ثـم إنه تتركز المقاومة البيولوجية فـي الغالـب على استعمال الحشرات الملتبسة أو الطفيلية للحدّ من انتشار الأنواع الضارة مثـل استعمال حشرة الدعسوقة وكبح انتشار حشـرة المنّ والاستعمال للأحياء الدقيقة في مكافحة الآفات الزراعيـة بمبدأ المكافحـة البيولوجية كان مصدراً جديداً في مكافحة الآفات، وقـد جاء كردّ فعل للعواقب السيئة التي برزت من جرّاء استعمال المبيدات الكيماوية، وقد حققت المكافحة البيولوجية أكثر من حالة نجاح كــــامل في مختلف أرجاء العالـم، وفي أمريكا الشمالية عمدت مراكز الأبحاث الزراعية إلى استيراد طفيليات تتغذى على الحشرات الضارة وتبيدها، وبذلك أمكن توفير عشرات الملايين من الأموال التي تنفق على رش المبيدات الكيماوية، فخنافـس أوراق نباتات الحروق وسوس أوراق البرسين أمكن التحكّم فيها والحدّ من أضرارها عن طريق استيراد حشرة طفيلية من إيطاليا وفرنسا وبعض البلدان الأوربية الأخرى تلتهم تلك الحشرات الضارة وتفنيها، وهذه الطفيليات تبيد بيض الحشرات الضارة وتأكل يرقاتها.
وقد اثبت استخدام هـذه الطفيليات نجاحـاً ملموساً في قتل كل من خنفسة البطاطس وخنفسة الفاصوليا الـتي تسبب خسارة تقارب ما يعادل (100 مليون دولار) سنويـاً، وكذلك أمكـن إبادة نحو (50% ) من حشرات العثّ الموجودة فـي أمريكـا باستخدام طفيليات أمكن استيرادها وتنميتها خلال بضع سنوات واستخدام نـوع مـن النحل لمكافحة خنافس البطاطس أيضاً، وعلى الرغم من صغر حجم هذا النحل إلاّ أنه تمكن أن يبيد نحو (80% ) من مجموع خنافس البطاطس فـي المناطق التي جرى اختباره عليها في بعض الولايات الأمريكية.
وقد لاحظ أحد علماء الغـرب إن إناث حشرات السوس الطاووســـي تطلق نوعاً من الشحنات الكهربائية أو الموجات الكهربائية كالمغناطيسيــة التي تجذب الذكور إليها، وبعد أعوام مـن هـذا الحادث تمكن علماء الألمان أن يعزلــوا المادة المثيرة للجنس فـي دودة القز وأطلق علـى هـذه المادة اسم الفيرومون، وقد طوّر العلماء عدة وسائل لصنع الفيرومونات الـتي تجتذب الحشرات الضارة حيث يجري صيدها بعد ذلك وإبادتها.
كما وإنهم تمكنوا من إبطال تخصيب البيض، ومما يتسبب في انقراض تلك السلالات من الحشرات التي عُقم بيضها، وقد استخدمت هذه الطريقة بإحداث العُقم في ذكور حشرات ذبابة الفاكهة والذبابة الحلزونية،(سبحان الذي خلـق الأزواج كلهـا ممـا تنبـت الأرض ومـن أنفسهم ومما لا يعلمون)(15) وسبحان من جعل لكل شيء موافقاً ومخالفاً، وسبحان الذي يعلّم هذه الأمور حيث أنـه ورد عـن الإمام الصادق (عليه السلام): (العلم سبعة وعشرون جزء، فجميع ما جاءت به الرسل جزءان، لم يعرف الناس حتّى اليوم غير الحرفين، فإذا قام القائم، أخرج الخمس والعشرين حرفاً، فبثها في الناس، وضمّ إليها الحرفين، حتّى يبثها سبعة وعشرين حرفاً)(16)، ولعلّ المراد بخمسة وعشرين ليس العدد وإنّما الصيغة المبالغية مثل (سبعين) كما في الآية: (إن تستَغفِر لهم سبعينَ مرَّة)(17) الواردة في القرآن الكريم وما أشبه ذلك. فما توصلت إليه البشرية مـن علوم هـي لا شيء بالنسبة إلى العلوم الواقعية في الكون. ولذا نشاهد أن الله سبحانه وتعالى يصـف الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) بالخُلُق العظيـم فـي مجـال الأخلاق (إنّك لعلى خُلقٍ عظيم)(18)، أما حينما يأتـي دور العلـم، يقول سبحانه: (وقل ربِّ زدني علماً)(19) على الرغم من أنه اعلم المخلوقات على الإطلاق. وقال سبحانه بالنسبة للإنسان بشكل عام: (وما أوتيتم من العلم إلاّ قليلاً)(20).
