سيرة الإمام الحسين ابن علي ابن أبى طالب سيد الشهداء ( عليه السلام )
إلمامة سريعة بحياة الإمام أبي عبدالله الحسين بن أمير المؤمنين عليهما السلام، سبط الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله وريحانته، وسيد شباب أهل الجنة، وخامس أصحاب الكساء، والمنزه عن الرجس بنص القرآن الكريم: { إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيراً }، فهو عليه السلام صورة للخلق المحمدي، والكمال العلوي، ومجمع الفضائل والمكارم، والمثل العليا، وسيد أباة الضيم، ومنه تعلم الناس الإباء، وبموقفه يوم عاشوراء أعطى الأمة الإسلامية درساً عملياً في مجابهة الظالمين، والوقوف في وجه العتاة الكافرين.
إن الإنسانية في تاريخها الطويل لم تشهد موقفاً كموقف سيد الشهداء عليه السلام في يوم عاشوراء، ولم تعرف الكرة الأرضية من يوم دحوها رجلاً قابل ببضعة عشر رجلاً من أهل بيته، ونيف وسبعين من أصحابه الألوف من أعدائه:
بـجـحافـل بـالـطف أولــهـا وأخـيــرهـا بـالـشـام مـتصـل
إن يوماً واحداً من أيام الحسين عليه السلام - يوم عاشوراء- كبّرت له الدنيا، وخشعت له الإنسانية، وأشغل العالم بأسره:
أحسـين فيما أنت قد حملته أشغلت فكر العالمين جميعهـا
هذا وكل أيام الحسين عليه السلام خالدة، وكل أدوار حياته مجيدة، واستشهاده عليه السلام قبس منير، ومشعل وضاء، ينيران لنا الدرب، ويستصرخان ضمير المسلمين للسير في الطريق الذي رسمه أبو الشهداء و الأحرار.
هو ثالث أئمة أهل البيت الطاهر عليهم السلام، وثاني السبطين سيدي شباب أهل الجنة، وريحانتي المصطفى، وأحد الخمسة أصحاب الكساء وسيد الشهداء.
مولده
ولد بالمدينة في الثالث من شعبان في سنة ثلاث أو أربع من الهجرة وكانت مدة حمله ستة أشهر. ولما ولد جيء به إلى رسول الله صلى الله عليه وآله فاستبشر به وأذن في أذنه اليمنى وأقام في اليسرى فلما كان اليوم السابع سماه حسيناً وعق عنه بكبش وأمر فاطمة أن تحلق رأسه وتتصدق بوزن شعره فضة كما فعلت بأخيه الحسن فامتثلت ما أمرها به.
كان أشبه الناس برسول الله صلى الله عليه وآله، ربعة ليس بالطويل ولا بالقصير، واسع الجبين، كث اللحية، واسع الصدر، عظيم المنكبين، ضخم العظام، رحب الكفين والقدمين، رجل الشعر، متماسك البدن، أبيض مشرب بحمرة.
نشأ في ظل جده الرسول الأعظم صلى الله عليه وآله، فكان هو الذي يتولى تربيته ورعايته.
شهادته
قتل عليه السلام شهيداً في كربلاء من أرض العراق عاشر المحرم سنة 61 من الهجرة بعد الظهر مظلوماً ظمآن صابراً محتسباً. وكان عمره عليه السلام يوم قتل 56 سنة. عاش منها مع جده رسول الله صلىالله عليه وآله ست سنين أو سبع سنين وشهوراً، وقال المفيد سبع سنين ومع أبيه أمير المؤمنين 37 سنة. ومع أبيه بعد وفاة جده صلىالله عليه وآله30 سنة إلا أشهراً ومع أخيه الحسن 47 سنة، ومع أخيه بعد وفاة أبيه نحو عشر سنين، وبقي بعد وفاة أخيه الحسن عليه السلام إلى وقت مقتله عشر سنين. لازم أباه أمير المؤمنين عليه السلام وحضر مدرسته الكبرى ما يناهز ربع قرن. إشترك في حروب ثلاث مع أبيه: الجمل، صفين، النهروان.
