أساسيين: الأول تزايد بناء المستوطنات اليهودية في الجزء الشرقي من القدس مع مزيد من مصادرة الأراضي العربية فيها، والثاني تزايد أعداد المهجرين اليهود إليها وتراجع نسبة الوجود العربي .
القدس محور الصراع الأهم :
في ظل هذه التحولات الأساسية اعتبرت القدس محور الصراع ورمزيته ومكونه الحضاري والديني والسياسي , ورغم استمرار العدوان اليهودي على الأماكن المقدسة وعلى الأرض والسكان في القدس وسعيه المستمر منذ الأسبوع الأول لاحتلال القطاع الشرقي منها (البلدة القديمة) عام 1967 لتهويدها ومحو معالم الحضارة العربية الإسلامية فيها، فإن النضال استمر لتحريرها، و تأسست منظمة المؤتمر الإسلامي أساساً للقيام بهذا الدور إثر إحراق المسجد الأقصى من قبل اليهود في 21/8/1969 ولكن كعادتهم القديمة لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم أسماء بلا أفعال .
ولذلك فقد أصبحت القدس والحرم الشريف فيها على وجه التحديد قاعدة الصراع العربي الصهيوني وأساسه لاعتبارات دينية وسياسية وتاريخية في آن واحد، وهو ما جعل عمق الحق الفلسطيني فيها يمتد إلى العمق الاستراتيجي العربي والإسلامي كاملاً, وعلى الجانب الآخر تزايد التمسك اليهودي بالقدس كاملة موحدة كعاصمة أبدية لإسرائيل بوصفها المكان "المقدس" لليهود في العالم، بل بوصفها مهجة قلب الشعب اليهودي على حد تعبير مؤسس ما سمي بدولة إسرائيل بن غوريون.
تغير عمراني وديمغرافي :
لكن الحقائق على الأرض تشير إلى نجاح التهويد العمراني والديموغرافي ، مما يشكل خطراً على الوجود العربي فيها، حيث تشير الإحصاءات والدراسات إلى أن ما بقي من القدس الشرقية خارج دائرة التهويد يصل إلى 21% فقط، في حين تم الاستيلاء على حائط المسجد الأقصى الجنوبي الغربي (حائط البراق) بطول 47 متراً وارتفاع 17 متراً ليكون مكاناً يصلي فيه اليهود حسب طقوسهم الدينية المزعومة وليطلق عليه زوراً "حائط المبكى".
كما تم تعديل التركيبة السكانية للمدينة لتصل إلى حد المساواة بين العرب واليهود فيها (200 : 170 ألف نسمة)، ناهيك عن تغيير المعالم والهدم والطرد المستمر للسكان العرب في محاولة لإضعاف الموقف العربي الإسلامي إزاءها.
من جهة أخرى يحاول اليهود حصر حق المسلمين فيها بالحرم الشريف وحق المسيحيين بكنيسة القيامة، ولذلك اتجهت الحلول الإسرائيلية المقترحة لمستقبل المدينة لتقديم الحل الديني أو الوظيفي الإثني مع استبعاد الحل السياسي إلا في جانبه الرمزي فقط، وذلك حتى تبقى السيادة والأمن إسرائيليين في المدينة.
أهمية القضية وفشل اتفاقات السلام حولها :
ولم تتمكن اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية التي وقعت منذ عام 1979 وحتى اليوم من معالجة المسألة بعدل، غير أنها وفرت لليهود الفرصة الزمنية الكافية لفرض الأمر الواقع التهويدي جغرافياً وسياسياً وسكانياً ويعود ذلك لأسباب عديدة ومختلفة أهمها الإختلافات العربية بشأن قضية القدس , ولم تتمكن اتفاقات السلام العربية الإسرائيلية التي وقعت منذ عام 1979 وحتى اليوم من معالجة الصراع على القدس، غير أنها وفرت لليهود الفرصة الزمنية الكافية لفرض الأمر الواقع التهويدي جغرافياً وسياسياً وسكانياً .
إن قضية القدس تكاد تختصر قضية فلسطين والصراع العربي الإسرائيلي، وقد كان بيت المقدس على الدوام الشرارة التي تشعل المواجهة بين الطرفين، حيث تتمثل المعركة بمختلف مكوناتها في القدس: مصادرة الأرض، بناء المستوطنات، جلب اليهود وتوطينهم فيها، محاصرة المناطق الفلسطينية، طرد الفلسطينيين منها، وانتهاك حرمة الأماكن المقدسة والاعتداء عليها ، خاصة وأن بيت المقدس يعد الذاكرة الحية للمسلمين ويحتل مكانة خاصة لديهم، وهو جزء من أرض الشام المباركة وهي أرض مقدسة، وفيها المسجد الأقصى الذي تشد إليه الرحال، وهي أرض الإسراء والمعراج الذي ربط مكة بالأقصى والقدس، فعروبتها من عروبة مكة وقدسيتها من قدسية مكة.
