سماحة الشيخ محمد حسين الأنصاري
Thursday, 27 December 2007
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صَلِّ على محمدٍ وآل محمد
آثر مع الأسف هذهِ الأيام تأثير جملة من الناس مِمَّن يدعي العلم في التشكيك في كثير من الموروثات الثابتة لا لشيء إلا لِعدم المعرفة على أحسن المحامل وإلا فَلِخُبْثٍ في السرائر، لإرباك المؤمنين رضاءاً لأعداء الدين أو لأمور لا ينبغي ذكرها فإنّا لله وإنا إليه راجعون، وتبعاً لِذلك كَثُر السؤال عن هذه الزيارة بالخصوص نسأل الله تعالى حُسنَ العاقبة لجميع من يريدها قولاً وفعلاً. عد هذا وتوكلاً على الله سبحانه وتعالى نقول : بل الخوض في الإجابة عن السؤال لا بدّ أن يلتفت الإخوة إلى النقاط التالية :
1 - لا ينحصر إثبات صدور النص بصحة السند وعدمها، بل ربما تكون الصحة مبعدة، والضعف مقوماً، كما في حالات لا تخفى على متتبعي هذا الفن.
2 - التواتر من الطرق المفيدة للاستدلال بوقوع الخبر وثبوته عند العقلاء، والاستفاضة قريب منه ولا يمكن المساس بهذا الثابت العقلائي أبداً، وإلا لاختلت كثير من الأمور علينا، كما أن طرق الحديث ليست محصورة بطريق دون غيره فلإثبات صدور النص طرق متعددة مذكورة في محلها من أحب الإطلاع عليها فليراجعها. وللتواتر وللاستفاضة أقسام إذا صح التعبير منها :
أ ) اللفظي. ب ) المعنوي.
إذاً عرفنا هذا نقول : هذه الزيارات والأدعية لم تنحصر مضامينها بها فقط لنرفع اليد عنها، بل مضامينها وما تحويه موجودة في أكثر من مكان في تراثنا المنقول عن المعصومين عليهم السلام حتى إن بعضها يتاخم التواتر أو الاستفاضة على أقل تقدير فانتبه لهذا. فما أتعبوا به أنفسهم من إثبات أن أسانيدها ليست بصحيحة لا ينفعهم أبدا مهما حاولوا وجادلوا لِيطفئوا نور الحق.
3 - لا ننس بأن هذه الزيارات والأدعية قد واضب عليها العلماء السابقون ممن لا يُعرف في حقهم التخاذل وعدم المبالاة في دين الله أبداً. وزيارة عاشوراء بالخصوص سندها معتبر عند جميع علمائنا، وقد كان أكابر علماء الطائفة، بل أصاغرهم - وما زالوا - ملتزمين بقراءتها، حتى أن البعض منهم يقرأها كلّ يوم، لِما قد نقل لذلك من آثار وبركات كثيرة، قد لمسوا كثيراً منها، وسيأتي زيادة تفصيل.
( وقال شيخنا ثقة الإسلام النّوري - رحمه الله - : أمّا زيارة عاشوراء فكفاها فضلاً وشرفاً أنّها لا تسانخ سائر الزّيارات الّتي هي من إنشاء المعصوم وإملائه في ظاهر الأمر وأن كان لا يبرز من قلوبهم الطّاهرة إلاّ ما تبلغها من المبدأ الأعلى بل تسانخ الأحاديث القدسيّة التي أوحى الله جلّت عظمته بها إلى جبرئيل بنصّها بما فيها من اللّعن والسّلام والدّعاء، فأبلغها جبرئيل إلى خاتم النّبيين صلى الله عليه وآله وسلم وهي كما دلّت عليه التجارب فريدة في آثارها من قضاء الحوائج ونيل المقاصد ودفع الاعادي ) على ما جاء في المفاتيح.
