زواج المقداد بن الأسود:
لقد هدم الإسلام بتعاليمه الراقية كل أنواع التمييز العنصري، فلا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى، ولا لأبيض على أسود إلا بمقدار القرب من الله سبحانه وتعالى بالإيمان الصادق والعمل الصالح والخلق الفاضل والسلوك المستقيم.
وكان من عادات الجاهلية أنهم لا يزوجون إلا الأكفاء من بني العم، وهذا الأمر خطير للغاية على البنية الاجتماعية لأنه يقلل الزواج في المجتمع فيكثر بذلك الفسَاد.
لقد زوَّج النبي محمّد صلّى الله عليه وآله المقداد بن الأسود ابنة عمه الزبير بن عبدالمطلب ـ ضباعة، وقد كان عبدالمطلب أفضل رجل في قريش بلا منازع، وقريش أفضل قبائل العرب بلا نظير، فأراد الرسول صلّى الله عليه وآله أن يعلم الناس بأن المسلم كفءُ المسلمة بصرف النظر عن الاختلافات الطبقية والعرقية، فلا تفاضل إلا بالتقوى، وأشرف الشرف الإسلام.
وقد أوضح الإمام زين العابدين عليه السّلام ذلك في كتاب بعثه إلى هشام بن عبدالملك حين لامه على زواجه من أمَتِه، كتب يقول:
« ولنا برسول الله أسوة، زوّج زينب بنت عمته زيداً مولاه، وتزوج مولاتَه بنت حيي بن أخطب ». وكتب إليه أيضاً:
« إنه ليس فوق رسول الله صلّى الله عليه وآله مرتقىً في مجد، ولا مستزادٌ في كرم ».
وضباعة كنيتها أم حكيم، وقد ولدت للمقداد عبدالله، وكريمة، وكانت تروي عن النبيّ صلّى الله عليه وآله وعن زوجها المقداد، وروى عنها ابن عباس.


من مواقفه
:

قام رجل يثني على أمير من الأمراء، فجعل المقداد ( رضي الله عنه ) يحثو عليه التراب ويقول: أمرَنا رسول الله صلّى الله عليه وآله أن نحثو في وجوه المدّاحين التراب.


كلمات في المقداد:
قال أمير المؤمنين عليّ عليه السّلام: ما كان فينا فارس ( أي على فرس ) يوم بدر غير المقداد بن عمرو (6).
ـ وقال أبو ذر: أوَّل من قاتل على فرس في سبيل الله المقداد.
ـ قال القاسم بن عبدالرحمان: أول من عدا فرسه في سبيل الله المقداد، وكان في الرماة المذكورين من أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وآله.
ـ قال الإمام الصادق عليه السّلام: إنما منزلة المقداد في هذه الأُمة كمنزلة ألف في القرآن، لا يلزق بها شيء (7).
ـ مما كتبه الإمام الرضا عليه السّلام للمأمون في محض الإسلام، وشرائع الدين، والولاية لأمير المؤمنين عليه السّلام: ـ والذين مضوا على منهاج نبيهم صلّى الله عليه وآله ولم يغيروا، ولم يبدِّلوا، مثل: سلمان الفارسي، وأبي ذر الغفاري، والمِقداد بن الأسود (8).
ـ قال أبو جعفر أحمد بن أبي عبدالله البرقي: من الأصفياء من أصحاب أمير المؤمنين عليه السّلام: سلمان الفارسي، المقداد.
ـ قال أبو نعيم الأصبهاني: السابق في الإسلام، والفارس يوم الحرب والإقدام، ظهرت له الدلائل والأعلام.. أعرض عن العمالات، وآثر الجهاد والعبادات، معتصماً بالله من الفتن والبليّات (9).
ـ قال ابن عبدالبر: وكان من الفضلاء النجباء الكبار الخيار.


وفاته ( رضي الله عنه ):
لقد قضى المقداد نيّفاً وثلاثين سنة فارساً في ساحات الجهاد المقدس بدءاً من غزوة بدر وانتهاءً بفتح مصر! وكانت سنين التأسيس صعبة ومُرّة قاسية جاهد فيها وكابد لم تخل منه ساحة جهاد. فقد ورد في ذلك أنه شهد أحداً والمشاهد كلها مع رسول الله صلّى الله عليه وآله حتّى وافته المنية في سنة 33 هـ أو أقل ـ على اختلاف الروايات، بعد أن شهد فتح مصر، وقد بلغ عمره سبعين سنة.
فقد كانت له أرض في مكان قريب من المدينة يقال له الجرف، وكان يتعاهدها زراعةً وسقياً يقضي فيها أوقات فراغه ما لم يؤذن بجهاد! وذات يوم تناول زيت « الخروع » فأضرَّ به ومات منه. فنقل على أعناق الرجال حيث دفن بالبقيع وكان قد أوصى إلى عمار بن ياسر بالصلاة عليه.
رحمك الله يا مقداد لقد جاهدت في سبيل الله حقَّ جهاده وصبرتَ على الأذى في جنب الله حتّى أتاكَ اليقين فسلامٌ من الله عليك ورحمته وبركاته.