأخيهم أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) ، والتضحية دونه والإستشهاد بين يديه .

وما انفك فم الدهر ، ولسان البيان لهجاً ، بالمدح والإطراء شعراً ونثراً ، بحديث الشرف (أم البنين ) التي خلدت روائع المواقف والبطولات في مواطن الإباء والتضحية والفداء .


أم البنين وما أسمى مزاياك *** خلدت بالصبر والإيمان ذكراك

دورها عليها السلام: اهتمت أم البنين "عليها السلام " برعاية سيدي شباب أهل الجنة الإمام الحسـن ، وأخوه الإمام الحسـين "عليهما السلام " ، حيث وفرت لهما كل سبل الراحة ، كما عوضتهم عن الحنان والعطف الذي فقدوه في صغر سنهم .

ودورها واضح "عليها السلام " مذ دخلت بيت الإمام أمير المؤمنين "عليه السلام " فلا نتعجب أنها أخذت "عليها السلام " من مولانا (عليه السلام) صفات الكمال والجلال .

عندما دخلت بيت أمير المؤمنين "عليه السلام " استأذنت من الإمامين الحسـن و الحسـين "عليهما افضل الصلاة والسلام " في الدخول ،كما بينت لهما أنها هنا لخدمتهم و رعايتهم ، هذا موقف لأم البنين لا ينسى أبداً .

كما لا ننسى موقفها عندما طلبت من الإمام أمير المؤمنين "عليه السلام "بأن لا يناديها (بفاطمة ) حتى لا ترى الحزن والألم في أعين أبناء أمير المؤمنين "عليهم السلام " .


ولا يمكننا أن ننكر موقفها حينما نادى بشر بن حذلم :

يا أهل يثرب لا مقام لكـم بهـا *** قتل الحــسـين فأدمـعي مدرار
الجسـم منه بكربـلاء مضـرج*** والـرأس منه على القناة يـدار


حيث ذهبت لاستقبال بشر، والسؤال عن الحسـين "عليه السلام " ، سئل بشر عنها فقيل له أنها أم البنين ، أم العباس "عليهم السلام " فقام بشر يعزيها بأولادها ، قال لها : عظم الله لك الأجر بولدك جعفر ، قالت : متى سألتك عن جعفر ، أخبرني عن الحسـين (عليه السلام) .

واستمر بشر يعزيها بأبنائها ، حينما ذكر العباس (ع) ، قال : عظم الله لك الأجر بولدك أبي الفضل العباس ، اهتز بدنها ، وسقطت أم البنين على الأرض ، ويقال أنه كان على كتفها عبيد الله ابن العباس وسقط الطفل من على كتفها .

قالت : أخبرني عن الحسـين (ع) ، قال لها بشر : عظم الله لك الأجر بأبي عبد الله الحسيـن(ع)

فصرخت : واولداه … واحسـيناه .

كانت تندب وتبكي على فقدها للحسـين ولأبنائها الأربعة (ع) ،ومن قول أم البنين في رثاء أبي الفضل العباس "عليه السلام " :


يا مـــــن رأى العبــاس*** كر على جماهير النقــــد
وواره مــن أبناء حيـدر*** كـــل ليــــــث ذي لبــــــد
أنبـــئت أن ابـــن أصيب *** بــــرأسه مقطــــوع يــد
ويلي عــلى شبلي أمـال *** بــــرأسه ضرب العمـــد
لـو كـان سيفك في يديك *** لما دنـــــــا منـــه أحـــد


إن عطاء أم البنين (عليها السلام) مستمر ، لا ينضب ،منذ أن دخلت دار الإمام (عليه السلام) ،إلى أن قدمت أبناءها الأربعة فداءً لأبي عبد الله الحسـين (عليه السلام) ، وما يزال هذا العطاء مستمراً في فكرنا وروحنا إلى قيام يوم الدين ، رزقنا الله وإياكم شفاعة محمد وآل محمد (صلى الله عليه وآله وسلم) .

ويأتي عطاؤها حين يقصدها الزوار ، لتقضي حوائجهم ، فلا تردهم خائبين أبداً ، لأن الكرم من صفاتها وصفات آباءها من قبلها .

أنار أمير المؤمنين (عليه السلام) شعلة الأيمان والحق ،كما رفض العيش ذليلاً ،وأن الموت حراً أفضل بكثير من العيش في عالم مليء بالظلم والجور ،و لقد أراد أن يتم نور الله ، فاستطاع ذلك بعزمه وقوة إيمانه .

ومن ثم سلم هذه الشعلة إلى أم البنين "عليها السلام" ومنها إلى أبناءها الأربعة

لتكن أم البنين مثلاً صادقاً للأمهات المؤمنات في اعداد نشئ صالح ، وجيل واعي وصامد في وجه اغراءات الشيطان ، فأم البنين شجرة طيبة أزهرت وأثمرت ،لتحصد ثمارها المباركة ، وهي الدرة الفريدة ، قلادة الشرف ، وجوهرة العز ، ومثال الحظوة ،فبلغت من الكمال ما لا يعلم مداه إلا الراسخون.



يتبع