بسمه تعالى
ليس لديّ اعتراض أن تأخذي كل بذور اللقاح إذا شئتي ذلك ، وإن كنت استغرب منك هذا اللجوء الفكري فليس هناك ثمار يتدلى فوق أغصان موضوعي حتى ينال كل هذه الأطماع ، وحقيقة لا أخفي عليك مدى دهشتي لهذا المد الفكري رغم شدة فقري وفاقتي فما زلت غصناً طرياً ولكنني سعدت بمحاولتك ولي الفخر أن أكون وراء هذا المحصول الطيب الذي نقرأه على يديك !! لن أسمّي ذلك شيئاً غير أنه تلاقح فكري بين الأخوة الأعزاء فمن الجميل أن نقطف ثمرة من حدائق الآخرين خصوصاً إذا كانت النية حسنة والأجمل من ذلك هو الإستئذان الذي يعتبر الطريق المختصر للوصول إلى عقل الطرف الآخر ، فأنا ممتن لك كثيرا ولك مطلق الحرية متى ما شئتي وإن أحببتي كل الجوانب فهي تحت تصرفك ورهن إشارتك ..!!!
أما عن موضوعك فلقد طرق أبواباً كانت مقفلة ولا زالت مطارق البحث والتنقيب تتهاوى عليه بغية الوصول إلى جذور هذه المشاكل المتفشية في أقبية مجتمعنا ، وقد سألت نفسي يوما ما عن ظاهرة العنف والسرقة والرعب المتفشي بين قرى وضواحي القطيف فالجرائم في تزايد وأرقام الحوادث يستمر يوما عن يوم ، فهل الفقر سبباً في ارتكاب الجرائم ، وما أعرفه إن الفقر ليس وليد هذا الزمن فالقطيف كانت فقيرة مادياً ولكنها غنية بوفاء أصحابها فالناس رغم بساطتهم وعفويتهم وسذاجتهم إلا أنهم كانوا يولون مزارعهم وبحورهم الاهتمام الكافي فهذه روافد رزقهم ومصادر معيشتهم ومع لم تمتد يد الجار على أملاك جاره ولم نسمع قط في ذلك الزمان أنه تعرض أحد الدكاكين للسرقة والاعتداء من قبل الآخرين كان الأمان سمة تعم أجواء المنطقة وأما الآن فلا يأتيك أمان أن تغمض جفن عينيك إلا بعد أن تقفل الباب بالدرباس وتقفله ثلاث قفلات حتى تنام مطمئناً ..!! بل تطور الأمر أن تتصدق حتى على الفقير حين يطرق بابك سائلاً بعض العطف والصدقة ؟! خشية أن يشدّك من وسط بيتك فيلوي ذراعك ويعتدي عليك وينظف بيتك تنظيفاً جيداً !!
هناك أسباب قد تلعب دوراً بارزاً في دفع بعض الشباب إلى ارتكاب الجرائم كالسرقة والاعتداء على أرواح الآخرين وأعراضهم إلى غير ذلك من السلوكيات العنيفة ..!!
التربية على ما أعتقد هي إحدى العوامل الرئيسية في تقويم خلق الإنسان وتهذيبه والوصول به إلى أفضل المستويات الأخلاقية ، فالفرد حين يعيش مهملاً من قبل والديه ولا يجد الرعاية الحسنة ولا يجد الحضن الدافئ الذي يحتضن آلامه ومشاكله يهرب إلى الشارع ومن تلك الجبهة يحدث الاختلاط بينه وبين أولاد السوء وهم بدورهم يملكون أفكاراً شاذة لا تملك عقولهم الصغيرة أن تسيطر على هذه الأفكار فيصبح هذا الفرد حقلاً مختبرياً تطبّق فيه خريجي الشوارع لمساتها وتجاربها إلى أن يتحول هذا الفرد إلى عنصر هدّام وفاسد يعبّر عن ضغوطه من خلال ما توفرت له من أفكار متمردة فينتقم على المجتمع ويتحول إلى شخص ساخط على نفسه وعلى من حوله فلا يستطيع التعامل مع الآخرين بإنسانية فالحيوانية تأصلت فيه وجعلت منه إنساناً خالياً من الرحمة والرأفة فكل أفكاره خشنة ونظرته إلى الحياة نظرة سوداوية مبنية على القوة والبطش واللا رحمة حتى الخوف من الله ليس له تأثير في قلبه فلقد غطّى الكره والحقد قلبه فصار يتعامل ويتعاطى مع الحياة بطريقة القوي يأكل الضعيف وإن لم تكن ذئباً أكلتك الذئاب !!
إذن هي التربية ، والتربية تعاليم يقوم الوالدين بغرسها في نفس الولد ويبقى الوالدين في عمل دائم ودؤوب وفي حالة تعليم مستمر لا يتوقف من أجل أن يتخرج على أيديهم ولد صالح يستطيع أن يقاوم مساويء البيئة التي تحيط به ، فكما يعلم الجميع إننا في بيئة متنوعة الأفكار والثقافات فلم تكن بيئتنا هذا اليوم كبيئتنا منذ سنين طويلة ، فالنوافذ البيئية تطل علينا من زاوية ولكل نافذة هوائها الخاص بها ولها معالمها الخاصة ولها أفكارها المتميزة ، والآباء يعرفون ذلك تماماً ويعرفون ثقل المسؤولية الملقاة على عواتقهم فالاهتمام بالولد فكرياً وصحياً ومادياً يسهل عليهم كثيراً في صنع ولداً متفوقاً ومتعلماً وناجحاً في حياته قادراً على العطاء وعنصراً فعالاً في المجتمع فالوالدين يملكون دفة نجاح هذا الولد إذا استطاعوا توفير المناخ المناسب والبيئة الهادئة وتهيئة كل وسائل العيش الرغيد 0
كثيرة هي الأسباب التي تنشر الخوف والرعب والجريمة في مناطقنا فهي لا تتولد من الفراغ بل جاءت بسبب ظروف وأسباب وتداعيات أفراد المجتمع هم لهم اليد الطولى في خلق مثل هذه الفوضى وهذا الجو الملوّث والممتليء بالقلق والخوف !!
أكتفي بذلك آملاً إنني وفقت في إيضاح بعض المسببات الرئيسية خلف افشاء جو الجريمة والخوف وعدم الأمن في أجواء بعض المجتمعات فالأمر لا يقتصر على مجتمع القطيف وحسب بل هي ظاهرة تسود كثير من المجتمعات 0
تحياتي لصاحبة الأطروحة
بقلم/ يوم سعيد
المفضلات