نفايات المصانع
مسألة: النفايات الخطرة التي تخلِّفها الصناعات الكيمـاوية كثيرة في البلاد الصناعية، وهي نفايات لا يمكن الاحتفاظ بهـا، ولـذا أخذ الغرب وبعض البلاد الصناعية الأخرى الشرقية كاليابان بتصديـر هذه النفايات إلى البلاد الفقيرة في قِبال عمولات معينة. مسببين أضراراً كثـيرة على الإنسان والحيوان والنبات. وهي إما أن تكون سامـة بحيـث تتسبب القضاء على الإنسان وسائر الأحياء عاجلاً أو تكون ذات مخاطر صحية بحيث لا تؤدي إلى هلاك من يتعرض لها مباشرة، وإنمـا تسبب الضعف والمرض المفضيين إلى التسمم والعجز والإعاقة وبالنتيجة تؤدي إلـى الموت. وتقدر النفايات الكيماوية الخطيرة التي ينتجها العالم سنوياً علـى أقل تقدير بما يتراوح بين (300 ـ 400 مليون) طن، وهـذا شيء كبـير جداً بالنسبة إلـى النتائج الخطيرة المترتبة عليها، ومن الواضح إن الدول الصناعيـة الكبرى هي طليعـــة الدول المنتجة لهـــذه النفايات حيث يصل إسهامها نحو (90% )، والولايات المتحدة الأمريكية تقع في المرتبة الأولى في هذه القائمة.
ويبلغ عدد المواد الكيماوية المستخدمة بصفة اعتيادية حالياً حوالي (75 ألف) مادة، وهي في تزايد مستمر، حيث يضاف إليها كل سنة ما يقارب ألف مادة جديدة.
وتصنِّف وكالات الحماية البيئيـة (35 ألف) مـادة على أنها ضارة بصحة الإنسان والحيوان والنبات، وذلك إما بصفة قطعية وأما على وجه الاحتمال. ومن الواضح إن الضرر المحتمل أيضاً في هكذا موارد لا يجوز تحمّله ولا تحميله للآخرين، خصوصاً إذا كان الضرر كبيراً كأضرار هذه المواد. وهي غالباً تكون من نفايات النحاس والرصاص والزئبق والزرنيخ وما أشبه ذلك، فإنها تورث السرطان الجلـدي والأورام الخبيثـة الداخلية والأضرار بالجهاز العصبي أو بالكلية وتورث العديـد مـن الأمراض الموهنة والمشوّهة والأضرار العقلية.
وهناك نفايات سامة تؤدي إلى الموت مباشرة إثر التعرض لها، وبعض منها يحدث مشكلات صحية أخرى كالحروق والطفح الجلدي والإصابة بالعنه والعقم وسقوط الأجنَّة والولادات الميّتة والعيوب الخلقية والولادات المشوّهة وما أشبه ذلك.
بينما الكثير منها تسلب من الرجال القدرة الجنسية. كما إن كثيراً منها تسبّب عدم اتزان الأعصاب، ولهذا نشاهد فـي عالمنـا اليوم أمراضاً عصبية منتشرة بكثرة، وحيث عرف الغرب الصناعي أضرار هـذه المواد فقد طوَّر أساليب وتقنيات التخلص من هذه النفايات بما في ذلك الحـرق وتحويلها إلى رماد، لكن ذلك لا ينفع إذ رمادها أيضاً يسبب أضراراً وغازاتها أيضاً ضارة وحتى دفنها في مواقع خاصة من البحـر أو الأرض أو إعادة استعمال بعضها من جديد في الصناعات الكيماوية، وحيث أن معظم هذه الأساليب مكلفة للغاية وينتج عنها مشكلات بيئية غير محمودة في بلادهم فالحرق يتسبب في انطلاق كميات كبيرة من الغازات الملوّثة إلـى الهواء الجوي والتي تسبّب الانتشار حتى في البلاد المجاورة. كما إن دفنها في مواقع خاصة تصبح مصدراً لتلويث المياه الجوفية بالمواد الكيماوية السامة وبالتالـي تسبّب ضرراً للإنسان بصورة مباشرة أو نتيجة امتصاص الحيوانات والنباتات لها إذا تسرّب إلى البحر أو المزارع.
