القطيف كانت بلد الزراعة و البحر و الصناعة


لا يخفى على الجميع فإن قري القطيف قبل البترول، كانت قرى تحترف الصناعة بامتياز و الزراعة بتخصص فائق و ركوب البحر باحتراف.

و قرى القطيف تنقسم إلى قسمين: فلاحية و صناعية.

و لنبدأ بالقرى الفلاحية.

فئة قرى الفلاحين [النخالوة]:
غالبية أهالي القطيف هم القرويين التي تحيط بهم النخلة من جميع جوانبهم، و أهلها يطلق عليهم الفلاحين أو [النخالوة]، و هذه الفئة تتخصص بعمل الفلاحة و تربية الدواجن و الحيوان و بعض الحرف اليدوية التي تخصهم و تخص غيرهم أحيانا.

و الفلاحة هو معالجة ما تنتجه النخلة من رطب و سلوق و تمور و أيضا الإستعداد إليها، و أيضا زراعة الأرض كالبرسيم [الگت] و الدخن للحيوان و باقي خضار السوق كالفجل و البقل و الطماطم و الباذنجان و غيرهم للإستهلاك الإنساني و بعض النخيل بها لومي و ترنج.

و فئة منهم تتخصص في تربية المنتوجات الأخرى كالالبطيخ و الطروح و الجراميز.

و أيضا عمل النساء الذؤوب لمعالجة الحيوان كالبقر و الغنم من حلب و تربية و تعليف و رعاية ما تخلف من أولاد، و معالجة منتجاتها من تحويل الحليب إلى لبن و دهن و غيرها.

و أيضا معالجة مخلفات النخلة الخفيفة كالخوص في صناعة (السميم) كأبسطة عامة و لتسقيف العشيش، و الظروف لحفظ التمور و تسمى (القلات) جمع قلة [گله]. و من العقب [عگب] عمل المصليات و السُفر ـ سفر الأكل - و أيضا المراوح [المهاف] و غيرها.

و للمرأة عمل آخر في أيام الشتاء تقوم به لا يعمله الرجل، فهي بالإضافة بقيامها بعمل الطبيخ تنقل الأكل على رأسها من الديرة إلى النخيل و تجني السقط من ما يقع من النخلة على الأرض و تجز البرسيم و الدخن من ضاحيتها التي اختارت موقعها بنفسها أيام الصيف و لعلها عالجت أرضها أيضابنفسها و بذرتها بيدها لأبقارها.


* * *


و من عادة غالبية الفلاحين أن لهم منزلين: أحدهما صيفي في النخل و الآخر شتوي في الديرة.


* * *


كما أنه كان يوجد عمل كبير لكبار السن و المعاقين و خصوصا من فقد منهم نعمة البصر وهو التعامل مع الليف بتصنيعه و تحويله إلى حبال و غيره.

و المرأة و الرجل كلاهما بالتساوي يقومان يوميا ببيع ما ينتجه حقلهم [المستأجر طبعا من مالكه]، من النخلة و باقي الشجر من حول النخلة، كاللوز و الرمان و التين و التوث و غيرهم.


* * *


ملاحظة: غالبية من يملك النخيل كانوا هم البدو أو أهل القلعة و قليل من أهل القرى، و يبرم عقد بين المالك [الملاك] و المستأجر [الأكار] عمره 4 سنوات قابل للتمديد. و بعضهم القليل يتوارثوا استئكار النخل من مالكيه أبا عن جد لحسن التعامل بينهم. و من الجدير بالذكر أن من يفسد هذه العقود هم الفلاحين الجيران أنفسهم، بحيث يذهب للمالك و يزايد على جاره ويكسب الأيجارو يقوم الآخر و يعمل لصاحبه كما عمل به، و يأخذ نخله منه، و تراهم كل ينقل عشيشه لنخل جاره، لكن عملهم هذا لا يخلف من مودتهم لبعض أو أخوتهم و صداقتهم و تعونهم لبعضهم البعض، شيء سيء.

و الأجر للنخل مقابل كذا قلة تمر من هذا النوع، تدفع في أول الشتاء، و هناك و تفاصيل أخرى تختلف بين المالك الحضري و المالك البدوي.

فالبدوي يقنع بالتمر زائد راتب يومي من الرطب في أيام الصيف يصله إلى بيته في عنك بواسطة رجل أو شاب عمله تخصص في توصيل الرواتب، و غداء له في النخل في يوم من كل أسبوع من أسابيع الصيف. و على الأكار شبع بطن المالك و من حظر معه دون أن يسموا، و إلا سمع كلام لا يعجبه، - (العيش من العيش مو العيش من بسمله).

