واخيراً لقيت الأجابة بس ان شاء الله صح
فيني
في 25 اكتوبر سنة 1825م. ولد «يوهان ستراوس»، وكان آنذاك موسيقيا بجوقة «لانر» التابعة للبلاط القيصري، ولدت زوجته «انا سترايم» طفل اسموه على اسم والده «يوهان شتراوس». ومنذ اليوم الاول لولادته حدد الوالد مستقبل ابنه بأن يكون «صيرفيا» ليقيه شر آلام الضنك والذل الذي يعيشه الموسيقيون والفنانون، باعتماد رزقهم على مزاج وعطف اصحاب الحانات والصالات لتشغيلهم ليكسبوا معيشتهم المتواضعة. ولم يكن الوالد يدرك بأن الحياة تهيئ لولده مستقبلا آخر غير الذي خططه له. ولم يكن يتوقع بأن ابنه سينافسه بقيادة فرقة موسيقية خاصة به وهو في عمره التاسعة عشر، ليعزف الى جانب مقطوعات لوالده مقطوعات من تأليفه هو.
كانت والدته العامل الرئيسي والحاسم في تقرير مستقبله وتسلق مجده. فقد ساندته ودفعته بكل طاقتها لتعلم الموسيقى بدون علم زوجها، ولما عرف الاب بذلك شاط غضبا وحطم آلة الكمان التي اشترتها له أمه، على رأس ابنه، وأمره بالالتحاق بأحد البنوك. فأذعن الابن لذلك، إلا انه بدأ يمارس هوايته الموسيقية خفية عن ابيه وبتشجيع من والدته! وبعد مدة حالف الابن الحظ وانفتح له طريق تعلم الموسيقى بكل حرية، عندما ترك والده أمه وتزوج باحدى الصبايا. فألحقته والدته وعمره ثمانية عشر عاما بالدراسة لدى الموسيقي «درنجسلر»، وتحت اشرافه وفي 13 سبتمبر 1844م ظهرت له اعلانات في فيينا جاء فيها، بأن «يوهان شتراوس - الابن» له الشرف بأن يدعو الى حفلته المسائية الراقصة، التي ستقام في 15 سبتمبر في كازينو «دو اير» الشهير، وسيقود فرقته الخاصة المكونة من 24 عازفا، بنفسه.
ومنذ وقت مبكر قبل الافتتاح، بدأت مئات المركبات الفخمة، تفرغ راكبيها من الطبقات الثرية المترفة بملابسهم الانيقة، أمام باب الكازينو. وفي الوقت المحدد للابتداء خف لغط الجمهور ووشوشاتهم فجأة، عندما ظهر يوهان - الابن على منصة القيادة ببدلته وردائه الاسود بصدرية ناصعة البياض ووردة عنق أنيقة، حاملا بيده آلة الكمان، فاستقبله جمهور الحاضرين بعاصفة من التصفيق قبل ان يباشر بعزف مقطوعات لوالده ضمنها ست مقطوعات من تأليفه هو منها فالس «الخاطب» الذي لاقى من النجاح الكبير حيث اضطر لاعادة عزفه أربع مرات، وفي كل مرة باسلوب جديد ما اثار اعجابهم أكثر فأكثر، ولم يكن اعجاب الجمهور أقل من ذلك عندما قدم مقطوعته «بولكا القلب السعيد». إلا ان معزوفته «فالس الحواس الشعرية» اضطر لاعادة عزفها تسع عشرة مرة! وهذا ما لم يحدث لموسيقي قبله، ووضعته في قمة الموسيقيين، ومنحه جمهور فيينا لقب «ملك الفالس» بدلا من والده! كما كالت صحف فيينا المديح الكبير لمؤلفاته الموسيقية، تلاه الاعتراف الرسمي بمكانته بتعيينه سنة 1845م عضو شرف في الفرقة الموسيقية العسكرية الثانية لمدينة فيينا، عندما كان والده آنذاك قائدا للفرقة الموسيقية العسكرية الأولى لمدينة فيينا. وبعد وفاة والده سنة 1849م اندمجت الفرقتان بفرقة واحدة تحت قيادته.
