بسم الله الرحمن الرحيم
قم جدد الحزن في العشرين من صفر
قم جدد الحزن في العشرين من صفر= ففيه ردت رؤوس الآل للحفر
آل النبي التي حلت دمــــــاؤهم = في دين قوم جميع الكفر منه بري
يا مؤمنون احزنوا فالنار شاعلـة = ترمى على عروة الإيمان بالشرر
ضجوا لسفرتهم وابكـــوا لرجعتهم = لا طبتِ من رجعةٍ كانت ومن سفر
العودة إلى مصارع الأحبة
سار الركب الحسينيّ بعد تلك الوقائع الفجيعة من الشام مُيَمِّماً مدينةَ رسول الله صلّى الله عليه وآله، فلمّا وصل إلى منطقةٍ من العراق قالوا للدليل: مُرَّ بنا على طريق كربلاء.
فمال الركب إلى كربلاء، حيث مصرع الأحبّة ومسكب العبرات، فوجدوا جابرَ بن عبدالله الأنصاري ـ وكان ضريراً ـ قد سبقهم، .. وكان من جابر أن وقف على قبر الإمام الحسين عليه السلام فأجهش بالبكاء وصاح بحزنٍ عميق: يا حسين.. ثلاثاً، ثمّ قال: حبيبٌ لايجيب حبيبَه! وأنّى لك بالجواب وقد شُحطت أوداجك على أثباجك، وفُرِّق بين رأسك وبدنك. فأشهدُ أنك ابن خاتم النبيّين، وابنُ سيّدِ المؤمنين، وابن حليف التقوى، وسليلُ الهدى، وخامسُ أصحاب الكساء، وابنُ سيّد النقباء، وابن فاطمة الزهراء سيّدةِ النساء.. فطِبتَ حيّاً وطبتَ ميّتاً، غيرَ أنّ قلوبَ المؤمنين غيرُ طيّبةٍ بفراقك، ولاشاكّةٍ في الخِيَرةِ لك.. فعليك سلامُ الله ورضوانُه، وأشهد أنّك مضيتَ على ما مضى عليه أخوك يحيى بنُ زكريّا.
ثمّ أجال جابر حول القبور وقال: السّلام عليكم أيّتُها الأرواح الّتي حلّت بفِناء الحسينِ وأناخت برحله.. أشهد أنّكم أقمتُمُ الصلاة، وآتيتُمُ الزكاة، وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر، وجاهدتُم الملحدين، وعبدتُمُ اللهَ حتّى أتاكُم اليقين.
ثمّ قال: والذي بعث محمّداً صلّى الله عليه وآله بالحقّ نبيّاً، لقد شاركناكم فيما دخلتم فيه. فقال له عطيّة العوفيّ (وكان دليله في سفره): كيف.. ولم نهبط وادياً ولم نَعْلُ جبلاً ولم نضرب بسيف، والقومُ قد فُرِّق بين رؤوسهم وأبدانهم وأُوتمت أولادهم وأُرملت الأزواج؟! فقال له جابر: إنّي سمعتُ حبيبي رسول الله صلّى الله عليه وآله يقول: مَن أحبّ قوماً كان معهم، ومَن أحبّ عملَ قومٍ أُشرِك في عملهم. والذي بعث محمّداً بالحقّ نبيّا، إنّ نيّتي ونيّة أصحابي على ما مضي عليه الحسينُ وأصحابُه. (9)
فإذا وصل الركب الحسينيّ في العشرين من صفر إلى كربلاء وجدوا جابرَ الأنصاريّ، قيل: وجماعةً مِن بني هاشم ورجالاً من آل الرسول قد وردوا فيما بعد لزيارة قبر الإمام الحسين عليه السلام، فتلاقَوا بالبكاء، وأقاموا ثلاثة أيّام هناك ينوحون على سيّد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام. (10)
* * *
السُّنّة الحسَنة
تمضي الأيّام، ثمّ الأعوام.. فيُصبح من النواميس المطّردة تخليدُ ذكرى أربعين الإمام الحسين عليه السلام، وإحياء أمره العظيم في هذا اليوم المشهود، حتّى تُصبح هذه الذكرى من شعائر الله تعالى ومن أجزاء التاريخ التي لاتبلى ولاتندرس.
وللأربعين أصول وجذور، بل و"مرار.. فقد ورد عن النبيّ صلّى الله عليه وآله: إنّ الأرض لَتبكي على المؤمن أربعين صباحاً. وجاء عن الإمام الباقر عليه السلام: إنّ السماء بكت على الحسين أربعين صباحاً.. تطلع حمراء، وتغرب حمراء! (11)
كما ورد عن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قولُه: إنّ السماء بكت على الحسين عليه السلام أربعين صباحاً بالدم، وإنّ الأرض بكت عليه أربعين صباحاً بالسواد، وإنّ الشمس بكت عليه أربعين صباحاً بالكسوف والحمرة... وإنّ الملائكة بكت عليه أربعين صباحاً. (12)
ولمّا كانت مزايا الإمام الحسين عليه السلام وفجائعه لاتُحدّ.. لم تتوقّف هذه السُّنّة الشريفة، وهي إحياء مناسبة زيارته من قِبل أسرته. قال الشيخ المجلسيّ: عن المناقب: ذكر الشريف المرتضى في بعض مسائله أنّ رأس الحسين عليه السلام رُدّ إلى بدنه بكربلاء من الشام، وضُمّ إليه. وقال الشيخ الطوسيّ: ومنه «زيارة الأربعين». (13)
ويمضي الموالون لأهل البيت عليهم السلام على تجديد العهد في يوم الأربعين من كلّ سنة، يتذكّرونه ويُذكّرون به، ويتثبّتون على أصله في حديث الإمام الحسن العسكريّ عليه السلام: علامات المؤمن خمس: صلاة الإحدى والخمسين (وهي الفرائض اليوميّة مع النوافل)، وزيارة الأربعين (وهي زيارة الحسين سلام الله عليه في أربعينيّة شهادته، والألف واللام في كلمة الأربعين تُسمّى للعهد، فهي زيارة معهودة مشهورة)، والتختّم باليمين (التزاماً بسُنّة النبيّ وأهل بيته صلوات الله عليهم)، وتعفير الجبين (بالسجود على الأرض؛ خضوعاً لله تعالى وتذلّلاً في محضره القدسيّ)، والجهر بـ «بسمِ اللهِ الرحمنِ الرحيم» (وذلك وجوباً في الصلاة الجهريّة). (14)
فهذه هي علامات المؤمن المسلّم لأوامر الله تعالى، ومنها موالاةُ أوليائه ومودّتُهم وقد قال عزّ مِن قائل: «قُلْ لا أسألُكم عليهِ أجراً إلاّ المودّةَ في القُربى» (15)، والإمام الحسين عليه السلام من أقرب قُربى رسول الله صلّى الله عليه وآله، ومن مصاديق المودّة: إحياءُ الذكرى، والمواساة مع التأسيّ، والتفاعل الروحيّ والقلبيّ بسيرته وماجرى عليه صلوات الله عليه.
وهذا من خصوصيّات المؤمن الموالي والمحبّ المخلص، يكون فيه علامةً تُميّزه عن عامّة الناس، إذْ زيارة الإمام الحسين عليه السلام في يوم أربعينه ممّا يدعو إليها الإيمانُ الخالص والولاء الخالص لأهل البيت عليهم السلام، ويؤكّدها الشوق الحسينيّ، ولايوفَّق إلى ذلك إلاّ خصوص المشايعين له والسائرين على منهاجه وأثره.
[IMG]http://anwar14.***********/alhussain1.gif[/IMG]
المفضلات