أما المالك الحضري فيطلب زيادة على التمور المتنوعة النظيفة و الراتب من الرطب الراقي اليومي تحمله إلى بيتهم الفلاحة نفسها و تسلمه بنفسها للعائلة، و دهن و حليب و لومي سنوي يسلموا يومبا، و بعضهم يشترط جلسة لأكثر من عصر يوم في الأسبوع في عريش الفلاح يقدم له الماء البارد في شربَة خاصة معطرة بطعم الورد و عصير [شربت] خاص بعصير اللومي!!


* * *


و هناك فئة من الفلاحين يعملون في معالجة النخلة في فن إزالة مخلفاتها الثقيلة بتقطيع ما نفق منها و جعلها نافعة لأعمال أخرى كالبناء، مثلا: كالجدوع و السعف و الجريد، و جدوع المقابر و عمل آنية منها لتقديم مواد المعيشة للحيوان كمعالجة بعض الجزم بتجويفها لتقديم العلف الحيواني فيها كالگت و سقط النخيل و الدخن و تسمى [جفنة]. أما بقية الجزم و هي قيعان النخيل و هي كبيرة، فتذهب لصناعي الجص - و هو مادة البناء – لتصبح وقود.

و هذا الفن الراقي يصنعونه رجال [نخالوة] أيضا و يطلق عليهم اسم [المساجنية] و مفرده مسجن و العمل إسمه: تسجين، و هم عوائل فلاحية متخصصة في ذلك العمل متقنة لعملها، و تسمى هذه العوائل ببيت المسجن.

كما أن هناك أناس متخصصين في جرد الخوص - و هو ورق النخلة - من السعف الذي تصنع من جيده السميم، و الذي غير جيد يباع للداغة مصنعي الفخار لجعله وقود، و تحويله إلى جريد.

و يصنع من هذا الجريد أشياء كثيرة كأسرة النوم و سكن المعاريس و منزات الأطفال و بناء حضور "جمع حضرة" لصيد الأسماك، و غيرها الكثير.


و لكي يكون هذا الجريد معمر دون أن تتلفه الحشرات يلم في حزم و يجمع و له أناس متخصصون يحملونه للبحر فيتركونه تحت الماء المالح ستة أشهر و بعدها يرفعونه و بهذه الطريقة يكون قد حصن ضد الحشرات لا تعشش فيه و تنخره، و قد عاش العمر كله صحيحا معافا.


* * *


و كل فرد في الأسرة الفلاحية كبر أو صغر امرأة أو رجل ولد أو بنت جميعا يعملون من طلوع الفجر حتى الغروب في أعمال النخلة و ما حولها من [خراف] "جني" الرطب و تجهيز السلوق في وقت التسليق، و معالجة التمور و سقاية الأرض و زراعة المنتوجات و جنيها و قطفها و تشطيب أشجارها.

كما إن للمرأة دور آخر و هو البقرة و هي من تملكها و تملك ما تخلفه من نسل، و ليس لزوجها فيها حق غير مشاركة العائلة في أكل ما تنتجه، و تملكها بالشراكة مع أحد الأثرياء غير زوجها تتعاقد معه أن تربي له بقرته [بالنص] شراكة، و لها جميع ما تنتج من مأكولات و مشروبات، و لهما الإثنان البقرة و أولاها بالتساوي.

و بهذا تتكفل بجميع مصاريفها الشخصية و مصاريف أولادها السنوية دون الرجوع إلى زوجها، و تفضل مبلغا جيدا لتقوم في كل ما بعد سنتان بالحج أو بزيارة أبا عبد الله الحسين عليه السلام لأن السفر يستغرق 9 أشهر أما الزوج فعليه إصلاح البيت.

كما إنها أيضا، الأم و الحامل و النفساء و المرضعة و المربية.

و في الليل يجتمعوا الرجال في جانب و النساء في الجانب الآخر في العريش و بالتداول بين البيوت، يشربون القهوة و يدخنون النارجيلة للرجال و [الگدو] للنساء. [يتعايون] أي يختلفون و يتناقشون في أمور القرية و قل أن تجدهم اجتمعوا في كلمة واحدة، فالكل يريد و بصوت أجش أن لا يغلبه الآخر في ما قال، لكنهم في نفس الوقت يشتغلون و ينتجون.



فالرجال يعالجون شيء من منتوجات النخلة و هو الحبال مثلا بكل أشكاله و غيره، و النساء تعمل السفيف أو تخيط ما أنتجوه من سفيف و لمه على بعض لصنع القفيف و الزبلان و المراحل و المخارف و المرافع و السجادات و السفر و المراوح و غيرها.



و بقلوب بيضاء و صفاء الضمير، يحبون بعضهم و يخافون على بعضهم و على جيرانهم بعيدين من الشكوك و المخاوف، و تنتهي عتمتهم و في الرابعة ليلا تقريبا كما يرونها من مواقع النجوم تذهب كل عائلة إلى بيتها لتنام، لتصبح غدا مع أول أذان للصبح أو زعقة ديك يثقون به.

و الفقر لم يمر على بيوت أهل القطيف في ذلك الوقت قط .


العم أبو سلطان


يتبع