قصة جزر اولاد صاحب الزمان)
روى الشريف الزاهد ابو عبدالله محمد بن علي بن الحسين بن عبدالرحمن العلوي الحسيني في كتابه باسناده عن الأجل العالم حجة الإسلام سعيد بن احمد بن الرضي عن الشيخ الأجل المقري خطير الدين حمزة بن المسيب بن الحارث وانه حكى في داري بالنظر فيه بمدينة السلام في ثامن عشر شهر شوال سنة اربع واربعين وخمسمائة قال: حدثني شيخي العالم ابو القاسم عثمان بن عبدالباقي بن احمد الدمشقي في سابع عشر جمادي الآخر سنة ثلاث واربعين وخمسمائة قال: حدثني الأجل العالم الحجة كمال الدين احمد بن محمد بن يحيى الأنباري بداره بمدينة السلام ليلة الخميس عاشر شهر رمضان سنة ثلاث واربعين وخمسمائة قال: كنا عند الوزير العزيز عون الدين يحيى بن هبيرة في رمضان بالسنة المقدم ذكرها ونحن على طبقه و عنده جماعة، فلما افطر من كان حاضراً وتقوض اكثر من حضر اردنا الانصراف فأمرنا بالتمسي عنده، وكان في مجلسه في تلك الليلة شخص لا اعرفه ولم اكن رأيته من قبل ورأيت الوزير يكثر اكرامه ويقرب مجلسه ويصغي اليه ويسمع قوله دون الحاضرين، فتجارينا الحديث والمذاكرة حتى امسينا واردنا الانصراف فعرفنا بعض اصحاب الوزير ان الغيث ينزل وانه يمنع من يريد الخروج، فأشار الوزير ان نتمسى عنده فأخذنا نتحادث فأفضى بنا الحديث حتى تحادثنا في الاديان والمذاهب ورجعنا الى دين الإسلام وتفرق المذاهب فيه فقال الوزير: اقل طائفة مذهب الشيعة وما يمكن ان يكون اكثر منهم في خطتنا هذه وهم الأقل من اهلها، واخذ يذم احوالهم و يحمد الله على قلتهم في اقاصي الأرض، فالتفت الشخص الذي كان الوزير مقبلا عليه مصغيا اليه فقال: ادام الله ايامك احدث بما عندي فيما قد تفاوضتم فيه او اعزب عنه، فصمت الوزير ثم قال: قل ما عندك، فقال: خرجت مع والدي سنة اثنتين وعشرين وخمسمائة من مدينتنا وهي المعروفة بالباهية ولها الرستاق الذي تعرفه التجار وعدة ضياعها الف ومأتا ضيعة في كل ضيعة من الخلق ما لا يحصى عددهم الا
الله تعالى وهم قوم من نصارى وجميع الجزائر التي كانت حولهم على مذهبهم ومسير بلادهم عشرون يوماً وكل من في البر وغيرهم نصارى ويتصل بالحبشة والتوبة وكلهم نصارى ويتصل بالبربر وهم على دينهم، فان حد هذا كان يملأ كل من في الارض ولم نصف اليهم الا فرنج والروم، وغير خفي عليكم من بالشام والحجاز والعراق، واتفق انا سرنا في البحر و أوغلتا وتعدينا الجهات التي كنا نصل اليها ورغبنا في المكاسب ولم نزل على ذلك حتى صرنا الى جزائر عظيمة كثيرة الأشجار مليحة الجدران فيها المدن المدورة والرساتيق، فأول مدينة وصلنا اليها وارسى الركب فيها وقد سألنا النو اخذا: اي شيء هذه الجزيرة؟ فقال: والله ان هذه الجزيرة لم اصل اليها ولا اعرفها وانا وانتم فى معرفتها سواء.
فلما ارسينا بها وصعد التجار الى مشرعة تلك المدينة وسألنا ما اسمها فقيل: هي المباركة، فسألنا عن سلطانها وما اسمه فقالوا: اسمه الطاهر، فقلنا: واين سرير مملكته؟ فقالوا: بالزاهرة، فقلنا: واين الزاهرة؟ فقالوا: بينكم و بينها عشر ليال في البحر وخمس وعشرون ليلة فى البر وهم قوم مسلمون، فقلنا: من يقبض زكاة ما في المركب لنشرع فى البيع والا بتاع؟ فقالوا: تحضرون عند نائب السلطان، فقلنا: واين اعوانه؟ فقالوا: لا اعوان له و هو في داره وكل من عليه حق يحضر عنده فيسلم اليه فتعجبنا من ذلك وقلنا: ألا تدلونا عليه، قالوا: بلى، وجاء معنا من ادخلنا داره فرأينا رجلا صالحا عليه عباءة وتحته عباءة وهو مفترشها وبين يديه داواة وهو يكتب منها من كتاب ينظر اليه، فسلمنا عليه فرد علينا السلام وحيانا وقال: من اين اقبلتم؟ فقلنا: من كذا وكذا، فقال: كلكم مسلمون؟ فقلنا: لا بل فينا المسلم واليهودي والنصارى، فقال: يزن اليهودي جزيته والنصراني جزيته ويناظر المسلم عن مذهبه، فوزن والدي عن خمسة نصارى عنه وعني وعن ثلاثة نفر كانوا معنا ثم وزن تسعة نفر كانوا يهوداً وقالوا للمسلمين: هاتوا مذهبكم، فشرعوا معه في مذاهبهم فقال: لستم مسلمين وانما انتم خوارج واموالكم تحل للمسلم المؤمن وليس بمسلم من لا يؤمن بالله ورسوله وبالوصي والأوصياء من ذريته حتى مولانا صاحب الزمان((عليه السلام)) فضاقت بهم الأرض ولم يبق الا اخذ اموالهم، ثم قال لنا: يا اهل الكتاب لا معارضة لكم فيما معكم حيث اخذت الجزية منكم.
