حيوانات انقرضت بسبب التلوث
يذكر أن أصنافاً من الثدييات انقرضت من على سطح الكرة الأرضية، فقد انقرض منها (248) نوعاً، وأما من الطيور فقد انقرض منها (287) نوعاً، وأما من البرمائيات فقد انقرض منهـا (36) نوعاً، وانقرض أيضاً (119) نوعاً وتحت النوع من الزواحف.
ولا زالت ظاهرة الانقراض سارية في أكثر من بلدٍ، فالاتحاد السوفياتي ـ السابق ـ وحده يتهدد بانقراض (50) نوعاً مـن الثدييات و(63)نوعاً من الطيور و(121) نوعاً مـن الزواحف والبرمائيات و(418) نوعاً نباتياً راقياً حسب إحصاء الكتاب (الأحمر) لسنة 1394هـ (1974م)(1).
وعندما ينقرض حيـوان أو نبات فأثره يتعدى لغيره، حيث الارتباط الوثيق والموازنة بين أجزاء الكون وجزئياته من غير فرق بين أن يكون الملوث أو المتلف إنساناً أو غير إنسان في البر أو البحر، حيث يؤدي تخريب الغطاء النباتي والصيد غير المنظّم وتلوث الماء والهواء وغيرها إلى نقصان أعداد بعض الحيوانات وزيادة أعداد البعض الآخر.
ويوجد في كل نظام بيئي العديد من الحيوانات ذات التأثير البالغ، والتي تشترك في الحلقات المكونة للتوازن، وقد تكون هذه التأثيرات إيجابية أو سلبية ـ مثلاً ـ للحيوانات دور إيجابـي كبير في الغابة، فهي التي تؤدي إلى خلخلة الطبقة السطحية من التربة وتزيد من قدرتها على امتصاص الماء وتقلل الجريان السطحي. كما وتُغني التربة من المواد العضوية وتساهم في زيادة تحلل البقايا النباتية، بالإضافة إلـى بعثرة ونثر البذور علـى مساحات كبيرة، كما أنها تساعد علـى زيادة انتشار البذور، وذلك عندمـا تطأ أقدامها على البذور تنغرس قليلاً في التربة وتغطي بجزئياتها، وهذا يحمي البذرة من الحرارة المرتفعة أو المنخفضة، وفي إخفائها عن الحشرات وغيرها، وبالتالي تبقى هذه البذور محتفظة بقدرتها على الانتشار أكثر مـن تلك التي تبقى موجودة على سطح التربة. كما أنها تقوم بالقضاء علـى العديد من الحشرات الضارة بالأشجار والنباتات الأخرى والقوارض أثناء عمـل جحورهـا، وتقوم بخلخلة التربة وتساعد في اختراق الجزء العلوي من التربة مع بقاء النباتات الساقطة مما يزيد من نسبة المادة العضوية في التربة ويُحسن من تهويتها، وهذا يساعد وبشكل كبير علـى انتشار البذور وزيادة نمـوٍ البادرات، حيث في الصين ـ مثلاً ـ تشاهد العصافير بكثرة هائلة حتى أنها أخذت تنافس الإنسان في جمع البذور والحبوب، فأمَرَ (ماتسى تونغ) فـي أحد الأعوام بإبادة العصافير، فأبيدت بصورة وحشية وغير رحيمة، وفي العام التالي شاهدوا إصابة البذور بالتسوس، وبعد اكتشاف الأخصائيين لأسباب هذا المرض ظهر لهم أن العصافير كانت تضر بالبذور من جانب لأنها كانت تأخذ غذاءها منها ولكنها في الوقت نفسه كانت تقضي على الحشرات والديدان التي تؤثر علـى هذه البذور، ثم أمر (ماتسى تونغ) بعد ذلك بجمع العصافير من أنحاء العالم وإرسالها إلى المناطق الزراعية ونحوها، فعادت البذور إلى وضعها الصحي من جديد.
وهناك مثال آخر مـن الاتحاد السوفيـاتي ـ السابق ـ، فالمعروف عن الذئب أنه يفترس الأغنـام والأرانب والحيوانـات الأليفـة الأخرى المفيدة للإنسان، خاصة في غابات المناطق المعتدلة الباردة، ولذا قامت السلطات في موسكو وفي بولونيا بمحاولة القضاء على الذئاب، وظهر بعد أن قلَّت أعداد الذئاب بشكل كبير أن الأمـراض السارية بدأت تنتشر وبشكل سريع بين الحيوانات ذات الفراء، والتي كانت تتغذّى على لحومها الذئاب.
وأدت هذه الأمراض من جانبها إلى خسائر كبيرة، ونتيجة للدراسات تبيّن أن قلّة أعداد الذئاب بشكل كبير هو المسؤول عن انتشار الأمراض بين هذه الحيوانات، ذلك لأن الذئب يمسك بالطريدة بعد أن يطاردها ركضاً، فالحيوانات الضعيفة تسقط ضحيـة تحت أنيـاب الذئاب، أما القوية منها والسليمة فإنها تتخلص من أنياب الذئاب.
ولذا قرر الخبراء في موسكو وبولونيا الحفاظ علـى الذئاب التي تقوم بالقضاء على الحيوانات المريضة، التي تسبب نشر الوباء بين الحيوانات، وقد جلبوا أعداء الكبيرة من الذئاب إلى هاتين المدينتين.
