وقد أشرنا إلى أنّ البلاد الصناعية أخذت تفكر في تصدير النفايات إلى الدول الفقيرة في مقابل تعويض محدود، فقد كتبت بعض الصحف البيروتية أن إيطاليا تنتج سنوياً (50 مليون) طن مـن النفايات السامة يجري التخلص من (10% ) منها داخل إيطاليا و(20% ) خارجها بطرق قانونية. أما الباقي فيجري التخلص منه بطرق غير قانونية كالطريقـة الـتي اعتمدت في لبنان. وهناك شركات لتحميل بواخر وناقلات وسفن بمـا لديها من نفايات سامة وإرسالها لتصبّ حمولاتها في جنح الظلام فـي قبالـة شواطئ الدول الفقيرة والنامية في بعض الأحيان، وتستغل هذه الشركات الحروب الإقليمية لتنفيذ عملياتها التخريبية كما حدث في لبنان حـين قامت الباخرة (زنّوبيا) بإنزال شحنة تزن (2400) طن من النفايات الصناعية السامة في أماكن متباعدة من شواطئ بيروت وقد حوَّلت الصراعات اللبنانية الداخلية هذه المأساة إلى جزء من حملة اتهامات موجهة إلى عدد من الزعماء المحليّين وقادة القوات المتحاربة متّهمة إياها بالفساد والتواطؤ والتغطية على مستورد النفايات لتسهيل عملية إدخال المواد السامة إلى لبنان مقابل العمولة وبطريقة غير قانونية ودون اعتبار بصحة المواطنين وسلامة البيئة. وقد ذكر بعض المطّلعين إنّ كثيراً من الأسماك تسمّمت ونقلت هذا التسمم إلى الأهالي وحتى إلى النباتات والحيوانات.
وقد قرأت في بعض الكتب المعنية بهذا الشأن إنّ التخلص من النفايات الخطرة بدأ في الدول الصناعية وذلك بتصديرهـا إلـى الدول الفقيرة ومن ثم تحولت حركة النقل العالمي من النفايات السامة الخطـرة إلـى تجارة هامة، واجتذبت هـذه التجارة عدداً كبيـراً من الوسائط والشركات الإجرامية، حال ذلك حال المواد المخدّرة، فهناك مزارعون وهنـاك مصدِّرون وهناك عملاء والكل يعمل على الإضرار بالبشر، سواء الساكنين فـي الغرب أو في الشرق وكذلك تجار الأسلحة المحرّمة تجارة واستعمالاً وما أشبه ذلك، والمهم عند الإنسان الذي لا يؤمن بالله واليوم الآخر أن يجني الأرباح فحسب، فقد تورَّط كثير من الساسة في هذه التجارة غير المشروعة سواء بالمواد المخدّرة أو النفايات أو السلاح أو ما أشبه ذلك. فالدول الصناعيـة التي عجزت عن علاج مشكلة نفاياتهـا السامة أو لم تتحمـل ميزانيّتهـا الضخمة تكاليف التخلص منها تناست تماماً قدرة الدول الفقيرة على احتواء هذه المشكلة حتى في القرن القادم، وقد استطاعت إحدى الشركات الغربية باسم (سي سي كو) أن تحصل على عقد من قبل حكومة فقيرة تقبل بموجبه هذه الدولة (5 ملايين) طن من النفايات سنوياً مقابل دولارين ونصف الدولار فقط للطن الواحد. في حين تدفع الشركات الأوربية الـتي تنتج النفايات السامة ألف دولار لشركة (سي سي كو) لقاء التخلص من الطن الواحد.
وقد ذكرت بعض المجلات(22) إن مؤسسة (لين داكو) فـي ديترويت بالولايات المتحدة الأمريكية طلبت مـن الحكومـة الأمــريكية إذناً بسحب (6 ملايين) طن مـن النفايات الكيماوية إلى غينيا وهي من الدول الفقيرة المتخلفة بمعدل (15 ألف) طن أسبوعياً مقابل (40 دولاراً) للطن الواحد، وقد كشفت (منظّمة السلام الأخضر) المهتمـة بحماية البيئة من التلوث عن دقائق هذه الصفقة، فذكرت أن مدير البيئة فـي وزارة الأبحاث في الكونغو كان قد وافق على رمي مليون طن من الزيت والأحماض والمذيبات العضوية والمخلَّفات التي تحتوي على الزئبق وما أشبه ذلك في وديان (ديوسو) ببلاده، كما وصفت صحيفة (الأمة) كثيراً من الساسة الأفارقة بأنهم مثال للجشع ونعتتهم بأنهم تحولوا إلى حيوانات من أشرس الأنواع لتواطئهم مع الشركات الأوربية في استيراد النفايات السامة بصورة غـير مشروعة للقارة الإفريقية، نظير رشاوى مغرية قدمها عملاء هذه الشركات إليهم.