فلما عرف أولئك ان اموالهم معرضة للنهب سألوه ان يحملهم الى سلطانه، فأجاب سؤالهم وتلا (ليهلك من هلك عن بينة ويحيى من حي عن بينة) وقلنا للربان: هؤلآء قوم
قد عاشرناهم وصاروا رفقة وما نحب ان نتخلف عنهم اينما يكونون نكون معهم حتى نعلم ما يسفر حالهم عنه، فقال الربان: والله ما اعلم هذا البحر اين المسير فيه فأستاجرنا ربانا ورجالا وقلعنا القطع وسرنا ثلاثة عشر يوماً بلياليها حتى كان قبل طلوع الشمس او الفجر كبر الربان فقال: هذه والله اعلام الزاهرة ومنابرها وجدرانها قد بانت، فسرنا حتى تضاحى النهار فقدمنا الى مدينة لم تر العيون مثلها ولا احسن منها ولا اخف على القلوب ولا ارق من نسيمها ولا اطيب من هواها ولا اعذب من مائها، وهي راكبة البحر على جبل من صخر ابيض كأنه لون الفضة وعليها سور الى ما يلي البر والبحر، والأنهار منحرفة في وسطها يشرب منه اهل الدور والأسواق وتأخذ منها الحمامات و فواضل الأنهار ترمي على البحر، ومدى الأنهار فرسخ ونصف او دونه وفي تحت ذلك الجبل بساتين المدينة واشجارها ومزارعها عند العيون، وثمار تلك الاشجار لا يرى اطيب منها ولا اعذب، ويرعى الذئب والنعجة عيانا، ولو قصد قاصد تخلية دابته في زرع غيره لما رعته ولا قطعت منه قطعة، ولقد شاهدت السباع والهوام رابضة في غيص في جنب تلك المدينة وبنو آدم يمرون عليها فلا تؤذيهم.
فلما قدمنا المدينة وارسى المركب فيها وما صحبنا من الشوالي والذبائح من المباركة بشريعة الزاهرة صعدنا فرأينا مدينة عظيمة كثيرة الخلق وسيعة الربقة فيها الأسواق الكثيرة والمعاش العظيم ويرد اليها الخلق من البر والبحر، واهلها على الحسن قاعدة لم يكن على وجه الأرض من الملل والأديان مثلهم وامانتهم، حتى ان المتعيش بسوق المدينة يرد اليه من يبتاع منه حاجة اما بالوزن او بالذراع فيبيعه عليها ثم يقول: يا هذا زن لنفسك واتزن لنفسك وهذه صورة مبايعتهم لا يسمع منهم لغو المقال ولا النميمة ولا يسب بعضهم بعضاً واذا نادى المؤذن للأذان لا يتخلف منهم متخلف ذكراً كان او انثى الى سعى الا الصلاة حتى اذا قضيت الصلاة للوقت المفروض رجع كل منهم الى بيته حتى يكون وقت صلاة اخرى فيكون الحال كما كانت.
