أمراض قاتلة.. عدوى.. وتلوث في "كيس بلاستيك"



يوسف نور ـ الدمام



اكياس البلاستيك خطر على الصحة

أصبح استخدام الأكياس البلاستيكية ظاهرة متجذرة في المجتمع رغم خطورتها على البيئة وعلى الانسان رغم أنها تستخدم لمرة واحدة فقط، ويكون الحصول عليها مجانا مما يشجع اللجوء اليها دون غيرها من البدائل الصديقة للبيئة.. هذه هي المشمعات البلاستيكية التي يتم استخدامها بشكل واسع في تعبئة وتغليف وحفظ المقتنيات والمشتروات أثناء عملية التسوق.. ثم ترمى، وهنا تكون المصيبة والطامة الكبرى، اذ تصبح مخلفات نشاهدها مكدسة في الطرقات وعالقة على الأشجار والاسلاك الكهربائية.. وفي منافذ مياه الأمطار.. مسببة بذلك العديد من المشاكل البيئية والصحية.. إنها الأكياس البلاستيكية التي تستخدم في الأسواق وتتداول في المحلات التجارية.
كان الناس في السابق يتعاملون مع البيئة بطريقة صحيحة، لا تضر بالبيئة المحيطة ولا تؤثر على صحتهم وذلك لاعتمادهم في حياتهم اليومية على استخدام المواد الطبيعية القابلة للتحلل، كالزنابيل أو الأكياس القماشية والورقية وغيرها.. ومع ظهور مادة البلاستيك في الحياة المعاصرة منذ منتصف القرن الماضي، فقد استعمله الناس لحفظ وتغليف المأكولات والمشروبات والملبوسات والمقتنيات المتعددة.. وكان من أخطرها أكياس ومشمعات البلاستيك الخفيفة التي يتم استخدامها وتداولها في الأسواق بشكل كبير.. خصوصا أنه يتم الحصول عليها مجانا ويتم استخدامها لمرة واحدة ثم التخلص منها لتأخذها الرياح هنا وهناك، وتنشرها في كل مكان، مسببة بذلك ضررا كبيرا بالبيئة والصحة العامة.. وتدهور التربة الزراعية.. وتمنع من تغذية المياه الجوفية.. لأنها تظل في التربة فترة طويلة دون أن تتحلل.
وتشير دراسات وأبحاث الى أن هناك اضرارا كبيرة تنتج عن استخدام أكياس البلاستيك التي يتم استخدامها لحفظ وتعبئة الوجبات الغذائية الساخنة، كون المواد المستخدمة ـ حسب الدراسات والأبحاث في صناعة الأكياس البلاستيكية عبارة عن رقائق تلين وتتفاعل بدرجة الحرارة، وينتج عن ذلك التفاعل مواد خطرة.. مشيرة الى أن احراق الأكياس البلاستيكية يؤدي الى تلوث الهواء ويترتب على كل ذلك الكثير من الأمراض في الجهاز التنفسي وأخطرها السرطان.. كما يؤدي عدم تحلل الأكياس البلاستيكية بعد دفنها في الأرض الى تلويث الأرض وافسادها وجعلها غير صالحة للزراعة ويؤدي تعرض البلاستيك لأشعة الشمس الى انتقال المواد السامة التي تدخل في صناعته الى التربة ومنها الى الغذاء على شكل سموم تسبب عدة أمراض فورية ومنها ما يظهر على المدىالبعيد، كما ان انتشار هذه الأكياس في الأراضي الزراعية والمناطق الساحلية يشكل خطرا على الحيوانات والكائنات البحرية وتؤدي الى تلف رؤوس الشعب المرجانية طبقا للدراسات والابحاث التي تؤكد ان المواد البلاستيكية معظمها لا تصدأ ولا تتآكل ولا تتحلل بيولوجيا وتبقى في البيئة لفترات طويلة دون أن تتعرض للتحلل إلا بنسبة بسيطة جدا.. وبالتالي تشكل منظرا بيئيا غير مقبول، وأرضية صالحة للحشرات وتكاثرها وتنقل الأمراض المعدية التي ينتج عنها العديد من الأضرار والمخاطر على صحة الانسان والبيئة بشكل عام.
ومن المؤكد أن بعض المواد البلاستيكية أضحت تشكل احدى المشاكل البيئية الحرجة في الوقت الراهن، وبخاصة تلك الأكياس والمشمعات البلاستيكية والمستخدمة على نطاق واسع في تعبئة وتغليف وحفظ المشتريات والأغراض المختلفة للمواطنين أثناء عملية التسوق، واقتناء الأطعمة الباردة منها والساخنة، وما الى ذلك.
