بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل وسلم على محمد وآآآل محمد
والله تعالى يقول : ( يا أيها الذين امنوا اجتنبوا كثيرا من الظن ان بعض الظن أثم ) والمراد به : ظن السوء الذي لم يقم عليه دليل حاسم .
ويقول الرسول ( ص) " اياكم والظن فان الظن أكذب الحديث .. " .
والمفروض في المسلم اذا سمع شرا عن أخيه ان يطرد عن نفسه تصور اي سوء عنه , وأن لا يظن به الا خيرا , كما قال تعالى في سياق حديث الأفك : ( لولا أذ سمعتموه ظن المؤمنون والمؤمنات بأنفسهم خيراً وقالوا هذا أفك مبين ) .صحيح ان سوء الظن من الاشياء التي لا يكاد يسلمن منها أحد , كما روي ذلك في حديث ضعيف , ولكن يقويه ما ثبت في الصحيح , قول النبي (ص) لبعض الصحابة الذين رأوه في الاعتكاف يكلم أمرأة عند المسجد , فأسرعا الخطا فقال : " على رسلكما انها صفية بنت حي ( زوجته) " . فقالا: وهل نظن بك الا خيرا يا رسول الله ؟ قال : ان الشيطان يجري من ابن ادم مجرى الدم , ولني خشيت ان يقذف في قلوبكما شرا " .
ومع هذا ينبغي للمؤمن ان لا يستسلم لوسوسة الشيطان في اساءة الظن بالمسلمين , بل عليه ان يلتمس لهم المعاذير والمخارج فيما يراهم اخطؤوا فيه , بدل ان يتطلب لهم العثرات والعيوب .
فان من أبغض الناس الى رسول الله (ص) وابعدهم عنه مجالس يوم القيامة الباغين للبراء العثرات .
.................................................. ......
فاذا كان العمل الصادر عن المسلم يحتمل وجها يكون فيه خيرا , وعشرين وجها لا يكون فيها الا شرا , فينبغي حمل هذا العمل على وجه الخير الممكن والمحتمل .
واذا لم يجد وجها واحدا للخير يحمله عليه فيجمل به ان يتريث , ولا يستعجل في الاتهام , فقد يبدو له شئ عن قريب , وما أصدق ما قاله الشاعر هنا :
تأن ولا تعجل بلومك صاحبا لعل له عذرا وانت تلوم
ومما يجب التحذير منه : ما يتصل باتهام النيات , والحكم على السرائر ,وانما علمها عند الله , الذي لا تخفى عليه خافية , ولا يغيب عنه سر ولا علانية .
وهذا مطلوب للمسلم أي مسلم , من عامة الناس , فكيف بالمسلم الذي يعمل للاسلام والذي ضم الى الاسلام العام : الدعوة اليه , والغيرة عليه , والدفاع عنه , والتضحية في سبيله ؟
ومن اجل هذا يعجب المرء غاية العجب , ويتألم كل الألم اذا وجد بعض العاملين للاسلام يتهم بعضهم بالعمالة او الخيانة , جريا وراد العلمانيين واعداء الاسلام فيقول احدهم عن الاخر : هذا عميل للغرب او للشرق او للنظام الفلاني , لمجرد انه خالفه في رأي او موقف , او في أتخاذ وسيلة للعمل مخالفة له , ومثل هذا لا يجوز بحال لمن فقه عن الله ورسوله .
ان مجال السياسة الشرعية مجال رحب , وفيه تتفاوت الأنظار , ما بين مضيق وموسع وبخاصة ان تقدير المصالح والمفاسد وراء الشئ الواحد يختلف الناس فيه اختلافا شاسعا .
وينبغي ان نقدم دائما حسن الظن ولا نتبع ظنون السوء فاناه لا تعغني من الحق شيئا . فهذا يرى السكوت على الحاكم في هذه المرحلة أولى , واخر يرى وجوب المواجهة . وهذا يراها مواجهة سياسية , واخر يراها عسكرية .
وهذا يرى الدخول في الانتخابات وغيره ينكر المشاركة فيها .
وهذه كلها مجالات للاجتهاد لا ينبغي ان تمس دين شخص او ايمانه او تقواه بحال من الاحوال .
ويشتد الخطر حينما يجتمع اتباع الظن واتباع الهوى , كالذي ذم الله به المشركين في قوله : ( ان يتبعون الا الظن وما تهوى الأنفس ولقد جاءهم من ربهم الهدى ) .( ومن أضل ممن اتبع هواه بغير هدى من الله ) .
ومن أجل ذلك حذر الرسل - مع مالهم من مقام عنده - من اتباع الاهواء فقال تعالى لداود : ( يا داوود انا جعلناك خليفة في الأرض فاحكم بين الناس بالحق ولا تتبع الهوى فيضلك عن سبيل الله ) .
وقال لخاتم رسله محمد عليه الصلاة والسلام في القرأن المكي : ( ثم جلعناك على شريعة من الأمر فاتبعها ولا تتبع اهواء الذين لا يعلمون ) .وفي القرأن المدني ( وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع اهوائهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله اليك ) .ان الاخلاص لله يجمع ويوحد , اما اتباع الهوى فهو يمزق ويفرق , لآن الحق واحدا , والاهواء بعدد رؤوس الناس .
, نسأل الله السلامة .
المفضلات