أقسام المبيدات
ثمّ إن المبيدات على أقسام:
المبيدات العشبية والمبيدات الحشرية والمبيدات الكيماويـة، فالمبيدات العشبية أوّل ما استعملت كانت لإزالة الأعشاب الضارة من جوانب الخطوط الحديدية والخطوط العامة وأطراف الفنادق المبينة في الساحات والقضاء على الأعشاب الضارة التي تنمو في المزروعات المختلفة، كما وقد استعملت لإبادة المزروعات ولإسقاط أوراق الأشجار أثنـاء الحرب الفيتنامية، فإن للمبيدات العشبية تأثيرات كبيرة وخاصة فـي حال استعمالهـا لمقاومة نوع معين من الأعشاب الضارة، أما في حال استعمالها مـن الطائرات فإن تأثيرها يكون سلبيّاً إلى حد ما.
كما وإن هناك مبيدات تؤدي إلـى سوء نمو الثمار والمحاصيل، كما وتسبب أضراراً كبيرة على بشرة العمال الذيـن يصنعون بعض المواد أو يوزعونها، ولهذا فهي مـن المواد الخطرة. وقـد ازدادت المبيدات الحشرية بشكل كبير بعد الحرب العالمية الثانية.
وتعتبر المبيدات الحشرية المنقذ الفعّال من الآفات الحشرية، ولكن كثيراً ما كانت لها نتائج خطيرة خاصة وإنّ تحلّلها يتم بشكل بطيء، وبالتالي يزداد تركيزها من عام لآخر سواء في التربة أو في الماء أو في أجسام الكائنات الحية لدرجة أن الباحثـين يعتقدون أن الوسط أصبح ملوثاً بهذه المواد الكيماوية، ولكن جملة من المواد تؤثر على صحة الإنسان والحيوان، فقد تجمعت حالياً الكثير من الحقائق عن تأثير المبيدات وخاصة الـ(دي دي تي) وغيرها على الجملة العصبيـة، وعلـى استقلاب الهرمونات الجنسية للثدييات والتي من ضمنها الإنسان نفسه.
ولذا ذكر جملة من الأطباء أن هذه المواد يجب أنّ لا تستعمل أكثر من مرتين، كما لابدّ من استبدالها بطرق أخرى غير ملوثة للوسط.
وتؤدي هذه المواد إلى تطور غير طبيعي لكثير من الكائنات الحية ذات الأهمية الاقتصادية، والـتي تعيش فـي الماء، كمـا وتؤدي إلى تقليل شدة التركيب الضوئي بشكل كبير وإلى نقص كمية الأوكسجين في الماء .
وقد استعمل الـ(دي دي تي) في الولايات المتحدة الأمريكية للقضاء على البعوض فـي مستنقعات خاصة، حيث رشّت هـذه المستنقعات عدّة سنوات و… وكان تركيز هـذه المادة قليـلاً بحيث لا يؤثر على الكائنات المائية، ولكن عند استعمال هذه المواد غاب عـن أذهان الباحثين أنها صعبة التفكّك، وأنها تبقى فترة زمنيـة طويلة محتفظة بسميّتها، وقد امتصت هذه المواد من قبل النباتات المائية الموجودة فـي هـذه المستنقعات ثم انـــتقلت إلى الأسماك التي تعيش على حساب النباتات وبعدها انتقلت إلى نسج الحيوانات المفترسة التي تأتي في قمة السلسلة الغذائية كالطيـور آكلة الأسماك، وكان تركيز هذه المواد يزداد في أجسام الحيوانات المفترسة. ونجم عن زيادة التركيز لـ(دي دي تي) في أجسام الحيوانات المفترسة إلى موت جماعات منها، كما وتبين أن للطيور حساسية كبيرة لهذه المواد لأنها تعيق تَشَكُّل قشرة البيضة كما وتؤثر بشكل كبير على الغُدد الصمّاء.
أما تأثير المبيدات الكيماوية، فقد ظهرت سنة 1380هـ (1961م) حالات تسمّم بين الثيران في مزرعة البحوث في مصر بعد تغذيها على الحصة التي سبق رشّها منـذ ثلاثة أسابيع بمزيج مـن الـ(دي دي تي). وتضمنت الأعراض حركات عصبيـة وتقلصات عضليـة بالرأس امتدت إلى عضلات الكتفين وزيادة حساسية الحيوانات وكثرة اللّعاب، وأصيبت الماشية في سنة 1388هـ ( 1968م) نتيجة رشّ حقول القطن بواسطة الطائرات.
وقد قام جماعة من العلماء في شمال (سانفرانسيسكو) بمشاهدة أعشاش الطيور في وقت من السنة الذي تكون فيهـا هذه الطيور قد اكتست بالرشّ وأخذت تستعد للطيران من أعشاشها.
وقد أثرت هذه المادة على بيوض الطيور حيث جعلتها رقيقة قابلة للكسر بسرعة، منها طيور البجع الذي يسبب فقس البيض بمجرد الرقود عليه.
