السلام عليكم المبحث
أنواع الحقوق العامة
ا هناك مجموعة من الحقوق العامة تتعلق بحقّ الفرد كإنسان يؤكد الاِسلام على مراعاتها ، ما لم تتصادم بحق أو حقوق أُخرى ، وهي على أنواع ، نذكر أهمها ،
أولاً : حق الحياة :
[وهو من أكثر الحقوق طبيعيّة وأولويّة ، قال تعالى : (ولا تقتلوا أنفسكم إنَّ الله كان بكم رحيماً ) (النساء 4 : 29) ، وقال تعالى : ( من قتل نفساً بغير نفسٍ أو فسادٍ في الاَرض فكأنّما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنّما أحيا الناس جميعاً ) (المائدة 5 : 32) .
والاِسلام يراعي حق الحياة منذ بدء ظهور النطفة وهي مادة الخلقة ، فلا يبيح الشرع المقدس قتلها ، ومن فعل ذلك ترتب عليه جزاء مادي.. فعن اسحاق بن عمّار ، قال : قلت لاَبي الحسن عليه السلام : المرأة تخاف الحبل فتشرب الدّواء فتلقي ما في بطنها ؟ قال : «لا» ، فقلت : إنَّما هو نطفة ! فقال: «إن أوَّل ما يُخلق نطفة» (1).
____________
(1) من لا يحضره الفقيه 4 : 126 | 445 ، وعنه في الوسائل 29 : 25 | 1 باب 7 من أبواب القصاص في النفس .
وعليه ، فقد احتل هذا الحق مكانةً مهمة في مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، يبدو ذلك جلياً لمن يطّلع على الروايات الواردة في باب القصاص في المجاميع الحديثية، وسوف يجد نظرة أرحب وأعمق لهذا الحق ، معتبرةً أن كل تسبيب أو مباشرة في قتل نطفة ، أو إزهاق نفس محترمة ، أو إراقة الدِّماء ، يعد انتهاكاً لحق الاِنسان في الحياة ، ويستلزم ذلك عقوبة في الدنيا وعاقبة وخيمة يوم الجزاء .
ومن الشواهد النقلية الدالة على حرمة التسبيب في ذلك ، ما رواه محمد بن مسلم ، عن أبي جعفر عليه السلام ، قال : «إنَّ الرَّجل ليأتي يوم القيامة ومعه قدر محجمة من دم ، فيقول : والله ما قتلت ولا شركت في دم ، فيقال : بلى ذكرت عبدي فلاناً ، فترقى ذلك (1)حتى قُتل ، فأصابك من دمه» (2). كما وردت روايات في حرمة الانتحار مفادها : ان المؤمن يبتلى بكل بلية ويموت بكل ميتة إلاّ أنّه لا يقتل نفسه . ومن يقتل نفسه متعمداً فهو في نار جهنم خالداً فيها .
وفي هذا الاطار هناك من أُصيب بقصر النظر ، أو بعمى في البصيرة ، يطعن ويشكك في التزام شيعة أهل البيت عليهم السلام بمبدأ التقية ، ويجهل أو يتجاهل الحكمة العميقة من وراء تبني هذا المبدأ والمتمثلة اساساً في الحيلولة دون إراقة الدِّماء . يقول المحقق الحلي : اذا اكرهه على القتل ، فالقصاص على المباشر دون الآخر . وفي رواية علي بن رئاب ، يحبس
____________
(1) فترقى ذلك : أي : رفع ، والحديث ناظر إلى وجوب كتمان السّر عند احتمال الضرر في افشائه .
(2) وسائل الشيعة 29 : 17 | 1 باب 2 من أبواب القصاص في النفس .
الآمر بقتله حتى يموت ، هذا اذا كان المقهور بالغاً عاقلاً (1)
فللتقية حدود وشروط يجب ان تقف عندها ، وخصوصاً إذا وصل الاَمر إلى حد يعرّض حياة الآخرين إلى الخطر . وفي الحديث : «إنما جعلت التقية ليحقن بها الدمُ ، فاذا بلغ الدَّم فليس تقية» (2).
ثانياً : حق الكرامة :
إهتم الاِسلام ـ أيضاً ـ بحق آخر لا يقلُ أهمية عن حق الحياة ألا وهو حق الكرامة .
ويراد بالكرامة : امتلاك الاِنسان بما هو إنسان للشرف والعزّة والتوقير . فلا يجوز انتهاك حرمته وامتهان كرامته ، فالاِنسان مخلوق مُكرَّم ، قد فضله الله تعالى على كثير من خلقه.. ( ولقد كرّمنا بني آدم وحملناهم في البرِّ والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممَّن خلقنا تفضيلاً)(الاِسراء 17: 70) ، وهي كرامة طبيعية متّع الله تعالى كل أفراد الاِنسان بها . وهناك كرامة إلـهية تختص بمن اتقى الله تعالى حق تقاته : (يا أيُّها الناس إنّا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إنَّ أكرمكم عند الله أتقاكم ً) (الحجرات 49 : 13) .
وكان أئمة أهل البيت عليهم السلام يراعون كرامة الناس من أن تمس ، حتى انهم طلبوا من أرباب الحوائج أن يكتبوا حوائجهم حرصاً على صون ماء وجوههم . وهناك رواية نبوية تتحدث عن كرامة الاِنسان التي لا يجوز
____________
(1) شرائع الاِسلام ـ كتاب القصاص 4 : 975 ، طبع دار الهدى ـ قم المقدسة ط 3 .
(2) الكافي 2 : 228 | 16 باب التقية .