ولذلك فإن أي طرح سياسي لإنهاء الصراع يستبعد عودة القدس لأصحابها العرب كاملة لا يتوقع له أن يحظى بالاستقرار والاستمرار، وستبقى القدس شرارة الصراع الأكثر سخونة كما أكدت انتفاضة الأقصى في سبتمبر/ أيلول 2000 والتي ما زالت مستمرة ولن تنطفىء بإذنه تعالى .
أولاً: أسباب الصراع التاريخي حول مدينة القدس ومظاهره :
احتدم الصراع حول مدينة القدس منذ القدم لأسباب متعددة دينية وسياسية وتاريخية وإثنية، وقد ابتدأت أولى مراحل الصراع عندما دخل يوشع بن نون إلى فلسطين يقود أتباع موسى واستمر صراعهم مع اليبوسيين والكنعانيين 140 عاما إلى أن تمكن النبي داود عليه السلام من السيطرة عليها وإقامة مملكته فيها عام 1049 ق.م، واستمرت مملكة داود وابنه سليمان عليهم السلام قرابة السبعين عاماً.
وشهدت مدينة القدس أعمال التخريب والدمار على أيدي سرجون ملك آشور ونبوخذ نصر ملك بابل الذي أسر عشرات الآلاف وهدم أسوارها , وبطليموس اليوناني الذي هدمها ودمر أسوارها وأسر مائة ألف من اليهود فيها، وكذلك فعل أنطوخيوس الذي قتل ثمانين ألف يهودي في ثلاثة أيام ، والقائد بومبي الروماني، وكذلك فعل الصليبيون عندما احتلوها عام 1099. غير أن الفتح الإسلامي كان حفاظا على الناس والأعراض والأموال والكنائس والمعابد والممتلكات، كما كان عدلاً يساوي بين الناس ولا يقابل الإساءة بمثلها، ولا يحمل الشعوب وزر قادتها وطغاتها.
وبذلك يمكن ملاحظة أهمية البعد الديني والإثني في الصراع حول المدينة والذي ساد أثناء مرحلتي الصراع الأخيرتين بشكل حاسم، وهما مرحلة الصراع الصليبي الإسلامي (1099 - 1187) ومرحلة الصراع بين الحلف الاستعماري الصهيوني وبعض الدول العربية والإسلامية (1949 - حتى الآن).
وبعد نجاح المسلمين في إفشال الحملات الصليبية المتتالية على فلسطين، غدت القدس رمزاً لجهادهم من أجل استعادة الأرض والحقوق، فكان من أهم مسؤوليات الكيانات السياسية المتتابعة المحافظة على القدس عربية إسلامية والعمل على تعزيز هويتها وتراثها الإسلامي.
ويعتبر الفلسطينيون البلدة القديمة هي قلب مدينة القدس المحتلة، وهي ليست مجرد قطعة أرض من الأراضي العربية المحتلة عام 1967، لكنها تعبير حي عن الميراث الثقافي العربي في المدينة، وتعتبر مركز النضال الوطني للقدس. وتتمتع القدس برمزية دينية خاصة عند المسلمين والمسيحيين، كما استغلت الحركة الصهيونية هذه الرمزية لجمع اليهود فكرياً وربطهم بالأرض والمقدسات المزعومة في محاولة للبحث عن عمق حضاري في التاريخ وتقديمه بصورة حديثة .
القدس في ظل الاستعمار البريطاني :
بعد مجيء الاحتلال البريطاني لفلسطين خلفاً للحكم العثماني عام 1917، شرعت سلطات الانتداب البريطاني في تطبيق وعد بلفور الخاص بإقامة دولة لليهود في فلسطين، فسهلت عمليات الاستيطان اليهودي، كما ساهمت في إنشاء المؤسسات الثقافية والدينية اليهودية في المدينة، وفي شراء الأراضي العربية وغيرها في منطقة القدس ومحيطها وعلى الأخص غربي البلدة القديمة. واتجهت كذلك إلى تقسيم الأرض بين العرب واليهود .
عاملي
[ALIGN=CENTER](13)(13)(13)(13)[/ALIGN]
المفضلات