وتتمثل المشكلة في تصاعد ظاهرة انتشار هذه المخلفات في صورة أكياس بلاستيكية بشكل واسع في الشوارع والطرقات و الممرات.. وتعود أسبابها الى غياب الوعي البيئي لدى المستهلكين، وزيادة الافراط في استخدام أكياس البلاستيك وعلى نطاق واسع والتي يتم فيها وضع المشتريات والاغراض المختلفة للمستهلكين من قبل الباعة دون مقابل.. اضافة الى انخفاض سمك الكيس البلاستيكي الذي يستخدم لمرة واحدة من قبل المستهلك ثم القاؤه في الشوارع والطرقات.. ناهيك عن قصور عمليات تجميع القمامة والتخلص منها من قبل البلديات، بالاضافة الى عوامل أخرى مثل الرياح وعبث الحيوانات مما يؤدي الى اتساع دائرة انتشار مخلفات أكياس البلاستيك.. ولهذا نجد أن أكياس البلاستيك متوافرة في المحلات التجارية والمطاعم ولدى الباعة والأسواق التي تستهلك كميات كبيرة.
حرب البلاستيك
وقد أعلن العديد من دول العالم حربها على البلاستيك بعد كشف مضاره ويستخدم المتسوقون على مستوى العالم عشرات المليارات من الأكياس البلاستيكية سنويا، فاستراليا البالغ عدد سكانها 20 مليون نسمة تستهلك وحدها 7 مليارات من الأكياس البلاستيكية سنويا.
ويقول المعنيون بشؤون البيئة: ان الأكياس البلاستيكية العادية قد تحتاج الى ما يصل الى ألف عام لتتحلل، غير أن الجماعات الصناعية تجادل بأن الأكياس لا تشكل إلا نسبة ضئيلة من الفضلات في العالم.
بدائل عملية
غير ان المهتمين بشئون البيئة يقولون: ان المشكلة المتنامية التي يمثلها التلوث جراء الاكياس البلاستيكية لايمكن تجاهلها بعد الان. حتى التلال النائية الواقعة تحت سفح جبال الهيمالايا مليئة بالاف الاكياس المستعملة, وفي جنوب افريقيا اصبحت منظرا معتادا مزعجا للعين, ويطلق عليها اسم زهرات الربيع المزروعة على جانب الطريق, وهو ما ادى الى تنظيم حملة لابادة الزهرة القومية.
لكن الاكياس البلاستيكية التي يجري التخلص منها تفعل ما هو اكثر من مجرد قتل الحيوانات. ففي بنجلاديش ينحى عليها باللائمة في سد المصارف في العاصمة دكا, وهو ما يسهم في حدوث الفيضانات المميتة في البلاد ذات الارض المنخفضة. وحظرت الحكومة منذ ذلك الحين ملايين الاكياس البلاستيكية التي تستخدم يوميا في البلاد في محاولة لتخفيف حدة المشكلة.
وقال تشاندرا بوشان - المدير المساعد بمركز العلوم والبيئة في الهند: التخلص من الاكياس يسبب دمارا في المناطق الحضرية. فمن وجهة النظر البيئية البلاستيك انسب للمنتجات ذات العمر الطويل مثل خطوط الانابيب.
وطالبت الحكومة الاسترالية المتاجر الكبيرة بتخفيض استخدام الاكياس البلاستيكية الى النصف والى جانب بنجلاديش فرضت دول اخرى من بينها ايرلندا وتايوان حظرا او ضرائب على هذه الاكياس.
عشرات الدول الاخرى من الصين التي تكافح كميات هائلة من التلوث الابيض الى فنلندا وفرنسا وبريطانيا تبذل جهودا لخفض عدد الاكياس المستخدمة والعثور على بدائل عملية ورخيصة الثمن.
الحلول الممكنة
وثبت نجاح فرض ضرائب او رسوم على استخدام الاكياس البلاستيكية, حيث تفرض ايرلندا رسما قدره 15 يوروسنت 0.19 سنت امريكي على الكيس الواحد, وهو ما ادى الى انخفاض عدد الاكياس المستخدمة بنسبة 95 بالمائة وجمع ملايين الدولارات للحكومة لتنفقها على مشروعات بيئية.