المساس بها عن طريق سَّبّه أو تقبيح وجهه ، وما إلى ذلك . ولكن هذه الرواية حُرّفت بحذف أولها ، فتغيرت دلالتها إلى ما فيه التجسيم لله تعالى، وان كان ظاهرها يتضمن معاني التكريم للاِنسان .
لقد سعى الاِمام علي بن موسى الرضا عليه السلام إلى قشع العتمة التي تُخيم على عقول بعض الناس وواجه السذاجة الفكرية وفضح التحريف الذي يحصل في المنابع المعرفية .
ينقل المحدّث القمي : عن الحسين بن خالد ، قال : قلت للرِّضا عليه السلام : يا بن رسول الله إن الناس يروون أن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال : إن الله خلق آدم على صورته ! فقال : «قاتلهم الله ، لقد حذفوا أول الحديث ؛ إنَّ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم مرَّ برجلين يتسابان ، فسمع أحدهما يقول لصاحبه : قبّح الله وجهك ووجه من يشبهك ، فقال : يا عبد الله لا تقل هذا لاَخيك ، فانَّ الله عزَّ وجلّ خلق آدم على صورته» (1).
ولعلّ من هذا الباب نهي الاِمام علي عليه السلام عن أن يسيء ذووه معاملة قاتله ابن ملجم ، أو يمثل به بعد اجراء حكم الله فيه ، بقوله : «.. ولا يُمثّلَ بالرَّجل ، فانِّي سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول : إيَّاكم والمُثلة ولو بالكلب العقور» (2) .
ثالثاً : حق التعليم :
إنَّ العلم حياة للنفس الاِنسانية ، وحرمانها منه يعني انتقاص وامتهان
____________
(1) سفينة البحار 2 : 55 ـ دار المرتضى ـ بيروت .
(2) نهج البلاغة ـ شرح الشيخ محمد عبده ـ : 594 . دار التعارف للمطبوعات طبعة 1402 هـ .
كرامتها . ومما يؤكد حق التعلم والتعليم في الاِسلام مافعله النبي صلى الله عليه وآله وسلم بأسرى بدر ، إذ جعل فدية الاَسير تعليم عشرة من أبناء المسلمين .
وقد أشار الاِمام علي عليه السلام إلى حق التعلم والتعليم في معرض تفسيره لقوله تعالى : ( وإذ أخذَ اللهُ ميثاق الذينَ أُوتوا الكِتابَ لتُبينُنَّهُ للنَّاس ولا تكتُمونَهُ فنبذوهُ وراءَ ظُهورهم ...) (آل عمران 3 : 187) .
فقال : «ما أخذ الله ميثاقاً من أهل الجهل بطلب تبيان العلم ، حتّى أخذ ميثاقاً من أهل العلم ببيان العلم للجهّال» (1).
وقال الاِمام الصادق عليه السلام في هذا الصَّدد : «إن العالم الكاتم علمه يُبْعَث أنتن أهل القيامة ريحاً ، تلعنه كلّ دابّة حتى دوابّ الاَرض الصغار» (2).
مما تقدم ، يمكن القول ان الاَئمة عليهم السلام يرفضون مبدئياً احتكار العلم، ويؤكدون ضرورة بذله لطالبيه . أما في وقتنا الحاضر فتقوم دول ومؤسسات تدّعي التحضر باحتكار العلم وحجبه عن الآخرين أو المتاجرة ببيعه بأغلى الاثمان أو استخدامه كسلاح سياسي لتحقيق مآرب خاصة . والحال ان العلم هبة إلهية ونعمة شرَّف الله تعالى بها الاِنسان على باقي المخلوقات ، وقد أوجب الله تعالى على العلم زكاة ، وزكاته نشره . وقد بين الاِمام السجاد عليه السلام في رسالة الحقوق ، حق المتعلم على المعلّم بقوله :«أمّا حق رعيّتك بالعلم ، فأنْ تعلم أنّ الله عزّ وجلّ إنّما جعلك قيّماً لهم
____________
(1) بحار الانوار 2 : 23 ـ مؤسسة الوفاء ـ بيروت ط3 .
(2) بحار الانوار 2 : 72 .
فيما آتاك الله من العلم ، وفتح لك من خزائنه ، فإن أحسنت في تعليم النّاس ولم تخرق بهم ولم تضجر عليهم ، زادك الله من فضله ، وإن أنت منعت النّاس علمك وخرقت بهم عند طلبهم العلم ، كان حقّاً على الله عزّ وجل أن يسلبك العلم وبهاءه ، ويسقط من القلوب محلّك» (1).
وبالمقابل حدّد حق المعلّم على المتعلم بقوله : «حق سائسك بالعلم التّعظيم له ، والتوقير لمجلسه ، وحسن الاستماع إليه ، والاِقبال عليه ، وأن لا ترفع عليه صوتك، ولا تجيب أحداً يسأله عن شيء حتى يكون هو الذي يُجيب ، ولا تُحدّث في مجلسه أحداً ، ولا تغتاب عنده أحداً ، وأن تدفع عنه إذا ذُكر بسوء ، وأن تستر عيوبه ، وتظهر مناقبه ، ولا تجالس له عدوّاً ، ولا تعادي له وليّاً ، فإذا فعلت ذلك شهد لك ملائكة الله بأنّك قصدته وتعلّمت علمه لله جلّ اسمه لا للنّاس»
تحياتي لكم وسوافيكم بحلقات تتبعها
وشكرا
التعديل الأخير تم بواسطة كميل الفضلي ; 05-18-2008 الساعة 10:38 PM
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات