نص الحديث
قال الإمام الصادق(عليه السلام): احذرواأهوائكم كما تحذرون أعدائكم فليس شيء أعدى للرجال من اتّباع أهوائهم
و حصائدألسنتهم»(1)
شرحالحديث
هناك برامج كثيرة في شهررمضان المبارك، من بينها و أهمها صيام الشهر، فالبعض يتصور أنه إذا كان مريضاً أوعلى سفر، تسقط عنه الأعمال الأخرى، في حين أن في شهر رمضان هناك برامج و أعمالأُخرى غير الصيام، و من بينها عمل مهم جداً و هو جهاد النفس، و هو من أكثر الأعمالنورانية.
و الحديث الشريف أعلاه والوارد عن الإمام الصادق يحذر الإنسان من هوى نفسه و يوصي بالحذر منه كالحذر منالعدو، حيث أعدى أعداء الإنسان، هو إتباع هوى النفس و حصاد اللسان و طغيان الميولاتو الغرائز.
إن هوى النفس، يعني النزولعند الرغبات الغير مشروعة و الاستجابة لطغيان القلب لدى الإنسان، و إذا ما سيطرالعقل على هوى النفس، فعندها سيزول الخطر، و بالعكس، فلو أطاع هوى نفسه من غير قيدأو شرط و طبقاً لرغبات قلبه و نفسه، عندها سيتعطل دور القانون الإلهي و نداءالضمير، و يطلق على هذه الحالة، طغيان هوى النفس و هو من ألد الأعداء.
ان الإنسان إذا أحس بوجودالعدو، فيبذل كل ما في وسعه لكي يبتعد عنه ولا يكون هدفاً لسهامه، أو الوقوع فيشباكه. ولكن مع الأسف، نرى الكثير يقفون مكتوفي الأيدي إمام هذا العدو القاسي، لابلأن بعضهم يصبحون أصدقاءاً لهذا العدو، و يتفاقم الأمر لدى البعض حتى يصل إلى حد أنيكون هوى نفسه سيده و أميره و قائده، و الكثير من الناس يكون هوى نفسه معبوده، قالتعالى: «أرأيت من اتّخذ الهه هواه»، فأحيانا نرى الإنسان يسجد طاعة لهوىنفسه.
إن أحد أقسام التوحيد، هوتوحيد الطاعة، و الإنسان الموحد هو الذي لايطيع شيئاً في هذا الكون إلا الله سبحانهو تعالى، «إن طاعة الرسول و الإمام، و طاعة الأب و الأم و مرجع التقليد كل ذلك يكونبأمر من الله سبحانه و تعالى».
ولو كان المطاع شيئاً آخراً،و جعلناه شريكا لله سبحانه فان عملنا هذا سيكون شركاً في العبادة.
ان طاعة هوى النفس يجعل منالقلب أحيانا معبداً للأوثان.
إن القلب يجب أن يكون عرشاًلله، لكن في بعض الأحيان نرى سيطرة الأصنام، مثل صنم حب المال أو المنزلة و السلطةأوحب الولد، على القلب فتجعله خاضعاً و مطيعاً لهذه الأصنام.
إننا نجلس في بعض الأحيان وننتقد و نذم عبدة الأصنام، في حين لو نظرنا إلى قلوبنا لوجدنا فيها معابد للأصنام،في كل قلب أنواع من الأصنام و الأوثان.
«من أصغى إلى ناطق فقدعبده». فإذا ما أصغيت و صبوت إلى هوى نفسك، ففي الواقع أصبحت عبداً لهوى نفسك. وإذا كان المتكلم يتحدث بكلام الله سبحانه و تعالى فان الاستماع له يمثل طاعة للهسبحانه و تعالى، و إذا كان المتكلم يتحدث بحديث الشيطان فان المستمع له يكون مطيعاًللشيطان.
من خلال أعمال شهر رمضانالمبارك يمكن التعرف على هذا العدو، فيتخلص المجتمع من شر هذا العدو، و من هنا نرىأن نسبة الجرائم في شهر رمضان تنخفض انخفاضاً شديداً، و على هذا الأساس يكون صيامشهر رمضان وسيلة لجهاد النفس.
و هناك نقاط مهمة في هذاالحديث، من بينها:
1-لقد عبرت الرواية بكلمة«احذروا» ولم تقل «أطيعوا»، و الحذر يعني، أن الإنسان يجب أن يكون دائماً في حالةترقب من أجل أن لايقع في شباك هوى النفس، و هذا التعبير أشد و أدق من قول «لاتتبعوا».
2-ورد في الرواية تعبير«اعدى للرجال»، و من هذا التعبير نستنتج أن هدف الخطاب الأشخاص من ذوي الشخصيات والإيمان، فهم أعدى أعداء هوى النفس، و عليهم أن يحذروا بشدة من هذا العدو، و لعلهذا الحديث له شبهاً بالحديث الذي يقول: «الناس كلهم هالكون إلا العالمون والعالمون كلهم هالكون إلا العاملون و العاملون كلهم هالكون إلا المخلصون و المخلصونفي خطر عظيم» و هذا الخطر هو خطر هوى النفس.
3-المقصود بالحصائد هو جمعحصيدة، و هو الناتج الذي يأتي من الحصاد، و لقد شُبه اللسان بالمنجل، و هو وسيلةالحصاد و الجني، و ذنوب اللسان تدخل في اطار هوى النفس، لكن لماذا تذكر هذه الذنوببشكل مستقل؟
إن الذنوب التييحصدها اللسان هي من قبيل هوى النفس، و قد فصلت في حديث الإمام(عليه السلام)و ذلكلاهميتها، و ذلك لان الذنوب التي يرتكبها اللسان لاتحتاج إلى وسائل و آلات خاصة، واللسان في الليل و النهار و في كل الأحوال هو تحت سلطة الإنسان، و خطر ذنوب اللساناكبر بكثير من غيرها، حيث ان الذنوب التي تصدر عن اللسان تصل إلى الثلاثين ذنباً منالذنوب الكبيرة. و لا توجد ذنوب مثل ذنوب اللسان، و لا يوجد ذنب في تصور الناس أقلأهمية من ذنب اللسان، و لا أخطر منه لان اللسان دائماً تحت تصرف الإنسان، و من هناندرك علة تأكيد الإمام الصادق(عليهالسلام)على اللسان، و قد ورد في إحدى الروايات بانالرسول الأكرم(صلى الله عليهوآله)كان يتحدث حول أخطار اللسان، فقال له أعرابي:أفنؤاحذ بما نقول؟ فأجابه الرسول الكريم: و هل تكب الناس على مناخرهم في النارالاحصائد النستهم».
و من هنا نستنتج أن أدلةأهمية ذنوب اللسان تتلخص بثلاثة أشياء:
1-إن عدد ذنوب هذا العضوأكثر من غيره من الأعضاء، و ان ذنوب اللسان تبلغ ثلاثين ذنباً.
2-إن اللسان وسيلة سهلةللذنب و هي دائماً في تصرف الإنسان.
3-إن قبح ذنوب اللسان يأتيمن خطورة ما تسببه هذه الذنوب من ضرر و أذى.
ان شهر رمضان المبارك هو شهراصلاح الجوارح و الأعضاء و الروح و المجتمع، و يجب أن نهتم بذلك.
1.بحارالانوار، ج 67، ص 82
المفضلات