ويصدّر الغرب هذه النفايات إلى الدول الفقيرة مقابل تعويضات لا قيمة لها. هذا بالإضافة إلى أنه لا يزيد نصيب حرق النفايـات الخطرة على اثنين بالمائة من حجم التخلص من النفايات في بعض البلاد الغربيـة، وذلك نظراً لارتفاع التكلفة إذا ما قورنت بتكلفة اللجوء إلى أساليـب التطهير وكذلك بسبب الحرص على سلامة المناطق المجاورة لمنشآت حـرق النفايات من آثار الحرق. والعلاج الواقعي يتحقّق عبر:
1 ـ تقليل الإنتاج المسبّب لهذه النفايات إلى أقل قـدر ممكن، وذلك بإخراج قيمة التجمّل وما تقتضيه السياسة وما تقتضيه التجارة وإرادة استعمار الشعوب عن قيمة الإنتاج. إذ الإنتاج دخله الرغبة في التجمل إلى حد الإفراط وبكثرة الاستعمال مما يعد من مصاديق الإسراف واستهداف المقاصد السياسية واستهداف الاقتصاد والتجارة حتى إذا كان على حساب الإنسان وحياته كما دخلت كل ذلك في مختلف أبعاد الحياة.
2 ـ تحويل الإنتاج إلى المواد الصالحة ولو كلّف كثيراً.
3 ـ محاولة تحصيل الطرق الصالحة لإبادة هذه النفايـات. وقد اقترح البعض رميها في أعالي الفضاء بواسطة الصواريخ وما أشبه ذلك، لكن أجاب الاقتصاديون عن ذلك بأنها بالإضافة إلى كونها مكلفة لا يؤمن مـن رجوع أضرارها إلى الأرض أيضاً.
ولا يخفى إنّ الأضرار ليست خاصة بالبلاد الفقيرة المنقـول إليها تلك النفايات، بل قد أدت آبار المياه في مدينة تون بولاية تينسي الأمريكية بواسطة مركبّات بعض هذه النفايات إلى إصابة سكان المدينة بأمراض في الكبد وجهاز الدوران وإلى الشعور بالدوران والإغماء وحالة الكسل والترهّـل. كما أدى التلوث الكيماوي الناتج عن رشّ بعض المواد السامـة كالبنـزين وما أشبه ذلك وترسبّه إلى المياه الجوفية التي تستخدم فـي الشرب إلى حدوث حالات إجهاض كثيرة وتشوّه الأجنَّة، والسرطان، وبثـور جلدية بين سكان قرية (لجلر) إحدى قرى ولاية (نيوجرسي) الأمريكية، وهكذا أدت بعض هذه النفايات في بريطانيا وفرنسا وألمانيا إلى آثار مشابهة أو مختلفة عن الآثار التي ظهرت في الولايات المتحدة الأمريكية.
وقد أظهرت دراسة أوعزتها الوكالة الأمريكية لحماية البيئة أن ما يزيد على (70% ) من العدد المقدَّر للبرك السطحية التي تلقى بنفاياتها الخطرة في الولايات المتحدة الأمريكية بثمانين ألف بركـة ليست مجهزّة ببطانة معيّنة تكسو جدرانها وقاعاتها من التسرّب، كمـا أظهـرت الدراسة نفسها أن (90% ) من هذه البرك قد يشكّل مصدراً لتلويث الميـاه الجوفية التي تنتهي أيضاً إلى الإنسان والحيوان والنبات(21).
ويتفق معظم أهل الخبرة على أنّ الحواجز الصلصالية التي تقام لاحتواء النفايات الخطرة كثيراً ما تعجز عن منع تسرّب المـواد الكيماوية من مواقع دفنها إلى داخل الأرض وهو ما يؤدي إلى وصول هذه المواد إلى أحواض المياه الجوفية، فإنّ المياه الجوفية وإن كانت راكدة في أغلب الحالات لكنها تتموّج أيضاً بسبب الزلازل فتصل إلى البحار والأنهار وغير ذلك. بالإضافة إلى إنّ المياه الجوفية قد تستعمل في الجفاف بسبب الآثار الارتوازية.
وتقدر الوكالة الأمريكية لحماية البيئة تكاليف القيـام بأعمال التنظيف الضرورية لبرك النفايات الخطرة في الولايات المتحدة الأمريكية بما يتراوح بين (20 ـ 100) مليار من الدولارات. وتتجاوز تقديـرات التكاليف اللازمة لعلاج مشكلات جمع النفايات في الدانمارك المليار دولار، وفي ألمانيا الاتحادية تتعدى هذه التقديرات عشرة مليارات دولارات وهكـذا بالنسبة إلى مختلف البلاد الغربية مضافاً إلى اليابان وبعض البلاد الصناعية الأخرى كالهند.
المفضلات