مناظرة بين الليل والنهار
بدا ضوء الشمس يتخلل الغيوم البيضاء،و ودّع الليل السماء
وأقبل النهار ببياض الطلعة ،وأسفر الليل عن سواد الطلة
بث الصباح طلائعه ،وأدبر الليل نوافجه
فبدأ النزاع بينهما،بعد أن كان متوارياً خلفهما
و استنجد كلاً منهما ببراهينه، وتحلى كلاهما بعزائمه ..
فتبادلوا الإبهار،وتنازعوا بالإنكار..
فبلغ الليل الغاية ،وبزغ الفجر رافعاً الراية .
تالياً قوله تعالى (والنهار إذا تجلى)
فرد الليل(والليل إذا يغشى) خلقني الله فسوى ، ثم على العرش استوى..
في عينيّ الفلك يفخر ، وببهاء السحر القمر يظهر.
فسربل النهار السماء
وقال: يا من يعز علي أن يحل ، ويبدلني بسواد كظيم لا يمل.
فاستوت الشمس منتصف النهار ((واصفرت غلا لتها كأنها الدينار)).
بعد أن كسرت جيوش الدجى وشمّرت للحرب من غير هدى.
قائلة: أما علمت أيُّنا أقوى وأظهر؟ أعلم وأطهر؟..
فشتان ما بين الثرى والثريا..
أين ظلمتك من بياضي؟وأين ضعتك من عزتي؟..
أما علمت أن الله امتدحني في كتابه وجليل سلطانه
بقوله(هل يستوي الأعمى والبصير أم هل تستوي الظلمات والنور)
فأين منزل الغَفَلَة من منزل أهل العلم واليقَظَة؟..
فحمل الليل على النهار ،((وصبغ حمرة وردته بصفرة البهار)).
وطرح ليلته بالأسحار وظلمته لا تتخللها الأنوار.
قائلاً
(( أحمد من جعلني خلوة للأحباب ، وجلوة لعرائس العرفان ونفائس الآداب
وخلقني مثوى لراحة العباد ، ومأوى لخاصة النُّسّاك والعبّاد.))
ولله در القائل:
أيها الليل طُل بغير جُـنـاح ليس للعين راحة ٌ في الصباح
كيف لا أبغض الصباح وفيه بان عني نور الوجوه الصِّباح
فإني أتردد على مجالس الحسن والبهاء ، أخيم بالأنس والهناء
وأحيي الليل بنسمات السحر فأحيان أصلي وأحيان أُسِّر.
وإياك أن تُعيبني بالسواد ،(( فما عيب السواد إلا في الفؤاد !!))
أما تشهد كرامتي وعزة شأني؟!
وكيف تعيرني بالوضاعة ((ومني كان انسلاخك وظهورك ؟!))...
أما ترى الناس في أمري حَيَارى؟وعلى ضياء قمري ولفيف نجومي سهارى؟..
ولا يحلو السمر إلا في ثنايا السحر
فيا أيها المغتر بالبياض أما علمت أن السواد حلية أهل القيام؟..
فما هي حججك بعد أن وهنت أمام محجتي؟!
انظر إلى حسن هلال بدا يجلو سنـاطلعته الحــندسـا
كمنجل قد صيغ من فضة يحصد من زهر الدجى نرجسا
فقام النهار وتنبه فازدهر سراحه ، وأنار سراجه
وشرع يتلو سورة النور ، والشمس تظهر بضوئها المسطور..
وقابل الصبح جنح الليل فارتسمت سطوره البيض في ألواحه السود
ثم قال :
أيها الليل البهيم قد عفيت عنك بعد أن بارت نزاعاتنا ..
تالله إننا لعلى خلاف بينما في ادبار ليلتك واشراق نهاري في إيلاف ...
فما رأيك بالصلح القويم فنحن خلق الله السليم
أكمل الله خلقنا ،فاجعل من صحبتِنا نعمتنا..
رد الليل مُرحباً :
سلام الله على من اتبع الهدى والصلاح ، والله إنك لعلى فلاح..
احمد الله ان جعل لنا خلوة الأيام ، وفي تعاقبنا جلوة الأوهام..
فها أنا أرد إليك عوائد الإحسان ،بعد أن كررنا الإنسان ، وبامتنان أجود بموائد العرفان ...
(( فقُر عيناً وطِب نفساً ، وابشر ببلوغ الوطر ، وزوال الخطر)) ..
لعمري إننا على أفضل حال ، بعد أن ذقنا المحال ، و حال النزاع ، مابعدها حال..
و سلام الله عليكم..






رد مع اقتباس
المفضلات