كما ودلت البحوث على أن تركيزاً محدوداً من مادة (دي دي تي) يؤدي حتماً إلى موت 90% من يرقات وبيض المحّار. وقد حدّدت وزارة الصحة في أمريكا مبيداً كلوريّاً كمسبب لقتل (10 ملايين) سمكة في حوض نهر (المسيسيبي) و(خليج المكسيك).
كما وقد توصّل بعض الباحثين إلى أن الزراعة المميتة من الـ(دي دي تي)، التي لا تؤدي إلـى الموت تسبب خفـض نسبة التناسل لمختلف أنواع الحيوانات. وقد اكتشف جماعة مـن العلماء أن الفئران التي تغذّت بأغذية ملوثة ببعض المبيدات أصيبت بالسرطـان، ولذلك فقد حرّمت السلطات استخدامه كليّاً.
وعلى أي حال: فبعض المبيدات يجب منع استعمالها لضررها الفادح، والبعض الآخر يجب التقليل منها إلى أقصى حدّ في إطار باب التزاحم والأهم والمهم، فإن الإكثار من استخدامها يؤدي إلى تلوث التربة الزراعية، فغالباً ما يتبقى جزء كبير من هذه المبيدات في الأرض الزراعية، وقد تصل نسبته إلى نحو 15% من كمية المبيد المستعمل. ولا يزول أثر مثل هذه المبيدات المتبقية في التربة إلاّ بعد انقضاء مدة طويلة قـد تصل إلى أكثر من (10) سنوات. وقد تحمل مياه الأمطار بعض هذه المبيدات مـن التربة إلى المجاري المائية، وتسبب كثيراً من الأضرار لما بها من كائنات حية ثم تصل هذه المبيدات من الأحياء الموجودة في الماء إلى الطيور ومن الطيور إلى الإنسان.
وإذا كانت مبيـدات الآفـات تؤدي دوراً هاماً فـي حياة النباتات والأشجار، حين تؤدي إلى تقليل مخاطر الآفات الضارة مثل ذباب الفاكهة ودودة القطن، فإن الإفراط في استخدام هذه المبيدات من جانب وعدم ترشيد استعمالها وعدم التوعية بأضرارها من جانب آخر يؤدي حتماً إلى ظهور نتائج وخيمة بالغة الخطورة على صحة الإنسان والحيوان وعلى التربة الزراعية نفسها بالإضافة إلى تأثيرها بالنباتات. فالنباتات الـتي تزرع في التربة الملوثة بمبيدات الآفات تمتص جزءاً من هذه المبيدات وتختزنها في سوقها وأوراقها وثمارها، ثم تنتقل هذه المبيدات بعد ذلك إلى الحيوانات الـتي تتغذى بهذه النباتات وتظهر في ألبانها ولحومها وتسبب كثيراً من الأضرار لمـن يتناول لحوم هذه الحيوانات وألبانها، حتى إن هذه المبيدات تنتقل من ألبانها إلى صغارها، كما وتنتقل إلى الطيور عبر الحيوانات المتفسخة التي تحتوي على كمية من هذه المبيدات.
وتؤثر هذه المبيدات في الكائنات الدقيقـة الموجودة في التربة الزراعية، وينقسم العاملون في مجال وقايـة النباتات إلـى فريقين اثنين عند دراسة هذا التأثير، حيث يعتقد فريق منهمـا أن المبيدات لا تؤثر بدرجة خطرة في هذه المجال، وإنما أضرارها يسيرة، ويمكن تحمّلها وإزالتها بسبب الأدوية، ويرى الفريق الآخر أن وصول هذه المبيدات إلى التربة يؤثر في التوازن الموجود بين مكوّنات التربة الطبيعية والكيماوية، وهو أمر يؤدي إلى تقليل خصوبة التربة الزراعية وانخفاض إنتاجيّتها.
وقد أحدثت جميع المبيدات التي تمّ اختبارها تأثيرات ضارة في الكثير من الكائنات الدقيقة المفيدة التي تسهم في تكامل عناصر البيئة في التربة الزراعية، وخاصة خلال الأسابيع الأربعة الأولى من رشّ المبيدات.
كما وتبين أن المبيدات الحشرية الكيماويـة تتسبّب في قتل الكثير من الأحياء الدقيقة التي تستوطن التربة، والتي تسهـم فـي تحليل المواد العضوية والمخلّفات النباتية التي ينتج عنها العناصر الحية المكونـة للتربة الزراعية، فإن الكائنات الحية الدقيقة لها دورها المهم في التوازن الطبيعي للبيئة، فهي تسهم في تنقية الماء في كثير من عوامل التلوث، ذلك لأنها تساعد على الحفاظ على نسبة الأوكسجين الذائب في الماء.
وقد حدث في (نيكاراغوا) أنه وقعت أكثر من (3 آلاف) حالة تسمّم، وما يربو على (400) حالة وفاة بين العمال الذين يعملون في حقول القطن سنوياً على مدى عشر سنوات، كما وحدثت حالات مماثلة في بعض دول أمريكا الوسطى حيث يزرع القطن على نحو تجاري.
وفي الهند بلغـت حــــالات التسمّـم بالمبيدات نحو (100) حالة سنة 1378هـ (1958م) ونحو (54) حالة في سنة 1387هـ (1967م)، وفي سوريا بلغت عدد الحالات (1500) حالة في سنة 1380هـ.