إمامته
عاش عليه السلام مع جده ست سنين وأشهراً وقد كمل عمره خمس سنين ومدة خلافته خمس سنين وأشهر في آخر ملك معاوية وأول ملك يزيد.
نقش خاتمه
في الفصول المهمة: لكل أجل كتاب، وفي الوافي وغيره عن الصادق عليه السلام: حسبي الله، وعن الرضا عليه السلام: أن الله بالغ أمره، ولعله كان له عدة خواتيم هذه نقوشها. شاعـره: يحيى بن الحكم وجماعة. بوابه: أسعد الهجري.
فصاحته و بلاغته
ربي الحسين عليه السلام بين رسول الله صلىالله عليه وآله، أفصح من نطق بالضّاد، وأمير المؤمنين عليه السلام، الذي كان كلامه بعد كلام النبي صلىالله عليه وآله فوق كلام المخلوق ودون كلام الخالق، وفاطمة الزهراء التي تفرغ عن لسان أبيها صلىالله عليه وآله، فلا غرو إن كان أفصح الفصحاء وأبلغ البلغاء وهو الذي كان يخطب يوم عاشوراء وقد اشتدّ الخطب وعظم البلاء وضاق الأمر وترادفت الأهوال فلم يزعزعه ذلك ولا اضطرب ولا تغيّر وخطب في جموع أهل الكوفة بجنان قويّ وقلب ثابت ولسان طلق ينحدر منه الكلام كالسّيل فلم يسمع متكلّم قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه وهو الذي قال فيه عدوّه وخصمه في ذلك اليوم: ويلكم كلموه فإنه إبن أبيه والله لو وقف فيكم هكذا يوماً جديداً لما انقطع ولما حصر.
أهـل بيته
أما أهل بيته من أبنائه وأخواته وبني أخيه وبني عمّه فكانوا خيرة أهل الأرض وفاءً وإباء وشجاعة وإقداما وعلو همم وشرف نفوس وكرم طباع، أبوا أن يفارقوه وقد أذن لهم وفدوه بنفوسهم بذلوا دونه مهجهم وقالوا له لما أذن لهم بالانصراف: ولم نفعل ذلك لبقي لنبقى بعدك لا أرانا الله ذلك أبدا، ولما قال لبني عقيل: حسبكم من القتل بصاحبكم مسلم، اذهبوا فقد أذنت لكم، قالوا: سبحان الله!فما يقول الناس لنا، وما نقول لهم إنا تركنا شيخنا وسيدنا وبني عمومتنا خير الأعمام ولم نرم معهم بسهم ولم نطعن معهم برمح ولم نضرب معهم بسيف ولا ندري ما صنعوا، لا والله ما نفعل، ولكنا نفديك بأنفسنا وأحوالنا أموالنا وأهلينا ونقاتل معك حتى نرد موردك ، فقبح الله العيش بعدك، فقتلوا جميعا بين يديه مقبلين غير مدبرين، وهو الذي كان يقول لهم ، و قد حمي الوطيس واحمر البأس مبتهجا بأعمالهم: صبرا يا بني عمومتي صبراً يا أهل بيتي فوالله لا رأيتم هوانا بعد هذا اليوم أبدا.فلله درهم من عصبة رفعوا منا الفخر ولبسوا ثياب العز غير مشاركين فيها وتجلببوا جلباب الوفاء، وضمخوا أعوام الدهر بعاطر ثنائهم ونشروا راية المجد والشرف تخفق فوق رءوسهم، وجلوا جيد الزمان بأفعالهم الجميلة، وأمسى ذكرهم حيا مدى الأحقاب والدهور مالئا المشارق والمغارب ونقشوا على صفحات الأيام سطور مدح لا تمحى وإن طال العهد وعاد سنا أنوارهم يمحو دجى الظلمات ويعلو نور الشمس والكواكب.