فلما دخلنا المدينة وارسينا بمشرعتها امر بحضورنا عند السلطان فحضرنا داره ودخلنا الى بستان صور في وسطه قبة من فضة، والسلطان في تلك القبة وعنده جماعة، وفي باب القبة ساقية تجري فوافينا القبة وقد اقام المؤذن للصلاة فلم يكن اسرع من ان امتلأ البستان بالناس واقيمت الصلاة وصلى بهم جماعة، فلا والله لم تنظر عيني اخضع لله منه ولا الين جانبا لرعيته فصلى من صلى مأموماً، فلما قضيت الصلاة
التفت وقال: هؤلاء القادمون؟ قلنا: نعم، وكانت تحية الناس له ومخاطبتهم له: يا ابن صاحب الأمر فقال: على خير مقدم، فقال: انتم تجار ام ضيفان؟ فقلنا: تجار، فقال: من فيكم المسلم ومن فيكم اهل الكتاب؟ فعرفناه ذلك، فقال: ان للإسلام فرقا وشعباً فمن أي قبيل انتم وكان معنا شخص يدعى بالمغرى اسمه آدر بهان بن احمد الأهوازي يزعم انه على مذهب الشافعي فقال: انا رجل شافعي. قال: فمن على مذهبك من الجماعة؟ فقال: كلنا الا هذا حسان بن عنب فانه رجل مالكي، فقال: انت تقول بالاجماع؟ قال: نعم، قال: اذاً تعمل بالقياس، ثم قال: بالله يا شافعي تلوت ما انزل يوم المباهلة؟ قال نعم، قال ما هو؟ قال قوله تعالى: (قل تعالوا ندع ابناءنا وابناءكم ونساءنا ونساءكم وانفسنا وانفسكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين) فقال: بالله عليك من ابناء الرسول ومن نساءه ومن نفسه؟ فأمسك آدر بهان، فقال بالله هل بلغك او اتاك ان غير السول والوصي والبتول والسبطين دخل تحت الكساء؟ قال: لا، فقال واللّه لم تنزل هذه الآية الا فيهم ولا خص بها سواهم، ثم قال بالله عليك هل تلوت قوله تعالى: (انما يريد الله ليذهب عنكم الرجس اهل البيت ويطهركم تطهيراً)؟ قال نعم، قال: بالله عليك من عنى بذلك؟ فأمسك، فقال والله ما عني بها الا اهلها ثم بسط لسانه وتحدث بحديث امضى من السهام واقطع من الحسام، فقطع الشافعي ووافقه عند ذلك، فقال: عفواً عفواً يا بن صاحب الأمر انسب لي نسبك، فقال: انا طاهر ابن محمد بن الحسن بن علي بن محمد بن علي بن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن ابي طالب عليهم السلام الذي انزل الله فيه (وكل شيء احصيناه في امام مبين) هو والله الإمام المبين ونحن الذين انزل الله في حقنا (ذرية بعضها من بعض والله سميع عليم) يا شافعي نحن ذرية الرسول نحن اولو الأمر. فخر الشافعي مغشيا عليه لما سمع منه ثم افاق وآمن به فقال: الحمد لله الذي منحني الاسلام والايمان ونقلني من التقليد الى اليقين.
ثم امر لنا باقامة الضيافة فبقينا على ذلك ثمانية ايام ولم يبق في المدينة احد الا جاء الينا وحادثنا، فلما انقضت الأيام الثمانية سأله اهل المدينة ان يقوموا لنا بالضيافة ففتح لهم في ذلك، فكثرت الأطعمة والفواكه وعملت لنا الولائم وبقينا في تلك المدينة سنة كاملة فعلمنا وتحققنا ان ملك المدينة مسيرة شهرين وبعدها مدينة اسمها الرائقة سلطانها القاسم بن صاحب الأمر مسيرة ملكها شهرين وهي على تلك القاعدة ولها دخل عظيم، وبعدها مدينة اسمها الصافية سلطانها ابراهيم بن صاحب
الأمر وبعدها مدينة اخرى اسمها ظلوم سلطانها عبدالرحمن بن صاحب الأمر مسيرة رستاقها وضياعها شهران، وبعدها مدينة اخرى اسمها عناطيس سلطانها هاشم بن صاحب الأمر وهي اعظم دخله ومسير ملكها اربعة اشهر، فيكون مسيرة هذه المدن الخمس والمملكة مقدار سنة لا يوجد في اهل تلك الخطط والضياع غير الموحد القائل بالبراءة والولاية التي يقيم الصلاة ويؤتي الزكوة ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر، سلاطينهم اولاد امامهم يحكمون بالعدل وبه يأمرون، وليس على وجه الأرض مثلهم ولو جمع اهل الدنيا لكانوا اكثر عدداً منهم على اختلاف الأديان والمذاهب، ولقد اقمنا عندهم سنة كاملة نترقب ورود صاحب الأمر اليهم، فانهم زعموا بأنها سنة وروده فلم يوفقنا الله تعالى للنظر اليه.
فاما آدر بهان وحسان فانهما اقاما بالزاهرة يترقبان رؤيته وقد كنا لما استكثرنا هذه المدن واهلها ودخلنا سألنا عنها فقيل: انها عمارة صاحب الأمر واستخراجه فلما سمع عون الدين نهض ودخل حجرة لطيفة وقد تقضى الليل فأمر باحضارنا واحداً بعد واحد وقال: اياكم ما سمعتم وادراءه على الفاظكم وتأكد علينا فخرجنا من عنده ولم يعد احد منا مما سمعه حرفاً واحداً حتى هلك، وكنا اذا حضرنا موضعاً واجتمع احدنا بصاحبه قال: اتذكر شهر رمضان؟ فيقول: ستر الحلال شرط، فهذا ما سمعته ورويته والحمد لله رب العالمين.
(اقول) قد وقع في بعض توقيعاته ((عليه السلام)) السلام الى شيخنا المفيد (قده) اننا باليمن بواد يقال له شمروخ وشمويخ، ولعل هذا هو اسم للمكان الذي يختص به ((عليه السلام))
منقول من كتاب الكشكول للشخ يوسف البحراني قدس الله نفسه الزكية
وردةالبستان
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)
المفضلات