شكرآ لك والدي العزيز على التشجيع الدائـــــم
ــــــــــــــــــــــ
يرصد مسعد أثر توسع الأردن في الخمسينيات من القرن العشرين وتقلصه في أواخر الثمانينيات من القرن نفسه, في تشكل الهوية الأردنية داخل كيان مرن احتوى الكثير من المكونات البشرية والديمغرافية المختلفة.
ففي الحالة الأولى وبقرار ضم الضفة الغربية إلى شرق الأردن سنة 1949/1950 تشكلت المملكة الأردنية الهاشمية وأصبح الفلسطينيون الذي هاجروا إليها مواطنين أردنيين ذوي حضور قوي وفعال.
وفي الحالة الثانية ومع قرار فك الارتباط بالضفة الغربية سنة 1988 لف الغموض وضع الفلسطينيين الأردنيين الذين بقوا بطبيعة الحال ومن ناحية قانونية مواطنين أردنيين, لكن طبيعة العلاقة مع الضفة الغربية التي ينتمي إليها غالبية فلسطينيي الأردن أصبحت معقدة. وفي كلا اللحظتين كان هناك انعطاف مهم في النظرة إلى الهوية الأردنية وكينونتها ومن هو الذي تنطبق عليه أو لا تنطبق.
وفي الغالب الأعم كانت سياسة الدولة الأردنية تقوم على أردنة الفلسطينيين أي جعلهم أردنيين, وطبقت إجراءات عديدة من أجل هذه الغاية. لكن الدولة ذاتها كانت تتبنى سياسات مناقضة لذلك خاصة في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي عندما شجعت الانقسام الاجتماعي والسياسي بين المجموعتين الديمغرافيتين خشية أن يؤدي التقارب والتوحد بينهما إلى تشكيل أحلاف على أساس طبقي يكون هدفها قلب نظام الحكم. وقد كانت سياسة الدولة هي تخويف الشرق أردنيين من "البعبع الفلسطيني" والاحتماء بالتالي بالنظام وتزويده بالحماية الشعبية المطلوبة بوصفه الجهة التي تحقق الأمن والحماية للأردنيين.
في حقبة ما بعد حوادث سبتمبر/ أيلول بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني, وتحديداً في نوفمبر/ تشرين الثاني 1970, أسس الملك حسين باستشارة مع رئيس وزرائه المتشدد آنذاك وصفي التل "الاتحاد الوطني" بهدف إعادة تعريف الهوية الوطنية الأردنية. كان الهدف من هذا الاتحاد "أردنة الأردن" وصهر الجميع في بوتقة واحدة وتوفير بيئة لكثير من المثقفين الأردنيين الذين لم تكن لهم خلفيات قبلية أو عائلية قوية. لكن لم يستمر ذلك الاتحاد طويلاً رغم كل الجهد الرسمي لبث الروح فيه, وخاصة أن "مؤسسه الروحي" وصفي التل كان قد اغتيل بعد وقت قصير من تأسيس الاتحاد.
لكن همّ "إعادة تعريف الهوية الأردنية" ظل ملحاً, وقد تجسد هذه المرة في مشروع سياسي أخطر هو "المملكة العربية المتحدة" الذي طرحه الملك حسين سنة 1972 على أمل أن يكون الصيغة السياسية التي تتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية ويندرج تحتها الفلسطينيون على شكل وحدة مع الأردن. لكن المشروع سرعان ما فشل وطواه النسيان أمام المعارضة الشرسة التي لقيها ليس فقط من منظمة التحرير والفلسطينيين, بل ومن العرب أيضاً, إذ قطعت مصر وسوريا علاقاتهما الدبلوماسية مع الأردن لكون المشروع يعني تصفية القضية الفلسطينية. وظل الصراع بين الأردن ومنظمة التحرير قائماً على تمثيل الفلسطينيين إلى أن حسمته القمة العربية في الرباط سنة 1974 التي أعلنت أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
يرصد مسعد آليات تكريس وتعزيز الهوية الأردنية في مجالات عديدة قد تبدو ثانوية.. مثلاً في مجال الزي الوطني حيث تم تبني وتشجيع الكوفية الحمراء التي صار الملك حسين يلبسها في أحايين كثيرة. كما قامت الإذاعة الأردنية بدور كبير في "بدونة الأردنيين" عن طريق استخدام اللهجة البدوية وبث المسلسلات البدوية التي اشتهر الأردن بها. وفي السياق نفسه بدأت كرة القدم تلعب دوراً مهماً في تكريس الاستقطاب الأردني الفلسطيني، فمع بروز "قوى كروية" في مخيمات اللاجئين أهمها فريق مخيم الوحدات, استعر التنافس الكروي بين الفرق التي مثلت الفلسطينيين وتلك التي مثلت الأردنيين مثل فريقي الرمثا والفيصلي.
