وبلا تردد ارتديت ( عباتي) و( شيلتي) ....وحملت معي ( دفتري) الذي سجلت فيه كل تفاصيل حكايتي منذ ان رأيت حمد للمرة الأولى ...ولاأعلم لماذا حملت ( الدفتر ) معي ...فحتى حقيبة يدي نسيتها ...وعند كل إشارة مرور كنت أتناول الدفتر وأسجل فيه آخر التفاصيل التى تعرضت لها اليوم.....لاأعلم لماذا كنت أسجلها وأنا بهذه الحالة ....ربما لاننى شعرت انها قد تكون آخر الاحداث بهذا ( الدفتر)
وفي الطريق هاتفت ابنة عمي ( عواشة) ..لم تفهم مني شيئا ....فحديثى كان متقطعا مخنوقا ...كل مااستوعبته مني...انى سأكون أمام منزلها بعد دقايق ..وانها ستذهب معي .
بعد أقل من 3 دقائق كنت أمام بيت عمي..لاأعلم كيف قطعت المسافة فى (3) دقائق فقط....فقد كنت أقود السيارة بسرعة جنونية.....صعدت ( عواشة) السيارة....بينما انطلقت أنا بالسرعة الجنونية ذاتها....حاولت هي الاستفسار مني عما يحدث....فأخبرتها بان ( خليفة ) قد تعرض لحادث ويطلب رؤيتي .
سألتني من خليفه؟...لم يكن الظرف ولا الوقت يسمح بالشرح لها....فتناولت ( دفتري)...كتبت فيه حواري الاخير مع الممرضة ...ومع ( عواشة )... وأعطيتها إياه...قلت لها هذا الدفتر كتبت فيه أشياء كثيرة......عندما تعودين إلى البيت ...إقرئيه......وبعد قراءته يحق لك التصرف فيه كما تشائين.
سألتني برعب...لماذا تقولين هذا....سأعيده إليك بعد قراءته !
أخبرتها انه لم يعد لدي مااضيفه للدفتر .....وكانت هذه الجملة هي آخر ماكتبته فيه (لم يعد لدي ماأضيفه للدفتر)

وصلنا المستشفي ......وسألت هي عن الممرضة التي هاتفتها....وحين وجدتها أخذتنا إلى حيث ينام خليفه


وهناك إلتقته ....كان منظره يُرعب القلب...فالدماء تغطي وجهه وجسده ....يتكلم بصعوبه...وصوته لايكاد يُسمع.....لكنى سمعته يقول لها !
(سامحيني ..
أعلم أن رحيلي سيسرق منك كل شي...وأعلم كيف ستكون لياليك ِ بعدي...
وأعلم مساحة الرعب التي سيخلفها رحيلي في داخلك ِ..وأعلم أن لا شيء سيملأ الفراغ خلفي
وأعلم كم ستقتلك البقايا ...وأعلم كم ستكسرك الذكرى....وأعلم تحت أي مقاصل العذاب ستنامين
وفي أي مشانق الانتظار ستتعلقين ....وأعلم كم ستبكين وكيف ستبكين
وأعلم أني قد خذلتك وأعلم أنك ِ ستغفرين )


وأغمض عينيه...دون ان يمنحها فرصة للرد عليه....ولمصارحته انها لم تحب سواه !


ومضى إلى مصير يجهله.......كانت رائحة الوداع تملأ المكان.......ولكنها تعلقت بآخر قشة للأمل
انتظرت......وانتظرت.........وانتظرت!!
وكانت تسألني بين لحظة وأخري :
ماذا لو أنه رحل ؟........ماذا سيكون لون حياتي؟بل ماذا سيتبقى من حياتي ؟
لم تحتمل ثقل سؤالها.. فجلست فوق الأرض.....ما عادت قدماها تقويان على حملها!!
استندت إلى الجدار في انتظار حكم الحياة عليها....أو عليهما!!


ومن بعيد لمحته يأتي.......يتقدم نحوها
إنه الطبيب الذي أجرى له العملية !
تمنت أن يقف مكانه .......أن لا يتقدم أكثر....أن لا يفتح فمه بنبأ رحيله
دقات قلبها تتزايد..........أنفاسها تتصاعد....رأسها يتضخم بالسؤال المرعب ..
ترى .. هل رحل ؟
أغمضت عينيها........ووضعت يديها على أذنيها
لا تريد أن تسمع ..لا تملك القدرة على أن تسمع نبأ كهذا النبأ!


لا أحد يعلم كم من الوقت قد مر قبل أن يصلها الطبيب......ربما لحظات وربما سنوات
لكنه أخيرا ً وصل !
وقف أمامها باسما ً .. قائلا .........كُتب له عمر جديد سيدتي......نجحت العملية وسيعيش!
وانتظر أن ينطلق منها صوت الفرح.....لكن!!
لم تنطق
ولن تنطق أبدا ً
لقد رحلت ..
قتلها الانتظار والخوف والترقب !

تري هل لاحظتم انه بمجرد وصولنا إلى المستشفي ...تغيرت طريقة السرد....لم تعد هي من تسرد الحكاية ....فأنا من اكملتها .....أنا ( عواشة) إبنة عمها !
سردت عليكم حكايتها هنا...كما قرأتها فى دفترها الذي أعطتني إياه فى ليلة رحيلها!
رحيلها الذي اضطررت ان أُزوِر الحقائق فيه...كي لايفضح موتها...ماسترته حياتها
فأخبرتهم انها هاتفتني فى تلك الليلة لانها شعرت بوخز شديد فى قلبها ...واني قمت بنقلها إلى المستشفى...لكنها لفظت آخر انفاسها بمجرد وصولنا !
وهز رحيلها أركان الجميع وزعزع قلوبهم!

والدها أصابه ذهول رحيلها بأمراض كثيرة ولولا ايمانه بالله لفقد عقله
والدتها كانت تردد فى ( العزاء) باكية ( منذ ان حلمت بمريومة ادركت بقلب الأم انها راحلة)
حمد سافر إلى الخارج لاكمال دراساته العليا....وانقطعت أخباره تماما!
خليفة تزوج بعد رحيلها بسنوات زواجا تقليديا...وأطلق اسمها على ( طفلته) الأولى!
ومازال بين فترة وأخرى يهاتفني للاطمئنان على أهلها !
أنا...مازلت أحتفظ بالدفتر ....وكلما تذكرتها ...أبحرت فى وريقاته ..وبكيتها!!


إنتهت



وفي الختام لكم مني خالص التحايا .
ودمتم بألف خير .