والشيء نفسه بالنسبة إلى ثدييات وآكلات الحشرات والطيور الجارحة، فمثلاً يقضي الغرير على أكثر من (500) من الحشرات يومياً، وهناك طير آخر يقضي كل يوم على (10 آلاف ) من الديدان الصغيرة، وهناك أمثلة أخرى يجدها الإنسان في كتب البيئة والحيوان.
أمـا بعض التأثـيرات السلبية للثدييـات، والـتي لا يمكن مقارنتها بالإيجابيات، فتظهر بشكل خاص عندمـا تزداد أعدادها بشكل كبير بحيث تقوم بالتهام كافة البذور لدرجة أنهـا تمنع تجدد الأشجار والنباتات الأخرى، كما أنهـا تأكل الأجزاء الفتية مـن الأشجار والشجيرات وكذلك البادرات الفتيّة. كذلك يمكن أن تُسبب الطيـور أضراراً للغابات حيث تأكل البذور وبالتالي تقلل من تجدد الأشجار، وبعض الطيور تعيش في الشتاء على حساب براعم الأشجار وهـذا يلحق ضرراً بها، ولكن مـن ناحية أخرى فللطيور تأثيرات إيجابية بالغة، فهي التي تخلص الغابات من أعداد هائلة من الحشرات حيث تشكل الحشرات القسم الأساسي مـن غذائهـا، وخاصة الحشرات الضارة، ـ فمثلاً ـ أحد الطيور والذي يسمى ب(سنِّ المنجل) يخلِّص الغابة من ثلاثة أرباع يرقات نوع من الحشرات الضارة وليس الأشجار فقط بل أوراق الأشجار أيضاً، وقد وُجد في بطن (15) طيراً منها (548) يرقة من هذه الحشرات، وهكذا ـ مثـلاً ـ الرُخ وأبو لحية وغيرهما كثير مـن الطيور التي تفترس جثث الحيوانات الميتة، وبذا تمنع انتشار الأمراض، كما إن (التلوث البيئـي) هواءً كان أو ماءً تسبب تلوثاً كبيراً بالنسبة إلـى الثروة السمكيّة، ونتيجة للتلوث فإنّ أعدادها قلّت وبشكل كبير في الأنهار والبحيرات وأطراف البحار الكبيرة. وحتى أن الأفاعـي التي تسبب الخـوف والهلـع والرعب والتسميـم أحياناً للإنسان أو الحيوان تعتبر مفيدة مـن وجهة نظر أخرى، فالسم مـن الأدوية ذات الفوائد الكبيرة، والذي يُستعمـل حالياً في علاج العديد من الأمراض، كما وإن جلود الحيّات مـن أفضل أنواع الجلود ولها متانة وقدرة على البقاء وتضاهي الجلود الأخرى.
ولا شك إن للأفاعي فوائد فـي خلق حالة التوازن في الطبيعة، فهي تتغذى علـى الحشرات والأحياء التي لـو بقيت وتكاثرت لأثّرت على حياة الإنسان، ومن بين الحيوانات الضارة التي تقضي عليها الأفاعي هي الفئران.
والدراسات دلّت علـى إن 99% مـن الحشرات مفيدة للإنسان إمّا مباشرة كالنحل ودودة القزّ، أو غير مباشرة كالحشرات التي تلتهم الحشرات الضارة. ومن الواضح أن كل ما خلقه الله تعالى فهو لحكمة وبميزان دقيق وإن لم نكتشف أبعاد ذلك.
ولا ريب إن الحيوانات السامة من أفاعي أو حشرات لها فائدة أخرى من تطهير الأجواء مـن التلوث، فهي تأخذ السموم من الهواء، حالها حال الأشجار التي تأخذ ثاني أكسيد الكربون من الجو وتحوله إلى أوكسجين.
لذا كان من اللازم الحفاظ على مختلف الحيوانات سواء التي يُستفاد منها من لحمها أو جلدها أو فرائها، ويستفاد من أجزاء منها كدواء مفيد لمعالجة بعض الأمراض.
من هنا سعت بعض الدول إلى تربية هذه الحيوانات لإغراض اقتصادية بحتة، ومـن هنا يتضح أن لبعض الحيوانات الضارة مـن أفاعي وحشرات وغيرها، تأثير كبير في التوازن الحيواني وفي توفير النظام البيئي، حيث تساهم في وقف زيادة عدد الحشرات الضارة بالتهامها أو قتلها أو ما شابه ذلك.
وهكـذا يلـزم الحفاظ علـى الحيوانات والنباتات التي هي في طريق الانقراض، ومـع انقراضها تخسر البشرية حلقات هامة من حلقات التوازن الطبيعي في الكائنات الحية.
وقـد أشار أحـد الباحثين الغربيين علـى أنه لو لم يُقض على البقرة البحرية، وهـي بقرة كانت تعيش فـي الشواطئ غير العميقة لمنطقة الشرق الأقصى وكانت تتغذى على الأُشنيّات وعلى النباتات المائية، فربما أخذ حل مشكلة البروتينات الحيوانية مجرى آخر يختلف عمّا هو عليه الآن، ولأُنشأت مزارع بحرية لهذه الأبقار في كل أجزاء العالم.
المفضلات