مشكوره على القصه
هذه قصة من قصص د. محمد الحضيف ( قاص وروائي اسلامي ) وهي من مجموعته القصصية (موضي .. حلم يموت تحت الأقدام ..! )
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
زينب .. يعصرها الأسى ..
الظلام يملأ كل شئ .. يحس به حوله ، رغم الضوء الأصفر الباهت ، الذي يتسرب من المصباح ، المثبت في سقف (الغرفة) الضيقة ..
الباب الحديدي الثقيل ، بلونه الرمادي ، ينتصب مثل كتلة سديمية هائلة ، تسد الأفق ...
عند الافـق ينتهي العالم ، ومن السديم كان (الانفجار الكبير) ، وإلى السديم يرجع أصل العالم ...
... هذا هو (عالمك) الذي عدت إليه ... بأفقه .. وسديمه ..
لقد عدت إلى (أصل الاشياء) .. بل أنت لم تخرج .. قط . كنت دائما في عالم (ما ورائي) .. .. بقيت فيه .. بـ (مثالياتك) ..
لم تقرأ (نهاية التاريخ) لفوكوياما ، ولا (الأمير) لمكيافيلي .. لا تعرف شيئا اسمه (موت الايدولوجيا) ، ولا (البراغماتية) ..
... لم تستمع لـ (تفاسير) الشيوخ و (الحكماء) ، حول الفرق بين (الجبن والحكمه) ، و (الشجاعة والتهور) .. هذا (المكان) هو (البرزخ) ، الذي تحدث عنه (الاصحاب) ، ومنه ، قالوا ، تبدأ ، خطوات الصعود نحو (الخلود) المطلق ..
.. هناك اللقاء .. العهد .. العهد ..
.. سمعها كثيرا ...
شعر بمرارة تمزق حلقة ، وهو يستعيد الاحداث ، ويؤلف بين عناصر المكان ، في معادلة (ميتا فيزيقية) بائسة .. في الغرف المكيفة ...
كانت الا جفان (تتثاءب) ، على أحاديث الفداء و (التضحية) ...
كأسات الشاهي الساخن ، تذهب وتجئ ..
.. وكتاب (أيام من حياتي) ، ملقى على إحدى الوسائد ..
.. غلافه الذي بلي من تعاقب الأيدي .. لم يبق فيه إلا إسمها ..
.. زينب .. وتنثال مواقف الصمود .. و (الرجولة) ..
وتلتقي النظرات .. تؤكد (العهد) .. على الوفاء ..
بابتسامة لم تكتمل .. وإيماءة خفيفة ...
و ... سيقومون مقامي ..
الاحاديث حميمية .. كل شئ كان دافئا .. المشاعر .. الاحلام ... والوعود .
.. كل (شئ) كان دافئا ..
.. لوحة .. من الحماس .. والأمل ... و (دفء الأيمان) ...
.. كل شئ كان دافئا ..
وحدها فقط .. مكعبات الثلج ، التي تتأرجح في ابريق الماء بكسل .. كانت نشازا ..
للصمت وحشة ، لم يعرف قسوتها من قبل ... .. الآن فهم ، لماذا يقال : "صمت القبور" ، للتعبير عن قسوة الصمت ووحشته . أشياء كثيرة ، يسمع عنها ويرددها ، دون أن يدرك معناها .
- (هل علي أن أجرب كل شئ ، لأفهم معناه ..؟) ، سأل نفسه .
أصابه هذا الخاطر بقشعريرة . تذكرها وتذكرهم .. وهو يغادرهم ، هزيع ليلة من الليالي. .. تبكي ، وهي تمسك بيديه .. يحس لنشيجها الخافت دوي ، يدق أضلاعه بعنف .
- أرجوك لا تبكي .. قال لها .
رأى الخوف يزدحم في عينيها ، رآه يتقلب على صفحة وجهها ، مثل مرجل قد أطفئت النار لتوها ، من تحته :
- سيقومون مقامي ... ستكونون محل الرعاية ..
ستكونون في أعينهم .
قرأ اللهفة في العينين .. قرأ الوجع .. الخوف .. الوحدة .. الوحشة .. الضياع :
- أرجوك لا تبكي ، لقد أكدوا لي ذلك في أكثر من مناسبة .. أنا متأكد .. إنهم (اصحاب مبادئ) .
تشبثت بيديه ... العينان أصبحتا أقل وميضا .. وبقايا الأمل تغور فيهما ، كسماء سوداء تبتلع نجومها . .
دمعتان ساخنتان تطفران .. ضمة إلى الصدر ، وقبلة على الجبين :
- سيقومون مقامي .. سيقومون مقامي .. .. وداعا . الظلام بلا رائحة ، والصمت بلا نفس ... وقع خطوات (السجان) الرتيبة ، تعكس الايقاع البطئ لكل شئ هنا . الظلمة تتسلل من فتحة (الإضاءة) الوحيدة في السقف ... ووقع الخطوات ، يتردد صداها ، مثل قطرات ماء ، تهوي في لجة بئر سحيقة :
تأ .. تأ .. تأ .. تأ ...
