يتبع
هل يعتبر الحديث العلوي الشريف القائل: «عقول النساء في جمالهن، و جمال الرجال في عقولهم» وسيلة لتقريع المرأة، و دلالة على أفضلية الرجل؟
: للإجابة على هذا السؤال لابد من الإلتفات إلى هذه المسألة و هي أن: زينة المرء بإيمانه لا بشيء آخر، كما قال الله سبحانه: «حبّب إليكم الإيمان و زيّنه في قلوبكم»(1). و بالنظر إلى أن روح الإنسان مجرّدة لا مادية، و الإيمان أيضاً أمر معنوي، صار هذا الأمر المعنوي و هو الإيمان سبباً لجمال ذلك الأمر المجرد و هو روح الإنسان، و بما أنه لا تأثيرلخصوصية الذكورة و الأنوثة في حقيقة الإنسان (التي هي روحه) و إيمانه و ما شابهها، أي أن حقيقة الإنسان و الإيمان و أمثالها لا تتصف بالأنوثة و الذكورة، بل هي أمر مجرد و المرأة و الرجل فيه سيّان، فمع هذا البيان يمكن أن نفهم من الحديث العلوي الشريف القائل: «عقول ...» معنی الأمر لا الوصف، فلا يكون المراد منه وصف صنفين من الناس، بأن يتلخص عقل المرأة في جمالها فتتعرض للذم، و يُصبّ جمال الرجل في عقله فيتّسم بوسام المدح، بل يمکن أن يتخذ هذا الأمر أو الوصف معنىً بنّاءاً. و بعبارة أخرى ينبغي على المرأة أو بإمكانها أن تصب عقلها و فكرها الإنساني في ظرافة العاطفة و جمال البيان و السلوك و كيفية التحاور و التعامل و نظائرها، كما ينبغي على الرجل و يمكنه أن يُظهر مهارته في الفكر الإنساني و التفكر العقلاني.
فإن المرأة الدارسة و العالمة بمعارف الإيثار و الشهادة قادرة على أن تلعب دور الأم الحنون في حثّ ولدها على الجهاد، و أن تعرض العقل الطريف حين وداع ولدها عند الذهاب إلى جبهات القتال في جلباب الفنّ الظريف. أو أن تظهر الفكر العقلي الرفيع حين استقبال ولدها و هو راجع من ساحة الوغى منتصراً في مظهر الشوق الجميل و ما شاكله. فإن مثل هذه الظرائف الفنية التي هي تجسّد عيني للطرائف العقلية لا تتيسر للرجال الفنّانين بتاتاً. فالحاصل أن على المرأة إظهار الحكمة في ظرائف الفنّ، و على الرجل العكس و هو عرض ظرائف الفنّ في طرائف الحكمة، فيكون جلال المرأة كامن في جمالها، و جمال الرجل متجلّ في جلاله، و تقسيم العمل هذا لا هو ذم للمرأة، و لا مدح للرجل. بل هو توجيه و إرشاد عملي لكل واحد منهما، ليختص كلّ منهما بعمل مأموريّته، فيكون جديراً بالمدح إن امتثل الأمر الخاص به، و مستحقاً للذم إن تمرّد عنه. فالاختلاف بين المرأة و الرجل يتجلى في كيفية إظهار الأفكار الصحيحة، و إلا فإن المرأة أيضاً كالرجل مؤهلة لتلقي العلوم و المعارف و مستحقة للتقدير.
إضافة إلى ذلك لابد من الإلتفات إلى أن العقل على صنفين: عقل نظري و عقل عملي. فالإنسان عبر العقل النظري يفهم، و من خلال العقل العملي يعمل. و إن اليقين و الجزم و الظن و الزعم و الوهم و الخيال و أمثالها من شؤون العقل النظري؛ أما النية و العزم و الإخلاص و الإرادة و المحبة و التولي و التبري و التقوى و العدل و أمثالها فهي من العقل العملي، وهذا العقل العملي هو معيار الفضل في الإنسان. والعقل النظري معيار أعلمية الإنسان، و العقل العملي معيار كرامته و أفضليته. «إن أکرمکم عند الله أتقاکم»(2)، و إن ما ورد في الرواية من أن «عقول النساء في جمالهن ...»(3)، إنما هو إشارة إلى العقل النظري لا العقل العملي. أي إذا كان هناك اختلاف بين الرجل و المرأة من الناحية العقلية فهو في العقل النظري أو الآلي لا العقل العملي.
العقل النظري، هو العقل الذي يمكن من خلاله اكتساب العلوم الدينية و الجامعية لتدور عجلة الدنيا، و هذا أيضاً لا يعدّ معياراً لفضل الإنسان (الرجل). بل إن معيار فضيلة الإنسان هو العقل العملي الذي جاء في تعريفه: «عُبِد به الرحمن، و اکتُسِب به الجنان»(4).
فالإنسان من خلاله يعبد الله و يكسب الجنة و يصل إلى مقام القرب، و لا فرق في هذا العقل أيضاً بين الرجل و المرأة. فمن أراد أن يحكم بين المرأة و الرجل، عليه ألا يجعل العقل المصطلح عليه (أي العقل النظري) هو المعيار، بل عليه أن يضع العقل العملي الذي هو وسيلة قرب الإنسان و ملاك فضله هو المعيار، ففي هذه الحالة يكون جمال الرجل و المرأة كلاهما هو في العقل الذي «عُبِد به الرحمن، و اکتُسِب به الجنان»، و في هذه الصورة يكون «جمال الرجال في عقولهم»، و جمال «جمال النساء» في ذلك أيضاً.
___________________________
1- سورة الحجرات، الآية 24.
2- سورة الحجرات، الآية 13.
3- بحار الأنوار، ج 103، ص 224.
4- أصول الكافي، ج 1، كتاب العقل و الجهل، ص 11، ح 3.
زن در آئينه جمال و جلال (المرأة في مرآة الجمال و الجلال)، ص 32 – 36 – 257 و 258
المفضلات