أصحابه
وأما أصحابه فكانوا خيرأصحاب فارقوا الأهل والأحباب وجاهدوا دونه جهاد الأبطال وتقدموا مسرعين إلى ميدان القتال قائلين له أنفسنا لك الفداء نقيك بأيدينا ووجوهنا يضاحك بعضهم بعضا قلة مبالاة بالموت وسرورا بما يصيرون إليه من النعيم، ولما أذن لهم في الانصراف أبوا وأقسموا بالله لا يخلونه أبدا ولا ينصرفون عنه قائلين أنحن نخلي عنك وقد أحاط بك هذا العدو وبم نعتذر إلى الله في أداء حقك، وبعضهم يقول لا والله لا يراني الله أبدا وأنا أفعل ذلك حتى أكسر في صدورهم رمحي وأضاربهم بسيفي ما ثبت قائمه بيدي ولو لم يكن معي سلاح أقاتلهم به لقذفتهم بالحجارة ولم أفارقك أو أموت معك و بعضهم يقول والله لو علمت إني أقتل فيك ثم أحيا ثم أحرق حيا يفعل بي ذلك سبعين مرة ما فارقتك وبعضهم يقول والله لوددت أني قتلت ثم نشرت ألف مرة وأن الله يدفع بذلك القتل عنك و عن أهل بيتك وبعضهم يقول أكلتني السباع حيا إن فارقتك ولم يدعو أن يصل إليه أذى وهم في الأحياء ومنهم من جعل نفسه كالترس له ما زال يرمي بالسهام حتى سقط وأبدوا يوم عاشوراء من الشجاعة والبسالة ما لم ير مثله فأخذت خيلهم تحمل وإنما هي اثنان وثلاثون فارسا فلا تحمل على جانب من خيل الأعداء إلا كشفته.
ومن أصحابه عليه السلام عبدالله بن يقطر رضيعه وكان رسوله رمي به من أعلى القصر بالكوفة وأنس بن الحارث الكاهلي وأسعد الشامي وعمرو بن ضبيعة ورميث بن عمرو وزيد بن معقل وعبدالله بن عبدربه الخزرجي وسيف بن مالك وشبيب بن عبدالله النهشلي وضرغامة ين مالك وعقبة بن سمعان وعبدالله بن سليمان والمنهال بن عمرو الأسدي والحجاج بن مالك وبشر بن غالب و عمران بن عبدالله الخزاعي.
زوجاته
وأما زوجاته عليهن رضوان الله تعالى؛ ليلى أو برة بنت أبي عروة بن مسعود الثقفي أم علي الأكبر، وشهربانويه (شاه زنان) بنت كسرى يزدجرد ملك الفرس أم السجاد وعلي الأوسط، الرباب بنت أمرئ القيس بن عدي أم محمد وعبدالله، وقضاعية أم جعفر وأم اسحاق بنت طلحة بن عبيدالله التميمي، أم فاطمة رضوان الله عليهن جميعا لما لهن من مآثر بعد مقتله.
أولاده
وأما أبناؤه عليه السلام علي الأكبر الشهيد وعلي الإمام وهو علي الأوسط وعلي الأصغر ومحمد وعبدالله الشهيد من الرباب وجعفر، وبناته سكينة بنت أم الرباب وفاطمة وزينب ورقية، وأعقب الحسين عليه السلام من إبن واحد وهو زين العابدين وإبنتين عليهم رضوان الله تعالى، وفي (كشف الغمة) قيل: كان له عليه السلام ست بنين وثلاث بنات علي الأكبر الشهيد معه في كربلاء والإمام زين العابدين وعلي الأصغر ومحمد وعبدالله الشهيد معه وجعفر وزينب وسكينة وفاطمة وقال الحافظ عبدالعزيز الجنابذي: ولد للحسين بن علي بن أبي طالب عليهم السلام ستة منهم أربعة ذكور وإبنتان كما مذكور آنفا وقال الزهري: ما رأيت هاشميا أفضل منه.
خاتمة المطاف :
جدير بالأمة الإسلامية اليوم أن تجعل من حياة الإمام الحسين عليه السلام وبقية أئمة أهل البيت عليهم السلام علما تسير على هداه، وطريقاً تترسمه في سيرها الجهادي الطويل، ليعود لواء الإسلام خفاقاً من جديد على أرجاء المعمورة، وينادي بكلمة (لا إله إلا الله محمد رسول الله) في كل قطر من أقطار المعمورة.
{ ويظهره على الدين كله ولو كره المشركون }
المفضلات