وكان من المفترض أن تنقل مؤسسة سويسريـة مبلـغ مليون طن من النفايات من ألمانيا الغربية إلى الكونغو، ولكـن الموظفين المتورطين في هذه الصفقة اكتشف أمرهم وتمّ اعتقالهم فـي هـذه الدولة، وأفادت أنباءٌ من سيراليون أنه ألقي القبض على قاضي سيراليـوني ورجل أعمال لبناني بتهمة استيراد ودفن مواد سامة قرب العاصمة فلتاون.
وفي غينيا اعتقل نائب قنصل السفارة الماليزية لتمثيله شركة أنزلت رماداً من محرقة أمريكية في جزيرة كاسا بجوار العاصمة (كوناكرين) ونقلت الأنباء المحلية أنّ الرماد أتلف الأشجار في هذه الجزيرة الخضراء وكثيراً من الحيوانات التي كانت متعلِّقة بتلك الجزيرة.
وقد وصف المدير التنفيذي لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة تصدير النفايات عبر الحدود(23) بأنه عارض جانبي من مخلفـات التصنيع للدول المتقدمة وهو عارض بشع وغير أخلاقي وغير قانوني وغير مرغوب فيه، ولم يذكر السبب في ذلك وانه كيف ينتقل الإنسان من الإنسانية إلى هذه الحالة إلاّ بسبب عدم إيمانه بالله واليوم الآخر، فإنّ الإيمان هو الذي يجعل الإنسان أخلاقياً وقانونياً ومرغوباً فيه وإلاّ فالإنسان حيوان هائـج وشرس فقد قتل هتلر وموسيليني في الحرب العالمية الثانية مع زعماء اشتركوا في المذابح أكثر من (75 مليون) من البشر حسب بعض الإحصاءات.
هذا بالإضافة إلى تخريبهم الديار وإبادتهم الآثار وتسبب بإمراض عدد كبير من البشر(24)، وعلى غرار ذلك ما قتله ستالين، ففي بعض التقريرات أنه قتل (خمسة) ملايين من البـــشر في نظـام المزارع الجماعية، وما قتله ماوتسي تونغ من (39 مليون) من البشر مدة حكمه(25).
فإننا أمام أيّة كارثة حصلت مـن عدم الإيمان بالله واليوم الآخر. ولم يكن ذلك بالنسبة إلى الضحايا فحسب بل بالنسبة إلى المجرمين أيضاً كما قال سبحانه: (إن أحسنتم أحسنتـم لأنفسكم وإن أسأتـم فلها)(26)، وقال سبحانه: (يا أيها الناس إنما بغيكم على أنفسكم)(27)، وقـد قال سبحانه: (كل أمرء بما كسب رهين)(28)، ولم يكن ذلك بالنسبة إلى القبر وإلى الآخرة فقط بل بالنسبة إلى الدنيا أيضاً. وفـي سنة 1419م (1998م) ذكرت مصادر صحفية قبرصية أنّ السلطات هناك أحبطت محاولة لتفريغ (20) طن من النفايات الخطرة في البحر كانت محمولة علـى باخرة (زنّوبيا) لحساب شركة (جي لي) الإيطالية، وأشارت المصادر إلى إنّ ألمانيا الغربية اتفقت مع تركيا على دفن (5 آلاف) طن من المخلّفات الصناعيـة السامة في القسم الشمالي من جزيرة قبرص التي تسيطر عليها القوات التركية.
وقد ذكر جملة من الكتّاب إنّ كثيراً مـن السفـن تحت غطاء عملاء غشاشون استطاعوا أن يفرغوا حمولاتها من النفايات السامـة في عرض البحر مثل سفينة الشحن (بي لي كانو) التي أغرقت (200) طن من الرماد السام قبالة شواطئ هايتي ومثل سفينة عجمان جلوري التي قامت بإلقاء مجموعة من براميل النفايات الخطرة في مياه الخليج قبالة شواطـئ دولـة الإمارات سنة 1409هـ (1989م)، وقد حدث مثل ذلك في نيجريا فدخلت هذه الدولة في نزاع دبلوماسي مع إيطاليا بعـد أن تبين لهـا أن (خمسة) شحنات من النفايات على الأقل أردمتها السفـن الإيطالية في ميناء (كوكو) في جنوب البلاد، وقد اتضح أنّ هذه النفايات تحمل درجة عالية من السم وأن البعض منها يحمل إشعاعاً نوويا. ولا عجب بعد ذلك أن نرى العالم بطوله وعرضه بشماله وجنوبه وشرقه وغربـــه ووسطه ابتلي بأمراض وأخطار غريبة لم يذكر التاريخ مثلها وقد قال الشاعر قديماً:
إذا كان ربّ البيت بـــالدفِّ ناقــــراً فشيمة أهل البيت كلهم الــــرقص
ولا تسألن عمّا أتى بنتائج من السوء مما هو خارج عن الحصر
و بهذا نكون قد انهينا بحث " حيوانات انقرضت بسبب التلوث "
و نتمنى للجميع الأستفادة
المفضلات