تكالب اصحاب الصالات والمقاهي الشهيرة وغيره لكسب يوهان للعزف في قاعاتهم وصالوناتهم، ومنها مقهى «الاوديون» الشهير، ملتقى الطبقات الراقية في المجتمع الفييني، والذي كان مركزا لعزف والده مع فرقته قبل وفاته.
فأصبح وقته محشورا، ضيقا من كثرة الواجبات التي تراكمت عليه، فكان غالبا ما يستيقظ صباحا ويباشر عمله قبل العاشرة حتى الواحدة والنصف، تليها زيارة لأحد، أو لمكان ما أو للمناقشة والتباحث مع احد الناشرين وغيرهم، ويلتحق بعدها لقيادة فرقته حتى العاشرة مساء، ثم يبدأ اليوم التالي، ليأخذ غفوة، ويباشر بعدها حلقة العمل كاليوم السابق.
ولم تنتظم حياته إلا بعد زواجه من المغنية «هنرييتا تريفيس»، التي كانت تكبره بسبع سنوات، مع أطفال لها عديدين.
وكان عمره آنذاك قد بلغ السابعة والثلاثين، فأصبح قرانه بهذه المغنية، فضيحة وحديث الصالونات والمجالس. إلا انه وبالرغم من هذه الفضيحة، فقد كانت الاعوام الخمسة عشر التي قضاها معها غنية بانتاجاته وابداعاته الموسيقية. فقد احتضنته وغمرته بحبها وشيدت له عشا واجواء زوجية سعيدة، وقامت بكل ما في وسعها لاسعاده وتنفيذ رغباته والاعمال التي يحتاجها، مما ادى الى تنامي عبقريته الموسيقية. فحصل بعد سنة من زواجه على وظيفة ولقب «مدير حفلات البلاط».
ولغرض التفرغ لواجبه الجديد، اضطر لترك قيادة فرقته الموسيقية لأحد اخوته «ادوارد»، تزوج للمرة الثانية بعد وفاة زوجته هنرييتا بالممثلة «انجليكا ديتريخ»، والتي طلقها بعد تسع سنوات من زواجه، ثم استقال من وظيفته كمدير لحفلات البلاط سنة 1871م بعد اصابته بمرض مستعص. إلا ان ذلك المرض لم يقف حجر عثرة ضد سفره الى عدة بلدان في العالم، لتقديم عروضه الموسيقية فيها، ومنها مدينة «بيتروجراد» عاصمة روسيا القيصرية. فاغتنم الفرصة مدير السكك الحديدية، وتمكن من ان تقام الحفلات في ضاحية «بافلوفكسا» المقر الصيفي للقيصر، القريبة من العاصمة، وتربطها معها بخط للسكة الحديدية، لاجبار الجمهور استخدام القطار للوصول الى الحفلات وبهذا يجني ارباحا اكثر لمؤسسته. ولزيادة الدعاية لحضور الحفلات، طبع عشرة آلاف صورة لشتراوس، بيعت الواحدة بعشرة كوبيكات دخل نصف ارباحها في جيب شتراوس.
كما حظى على اعجاب القيصر وتثمينه، بعدما الف عدة مقطوعات للفالس بعناوين خلد بها العائلة القيصرية.
ثم سافر الى باريس، بعد استلامه دعوة من الاميرة «باولينا ميترنيخ» زوجة السفير النمساوي في فرنسا، ليعزف في حفلة كبرى اقامتها، وكانت غاية في البذخ والفخامة، رقص اثناءها «نابولين الثالث» قيصر فرنسا وزوجته «ايوجينا»، وكذلك ملك وملكة بلجيكا والعديد من الملوك والامراء، وكان الهدف من هذه الحفلة النادرة، ان تلفت الانظار، وتعطي انطباعا، أن «خسارة النمسا في حربها مع بروسيا لا تعني مطلقا انكسارها وسقوطها»!.
كما أقام رئيس تحرير صحيفة «الفيجارو» ذات المكانة الواسعة، حفلة لقاء شتراوس، حضرها أشهر الادباء والفنانون منهم، فاوبرت، تورجنيف، توماس، الكسندر دوماس الابن وروشفورد، كما كان بين الحضور الامير الانجليزي ولاحقا ملك انجلترا «ادوارد السابع» الذي استغل الفرصة ودعا شتراوس لزيارة لندن. فعمت شهرة شتراوس العالم الاوروبي وتعدتها الى امريكا، وكسب قلوب الجماهير في العديد من عواصم ومدن العالم، ومنها نيويورك بعد ان تسلم دعوة من رئيس فرقة موسيقية كبيرة هو «باتريك كليمور» الذي كان يعد لحفلة ضخمة بمناسبة اعلان أول ثلاث عشرة مقاطعة شمالية امريكية تكوين اتحاد بينهم.