وفي تايوان حيث يحصل معظم المتاجر على دولار تايواني واحد 34 سنتا مقابل الكيس.. انخفض الاستخدام بنسبة 80 بالمائة بعد ان منعت المتاجر ومطاعم الوجبات السريعة والعاملون في مجال صناعة الاغذية والمشروبات تدريجيا من اعطاء اكياس للمستهلكين مجانا.
وفي بريطانيا حيث يستخدم المستهلكون ما يصل الى 20 مليار كيس سنويا.. تعطي المتاجر للمستهلكين بدائل قابلة للتحلل بيولوجيا, فيما يفكر علماء استراليون في استخدام بلاستيك طبيعي مصنوع من السكروز او الحبوب التي يمكن ان ينتهي بها الامر على اكوام السماد.
كما صنعت مؤسسة بريطانية بديلا للاكياس البلاستيكية العادية, وذلك باضافتها محسنا الى البوليثيلين يستمر بحالة جيدة لفترة طويلة, غير انه يتحول الى ماء وثاني اكسيد الكربون وتراب بعد تحلله. لكن التكاليف العليا تظل مشكلة بالنسبة لكثير من المنتجات القابلة للتحلل, ويقول منتقدون: ان بعض المنتجات البديلة تتحول الى مئات الرقائق التي يمكن ان تضر بالحياة البرية لنعود وندور في حلقة مفرغة. وتستخدم بعض الدول اساليب جديدة, حيث تتطلع مدينة بنجالور في جنوب الهند الى استخدام خليط من البيتومين واللدائن المعاد تدويرها في اقامة الطرق.
غير ان التوعية البسيطة للمستهلكين هي واحدة من بين اكثر الطرق فاعلية, حيث تفيد المتاجر الكبيرة في استراليا بحدوث ارتفاع كبير في مبيعات الحقائب المصنوعة من القماش, اذ بدأت حملة لحث الزبائن على التخلي عن استخدام الاكياس البلاستيكية في تحقيق شعبية كبيرة.
ومن غير المدهش ان يكون رد الفعل الجماعي تجاه الاكياس البلاستيكية خطيرا بالنسبة للمصنعين, اذ يقع كثيرون منهم تحت وطأة ضغوط بسبب الواردات رخيصة الثمن من اسيا, حيث يتحول المستهلكون من الحقائب الرقيقة المصنوعة من البولي ايثيلين ذات الاستخدام الواحد الى البدائل المصنوعة من الورق او البلاستيك المقوى وما الى ذلك.
ترشيد الاستخدام
يتمثل الحل المناسب - وفقا لدراسات وندوات متخصصة عقدت بهذا الشأن - في المبادرة برفض اخذ الاكياس البلاستيكية من البائع عندما تستطيع حمل المشتريات بيدك (المشتريات قليلة) اذا كانت المشتريات اكثر من ان تحمل باليد وكان كيس واحد يكفيها جميعا فلا تأخذ اثنين تقليل عدد مرات التسوق, فكل تسوق يعني اكياسا جديدة. فبدلامن التسوق ثلاث مرات في الاسبوع, تسوق مرة واحدة (في ذلك تقليل لحجم تلوث الهواء الناتج من عوادم السيارات كذلك) ويمكن اخذ البضائع/ السلع الى السيارة باستخدام عربات التسوق ثم تفريغ محتواها في صناديق كرتونية تستطيع الحصول عليها من السوبرماركت, او يمكنك وضعها مباشرة في صندوق السيارة وعندما تضطر لاستعمال الاكياس البلاستيكية, او الاغذية الملفوفة بالنايلون, حاول استخدام/ اختيار الاقل تغليفا.
اعادة الاستعمال
عندما يكون لديك كيس بلاستيكي في يدك, احرص على اعادة استعماله اكبر عدد من المرات بدلا من استخدام كيس جديد تنظيم حملة توعوية للباعة تحت شعار: (لاتظهر كيس البلاستيك حتى يطلب منك, واسأل قبل ان تعطيه للمشتري هل انت بحاجة له؟).
حملات توعوية لطلاب المدارس للتعريف بالمشكلة وافضل الوسائل للتعامل معها. كما يمكن فرض مبلغ بسيط على كل كيس بلاستيكي تقليلا من اللجوء اليه وايجاد البديل الافضل للاكياس البلاستيكية باقل تأثير سيىء على البيئة وباكبر قدر ممكن من التأييد من الجهات الحكومية وغير الحكومية والمؤسسات الخاصة هو الحل الامثل للمشكلة.
بالنسبة لبعض استعمالات البلاستيك التي لايمكن الاستغناء عنها, فان الاكياس البلاستيكية القابلة للتحلل قد تكون حلا يستحق الدراسة