ويتأثر الإنسان بهذه المبيدات بطريقة مباشرة إما عن طريق الملامسة أو عن طريق استنشاق أبخرة هذه المبيدات.
وقد يتأثر بها بطريقة غير مباشرة، فهو يتغذى بالحيوانات والنباتات، ويصل إليه مع هـذا الغذاء كلما يختزن من المبيدات في أنسجة هذه الحيوانات والنباتات، وكلّما يلـوث منتجاتها مثل البيض واللبن والزبد والدهن والجبن وما إلى ذلك، كما وتسبب مبيدات الآفات العديد من الأمراض الخطرة مثل السرطان، وقد أوضحـت الدراسات المخبرية إن الاستخدام المكثف لهذه المبيدات في حقول القطن فـي بعض الولايات الغربية أدى إلى حدوث أورام سرطانية في حيوانات التجارب.
وتمثّل مشكلة مخلفـات المبيدات فـي المحاصيـل الزراعية تحدياً هائلاً باستخدام المبيدات الكيماويـة، وتوجد هذه المخلفات عادة في الغذاء أو في الماء بكميات صغيرة لكنها ضارة على كل حال.
ثم إنه كثير ما تسبب الفطريـات الطفيلية خسارة فادحة في المحصول وهذه الأمراض يتم القضاء عليها بعدة مواد كيماوية مختلفة، فقد استعملت عدة مركبات تحتوي على النحاس بمختلف الآفات الزراعية والعفن التي تسببها الفطريات، وعند استعماله لمدة، تصبح التربة ملـوثة بالنحاس وتتأثر تبعاً لذلك البيئة الحيوانية فتنقـرض الديدان، ولكـن لا تأثير له على الأشجار الناضجة إلاّ تأثيراً ضعيفاً، ولا تتأثر البيئة المحيطة إلاّ تأثيراً ضئيلاً.
وكثير من المبيدات الفطرية العضوية لها تأثير ملحوظ خاصة في الحدائق ولكن بما إنّ الكمية العامة المستعملـة ليست كبيرة إذا ما قورنت ببعض المواد الأخرى ـ كما وإنها عموماً أعلى سعـراً ـ لذلك استعملت بكثير من الحذر ولاحتمال حدوث حالات تلوث خطيرة مـن جرّاء استعمالها، لكنّه ملوث أيضاً ومؤثر على التربة والزرع والحيوانات وأخيراً الإنسان.
وقد استعملت عدة مركبات يدخل في صنعها الزئبق كمبيدات فطرية، واستعمل أيضاً كمطهّر للإنسان وفـي الحدائـق بكميات كبيرة، وهكذا استعملت مركبات الزئبق العضوية في عملية تبخير الحبوب لدرجة إن حبوب القمح فـي بريطانيـا تبخّـر حسب طلب الزبائن، وعملية التبخير في هذه تستعمل لمنع إصابة الحبوب بالفطريات سواء كانت تسبب ضرراً أم لا في أي مجال، لكن الزئبق ملوِّث عـام، فهو يخزن ويتركز بواسطة الأحياء، وقد ينتقل ويتركز في سلسلة الغذاء، ولقـد كانت هناك الكثير من الحالات التي قامت بها الأسماك والقواقع بتركيز نسب عالية من الزئبق فحدثت حالات وفاة بالإضافة إلى حالات مرضية كثيرة بالنسبة إلـى من أكلوا هذه الأسماك أو القواقع.
والحالات الخطيرة من التلوث قـد حدثت نتيجة الاستعمال الصناعي ونتيجة صناعة الأخشاب أكثر مـن الكميات الصغيرة المستعملة في الزراعة. وقد تسمّمت بعض الطيور جرّاء أكل الحبوب المبخرَّة.
وفي بريطانيا يتم التبخير بواسطة مركبـات الزئبق خاصة والتي ليست حادة السميّة للفقاريات وإن كانت سميّة أيضاً، وتتخثّر خصوصاً بعد تركزها في الحيوان.
وتجارب الغذاء على الطيور توضح أنه أخطر من تعاطي جرعات مميتة، بينما استعمل في بعض الدول الأوربية مركـب الزئبق على نحو خاص بتوسع وهو سام جداً، وقد قتلت مـن جرّاء استعمالـه بعض الطيور بدرجة غير متوقعة.
ومن الواضح إنّ المركبـات الزئبقية مختلفة في خطورتها حسب تراكيبها المختلفة، وإحدى هذه المخاطر هـو تحللها وتغييرها عند وصولها للبيئة بفعل البكتيريا إلى نوع خطير من السموم.
وقد يحدث هذا في معدة الحيوان المجترّ التي يحدث التمثيل فيها أو في قاع البحيرة أو الطبقة العفنة، ولهذه الأسباب يجب بذل الجهود لتقليل نسبة الزئبق من ناحية، ومن ناحية ثانية الاستغناء عنه مهما أمكن، لأن ما أضرّ كثيرُهُ أضرّ قليله أيضاً لكن بنسبة.
المفضلات