وقد عرض عليه مبلغ عشرة آلاف دولار ليشترك في قيادة الفرقة. وعند وصوله ميناء نيويورك، كان في انتظار وصوله جمهور غفير الذين استقبلوه بحفاوة بالغة، ورافقوه أينما حل وذهب، ولم يفلح في اعتلاء المنصة إلا بواسطة العديد من الشرطة الذين شقوا له الطريق اليها لقيادة فرقة مكونة من ألف عازف! قدم خلالها مقطوعته الشهيرة فالس «الدانوب الازرق» وفالس «خمرة ونساء وغناء» ومقطوعة بولكا وغيرها.
وكان المهرجان يضم حوالي عشرين ألف مغني وعشرة آلاف موسيقي وفنانين آخرين، تقاطروا من انحاء عديدة من العالم وبالاخص من أوروبا. كما قدم شتراوس اربعةعشرة حفلة موسيقية في عدة مدن، واربع حفلات «بال».
وفي خلال ذلك، استغل اصحاب المصانع والمحلات التجارية سمعة وشهرة شتراوس، فأنتجوا العديد من مواد التجميل والاناقة تحمل اسمه، كالقبعات والاربطة والجوارب والعطور وغيرها. كما ابتدعت محلات الحلويات في فيينا كعكة (تورتة) على شكل آلة الكمان الموسيقية دعيت باسمه، حيث درت عليه مبالغ طائلة.
وبعد ان توفيت زوجته الاخيرة سنة 1878م، انتقل من قصره للسكن في فندق، ولم يحضر الجنازة، كما فعل ذلك عند وفاة والدته.
وبعد ايام حضر لزيارته في شقته في الفندق، رئيس فرقة موسيقية يدعى «هنريخ بروخ» ليتوسط لتلميذته «انجليكا ديتريخ» المدعوة بـ «ليلى» للغناء في فرقته. وبعد مدة من التحاقها بفرقته، رافقها الى الكنيسة ليعقد قرانه عليها، وكان عمره آنذاك ثلاثة وخمسين، ويكبرها بخمسة وعشرين عاما.
كان زواج ليلى به مصلحيا صرفا، فقد كانت تطمع بماله وسمعته، ولهذا سرعان ما انهار عش الزوجية بعد ان احبت زوجته مدير مسرح «فيدنس»، وتم انفصالهما.
ألف شتراوس - الابن - ما مجموعه 479 عملا موسيقيا، منها 15 اوبريت واوبرا، و148 فالس، وأكثر من 100 من رقصات البولكا وغيرها. ومن اشهر مؤلفاته الموسيقية الخالدة هي الدانوب الازرق، وفيينا فالس، والبارون الغجري، والبارون المجري، و«خمر ونساء وغناء»، والخفاش أو (العجرية الفرنسية)، والتي هنأته عليها كل من الموسيقيين، فردي وبرامز وروبنشتاين وغيرهم من كبار الموسيقيين ووضعوه في مرتبة موزارت وريتشلرد فاجنر.
وفي سبتمبر 1898م بدأ يشتد عليه المرض، ولم يغادر البيت الا في ابريل من العام التالي بالحاح من دار الاوبرا القيصرية، ليقود افتتاحية اوبريته «البارون الغجري»، وبعدها باربعة ايام، اضطر لترك فراشه مرة اخرى، تلبية لدعوة لحضور حفلة عرض ازياء كبرى، إلا ان الحمى أدركته، فرجع على داره ليرقد طريح الفراش. ثم جاءته المنية وتوفي في يونيو 1899، تاركا خلفه تراثا فنيا خلد اسمه مدى الدهر ووري جثمانه بحضور جمهور غفير، بجانب شوبرت وبرامز.
توماس سينت باختراع أول ماكينة خياطة متكاملة






رد مع اقتباس
المفضلات