بالعودة إلى تسلسل تطور العلاقات بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية من ناحية وانعكاسها على تشكل الهوية الأردنية وعلاقتها بالفلسطينيين داخل الأردن, شهدت تلك العلاقات تحسناً مطرداً بعد زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس عام 1977، ثم استمرت في التحسن ووصلت إلى ذروتها بانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان سنة 1984 الذي ألقى فيه الملك حسين خطابا افتتاحيا دافئاً.. أعقب ذلك اتفاق التنسيق الأردني الفلسطيني في فبراير/ شباط 1985.
لكن تحسن العلاقات تباطأ وتم إلغاء اتفاق التنسيق, وكانت الأمور تتجه بسرعة نحو تغير كبير تمثل في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987. ففي شهور الانتفاضة الأولى أكد الملك حسين أكثر من مرة عدم رغبة الأردن في السيطرة على الفلسيرصد مسعد أثر توسع الأردن في الخمسينيات من القرن العشرين وتقلصه في أواخر الثمانينيات من القرن نفسه, في تشكل الهوية الأردنية داخل كيان مرن احتوى الكثير من المكونات البشرية والديمغرافية المختلفة.
ففي الحالة الأولى وبقرار ضم الضفة الغربية إلى شرق الأردن سنة 1949/1950 تشكلت المملكة الأردنية الهاشمية وأصبح الفلسطينيون الذي هاجروا إليها مواطنين أردنيين ذوي حضور قوي وفعال.
وفي الحالة الثانية ومع قرار فك الارتباط بالضفة الغربية سنة 1988 لف الغموض وضع الفلسطينيين الأردنيين الذين بقوا بطبيعة الحال ومن ناحية قانونية مواطنين أردنيين, لكن طبيعة العلاقة مع الضفة الغربية التي ينتمي إليها غالبية فلسطينيي الأردن أصبحت معقدة. وفي كلا اللحظتين كان هناك انعطاف مهم في النظرة إلى الهوية الأردنية وكينونتها ومن هو الذي تنطبق عليه أو لا تنطبق.
وفي الغالب الأعم كانت سياسة الدولة الأردنية تقوم على أردنة الفلسطينيين أي جعلهم أردنيين, وطبقت إجراءات عديدة من أجل هذه الغاية. لكن الدولة ذاتها كانت تتبنى سياسات مناقضة لذلك خاصة في عقدي الستينيات والسبعينيات من القرن الماضي عندما شجعت الانقسام الاجتماعي والسياسي بين المجموعتين الديمغرافيتين خشية أن يؤدي التقارب والتوحد بينهما إلى تشكيل أحلاف على أساس طبقي يكون هدفها قلب نظام الحكم. وقد كانت سياسة الدولة هي تخويف الشرق أردنيين من "البعبع الفلسطيني" والاحتماء بالتالي بالنظام وتزويده بالحماية الشعبية المطلوبة بوصفه الجهة التي تحقق الأمن والحماية للأردنيين.