آخر حزمة ضوء ، تنسل خارجة ، بوهن .. ولم يبق إلا الظلام ..
.. وصدى الخطوات ما زال يصل مترنحا ، كئيبا :
.. تاء .. تاء .. تاء .. تاء .
لم يعد يرى إلا عينيها ... وطعم الوحشة .. والوحدة .. والخوف ، يحسه في ريقه .. و.. يداها تمسكان به .
- (هل علي أن أجرب كل شئ لأفهم معناه ..؟) ..
داخله هلع ، وهو يقلب هـذا الخاطر . v - لا .. لا ... سيقومون مقامي .. سيكونون في أعينهم .
رن .. رن .. رن .
(ما هذا ..؟ إنه ليس الصدى ، الذي كان يقرع قلبي قبل قليل) ...
رن .. رن .. رن ..
أصغى :
- السلام عليكم .. (فلان) .. كيف حالكم ، والأطفال .. هل تحتاجون شيئا .. سيزورونكم الأهل غدا .. و ...
رن .. رن .. رن :
- السلام عليكم .. (فلان) ..
.. كيف الحال هل تحتاجون شيئا .. سأمر الصباح لآخذ الأطفال إلى المدرسة ..
رن .. رن .. رن :
- السلام عليكم .. (فلان) .. معذرة على الاتصال في هذا الوقت المتأخر، داهمني شعور أن الصغيرة بحاجة إلى المستشفى ...
.. سأحضر حالا ..
رن .. رن .. رن .. رن .
- (مازلت تمسكين بيدي .. من أين جئت .. كيف ...؟ أرجوك كفي عن البكاء) .
رن .. رن .. رن ..
- ألـم أقل لك سيقومون مقامي . كفي عن البكاء .. لا اتحمل كل هذا ..
لم لا تتكلمـين .. لا أطيق هذا الوجع في عينيك ..؟
أطلقي يدى .. دعيني أراك عيانا .. تكلمي ...
- لن ترى منى إلا هاتين العينين .. وليس فيهما إلا الوحدة ، والوحشة ، والخوف ، الذي خلفته ..
لأن كل ما حولي ظلاما .. لن تراني ..
لأنه ما بقى لي بعدك إلا الدمع .. لا أستطيع أن أكف عن البكاء .
لن أطلق يـدك ..
... لم تركتني ..؟
- ألم تقل ستكونون في أعينهم .. ؟
نحن كنا في عـين واحدة .. : عين الوحشة ، التي أترعتنا الخـوف ، والعجز ، وقلة الحيلة .
... لم تركتني أسري في الغسق ... أصحب بناتك إلى المدارس ، ساعية على قدمي، وقلبي يضطرب خوفا عليهن ..؟
... لم تركتني ألهث في الهواجر ... أتبضع اللقيمات لأطفالك ، وأعود متعثرة ، بما أنوء به من حمل ..؟
... لم تركتني أكابد الليالي ، عاجزة كليلة ، أقلب طفلتك التي طرحتها الحمي ..؟
... لم تركتني ، أنا التي استحي أن أحدث والدك ، أقف على الطرقات ، أوقف سيارات الأجرة ، أقضي حاجات أطفالك ، أسفح حيائي ، وتنهشني نظرات الذئاب .. لمن تركتني ..؟
.. أتلقى مواعظ (الأولياء) حول جدلية (الخلوة والمحرم) ..؟
لمن تركتني ..؟
... لم تركتني لضعفي وعجزي ... ؟
... لم تركتني .. لم تركتني ..؟
- أطلقي يدي أرجوك .. كفي عن البكاء .. أريد أ أنراك ..
الظلام يقتلني .. يخنقني .. رن .. رن .. رن .. رن ..
سيقومون مقامي ..
... لم تركتني .. سيقومون مقامي ..؟
رن .. رن .. رن ..
... لم تركتني .. سيقومون ..؟
... لم تركتني .. سيقو ..؟
... لم تركتني .. لم تركت .. ني ..؟
تا .. تا .. تا .. تا .. تا
- يا نايم .. يا نايم .. كم (الرقم) ..؟
- هاه ... رقمي ..
.. و ..
إم رأة .. و ح ي د ه
.. خذ لها الرفاق
.. (أيام من حياتي) .. مازال على الوسادة ..
.. و (زينب) يعصرها الاسى ..
- تمت -
.. آسفه ع التقصــير ..
مشكوره على القصه
مرحبا
لاأستطيع أن أقول سوى أنها أكثر من رائعة
مشكورة
يسلموو على مروركم الرائع
بارك الله فيكم
تحياتي
الأمل البعيد
.. آسفه ع التقصــير ..
للرفع
.. آسفه ع التقصــير ..
يسلمو على النقل
ما ننحرم من جديدش
دمتــ بود
مشكوورة سحرووة ع المرور
ربي لايحرمني من طلتكِ البهية
تحياتي
الأمل البعيد
.. آسفه ع التقصــير ..
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات