بعارينينتظر معظم الموظفين من القطاع الحكومي اليوم الخامس والعشرين من كل شهر هجري بفارغ الصبر، فهو اليوم الذي سوف تنزل فيه المرتبات الحكومية في حسابات أولائك الموظفين، وإن كان ذلك المرتب لا يبقى إلا أيام قلائل في معظم تلك الحسابات وذلك لما يحمله الموظف المسكين على كاهله من ديون وقروض ومستلزمات معيشية صعبة مرت بمحرقة الأسهم الشهيرة وانتهت بمصيبة ارتفاع الأسعار الأخيرة!!.
شاهدنا من الأسطر الماضية ليس أولئك المساكين من ذوي الدخل المحدود، ولكن الشاهد هو الجانب الآخر من الناس الذي أنعم الله عليه بنعمة رغد العيش وأخذ يلعب بهذه النعمة دون اكتراث لما حوله من فقر وجوع يملأ البلاد ويكاد يعصف بالكثير من الناس.
زارني في مكتبي بالعمل قبل مدة وتحديداً في أحد أيام الخامس والعشرين من أحد الأشهر أحد شيوخ قبيلة (عتيبة)، وبعد تجاذب أطراف الحديث سألني هل زرت مهرجان مزاين الإبل الأخير الذي نظمته القبيلة تحت شرف الأمير مشعل، فأجبته بالنفي، ثم طلبت منه بعض المعلومات عن المهرجان وعن الجوائز الممنوحة وكيفية استيفاء المبالغ لتغطية التكاليف.
فكانت الإجابات كالصاعقة من الأرقام الخيالية التي سمعتها، حيث قال لي بأن القبيلة تبدأ بجمع المال عن طريق شيخ كل قبيلة المنتشرين في أنحاء المملكة حيث يرسل كل شيخ أحد الأشخاص لتجميع الأموال من كل فرد من أفراد القبيلة الذين يعيشون في نطاق منطقته وعلى مستوى المملكة، حيث يدفع عن كل شخص مبلغ محدد مسبقاً، ثم قال أنا عن نفسي وجماعتي دفعت مليوناً من الريالات إلى المهرجان، حيث يمثل هذا المبلغ أفراد القبيلة الذين أرأسهم. ثم ذهبت أنا وأبنائي واستأجرت من المهرجان مخيماً لمدة عشرة أيام بمبلغ 350 ألف ريال، هذا بخلاف مصاريف المعيشة التي نتحملها نحن من ذبائح ومواد غذائية طيلة أيام المهرجان.
قلت له : وماذا قدم المهرجان لشيوخ القبيلة ؟
قال : أقام المنظمون وجبة عشاء ضخمة في إحدى الليالي مكونة من عشرين جملاً وحوالي ثلاثين كبشاً.
وماذا عن ختام المهرجان ؟
في الختام تم تقديم الجوائز على أصحاب الجمال الفائزة وكانت في أغلبها عبارة عن دروع تذكارية وبعض المبالغ المالية على أصحاب المراكز الأولى.
سألته : وكم كانت إيرادات المهرجان لهذا العام ؟
فقال : سبعون مليوناً من الريالات !!!.
إلى هنا انتهى اللقاء الذي استمر لحوالي نصف ساعة، وبما أن هذا اليوم الذي التقينا فيه هو اليوم الخامس والعشرين من الشهر، فقد لفت انتباهي وبعد خروجي من العمل بطوابير السيارات التي تصطف خلف ماكينات الصراف الآلي من أجل سحب ما يسد حاجاتها، عندها تذكرت لقائي بذلك الشيخ وقلت في نفسي: مساكين هؤلاء الناس، حيث أصبحت (البعارين) في حالة معيشية أفضل منهم.
قال تعالى: { وآت ذا القربى حقّه والمسكين وابن السبيل ولا تبذّر تبذيراً إن المبذرين كانوا إخوان الشياطين وكان الشيطان لربه كفوراً } الإسراء : 26-27بقلم/ توفيق حسن المحسّن
المفضلات