في حقبة ما بعد حوادث سبتمبر/ أيلول بين المقاومة الفلسطينية والجيش الأردني, وتحديداً في نوفمبر/ تشرين الثاني 1970, أسس الملك حسين باستشارة مع رئيس وزرائه المتشدد آنذاك وصفي التل "الاتحاد الوطني" بهدف إعادة تعريف الهوية الوطنية الأردنية. كان الهدف من هذا الاتحاد "أردنة الأردن" وصهر الجميع في بوتقة واحدة وتوفير بيئة لكثير من المثقفين الأردنيين الذين لم تكن لهم خلفيات قبلية أو عائلية قوية. لكن لم يستمر ذلك الاتحاد طويلاً رغم كل الجهد الرسمي لبث الروح فيه, وخاصة أن "مؤسسه الروحي" وصفي التل كان قد اغتيل بعد وقت قصير من تأسيس الاتحاد.
لكن همّ "إعادة تعريف الهوية الأردنية" ظل ملحاً, وقد تجسد هذه المرة في مشروع سياسي أخطر هو "المملكة العربية المتحدة" الذي طرحه الملك حسين سنة 1972 على أمل أن يكون الصيغة السياسية التي تتجاوز منظمة التحرير الفلسطينية ويندرج تحتها الفلسطينيون على شكل وحدة مع الأردن. لكن المشروع سرعان ما فشل وطواه النسيان أمام المعارضة الشرسة التي لقيها ليس فقط من منظمة التحرير والفلسطينيين, بل ومن العرب أيضاً, إذ قطعت مصر وسوريا علاقاتهما الدبلوماسية مع الأردن لكون المشروع يعني تصفية القضية الفلسطينية. وظل الصراع بين الأردن ومنظمة التحرير قائماً على تمثيل الفلسطينيين إلى أن حسمته القمة العربية في الرباط سنة 1974 التي أعلنت أن منظمة التحرير الفلسطينية هي الممثل الشرعي والوحيد للشعب الفلسطيني.
يرصد مسعد آليات تكريس وتعزيز الهوية الأردنية في مجالات عديدة قد تبدو ثانوية.. مثلاً في مجال الزي الوطني حيث تم تبني وتشجيع الكوفية الحمراء التي صار الملك حسين يلبسها في أحايين كثيرة. كما قامت الإذاعة الأردنية بدور كبير في "بدونة الأردنيين" عن طريق استخدام اللهجة البدوية وبث المسلسلات البدوية التي اشتهر الأردن بها. وفي السياق نفسه بدأت كرة القدم تلعب دوراً مهماً في تكريس الاستقطاب الأردني الفلسطيني، فمع بروز "قوى كروية" في مخيمات اللاجئين أهمها فريق مخيم الوحدات, استعر التنافس الكروي بين الفرق التي مثلت الفلسطينيين وتلك التي مثلت الأردنيين مثل فريقي الرمثا والفيصلي.
بالعودة إلى تسلسل تطور العلاقات بين الأردن ومنظمة التحرير الفلسطينية من ناحية وانعكاسها على تشكل الهوية الأردنية وعلاقتها بالفلسطينيين داخل الأردن, شهدت تلك العلاقات تحسناً مطرداً بعد زيارة الرئيس أنور السادات إلى القدس عام 1977، ثم استمرت في التحسن ووصلت إلى ذروتها بانعقاد المجلس الوطني الفلسطيني في عمان سنة 1984 الذي ألقى فيه الملك حسين خطابا افتتاحيا دافئاً.. أعقب ذلك اتفاق التنسيق الأردني الفلسطيني في فبراير/ شباط 1985.
لكن تحسن العلاقات تباطأ وتم إلغاء اتفاق التنسيق, وكانت الأمور تتجه بسرعة نحو تغير كبير تمثل في اندلاع الانتفاضة الفلسطينية عام 1987. ففي شهور الانتفاضة الأولى أكد الملك حسين أكثر من مرة عدم رغبة الأردن في السيطرة على الفلسطينيين أو ادعاء تمثيلهم, وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثلهم. ثم انتهى به الأمر لإعلان فك الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية في شهر يوليو/ تموز 1988.
طينيين أو ادعاء تمثيلهم, وأن منظمة التحرير الفلسطينية هي ممثلهم. ثم انتهى به الأمر لإعلان فك الروابط القانونية والإدارية مع الضفة الغربية في شهر يوليو/ تموز 1988.
أتمنى الإجابة تكون وافـــــــــية
المفضلات