4 - كلنا يعلم بأن الزيارات والأدعية قد شحنها أهل البيت عليهم السلام بعلوم مختلفة، والذي يريد أن يتعلم الكثير من علومهم فهاهي الزيارات والأدعية منبع صاف لكل ذلك من دون ريب وشك، فما عليه إلا أن يبحث عنها ويدرسها ويتأمل بها ليدرك الكثير الكثير. لو تعقلنا ذلك فما التشكيك حينئذٍ بهذا الشكل بهذه الأدعية والزيارات إلا تشكيك بمذهب الحق ولينتبه القوم لِذلك إن كنا نريد المحافظة على النهج السوي لأهل البيت عليهم السلام.

أما عن مصادر زيارة عاشوراء فنقول : إنَّ لِهذه الزيارة عدة مصادر :
· أولاً : مصباح المتهجد - لِشيخ الطائفة المحقة الشيخ الطوسي : فقد رواها شيخ الطائفة المحقة في كتابه المعتمد لدى الطائفة الإمامية وعلماءها - مصباح المتهجد.
عن محمد بن إسماعيل بن بزيع : ثقة عين ( وعدَّهُ البرقي في أصحاب الرضا والجواد عليهما السلام )، ووصفوه بالثقة الصحيح.
وطريق الشيخ إلى بن بزيع صحيح، كما ذكر ذلك في الفهرست والتهذيب، وصرّح بصحته السيد الخوئي رحمه الله في ترجمته في معجمه ج15 ص100. وهو يروي الزيارة عن عدة طرق عن الإمام الصادق والإمام الباقر عليهما السلام، منها :
1 ) عن سيف بن عميرة - الذي هو من الثقات الأجلاّء كما ذكرنا - عن صفوان بن مهران الجمّال - والذي هو من الثقات الأجلاء المعروفين أيضاً - عن الصادق عليه السلام.
2 ) عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن الباقر عليه السلام. وقالوا فيه وفي أبيه : صالح بن عُقْبَة : هو صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ذبيحة، من أصحاب الصادق والكاظم عليهما السلام ( مجهول الحال ). وقد وقع في أسانيد تفسير القمي، وكامل الزيارات. نعم ( قال ابن داود (230) من القسم الثاني : عن ابن الغضائري ليس حديثه بشيء كذاب غال كثير المناكير ) على ما نقله عنه السيد الخوئي في معجمه عند ترجمته. فالذي يقول بوثاقة سلسلة رجال كامل الزيارات كما عليه الرأي الأول لأستاذنا بل أستاذ الفقهاء والعلماء السيد الخوئي - رحمه الله - فقد كفانا المؤنة بتوثيقه. والذي لا يذهب إلى ذلك فيوثقه لوقوعه في أسانيد تفسير القمي، لقوله رحمه الله تعالى ( ونحن ذاكرون ومخبرون بما ينتهي إلينا من مشايخنا وثقاتنا عن الذين فرض الله طاعتهم...)، وهذا طريق آخر للتوثيق. إذاً هناك تعارض بين التضعيف المنسوب إلى ابن الغضائري وتوثيق كلٍ من علي بن إبراهيم، وابن قولويه. لذا قال السيد الأستاذ رحمه الله تعالى : ( أقول : لا يُعارض التضعيف المنسوب إلى ابن الغضائري توثيق جعفر بن محمد بن قولويه، وعلي بن إبراهيم، لِما عرفت غير مرة من أن نسبة الكتاب إلى ابن الغضائري لم تثبت، فالرجل من الثقات ). وإن أبيتَ فسنوثقه بطريقة أخرى كما سنوثق أباه بعد أسطر معدودة. عقبة : وهو عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ذبيحة، والد صالح بن عقبة كوفي. ذكره الشيخ الطوسي في أصحاب الباقر عليه السلام وصرّح بمجهوليته، راجع كتاب الرجال للشيخ الطوسي، ص 132 من الطبعة الأولى برقم 74. وذكره في أصحاب الصادق عليه السلام برقم 626. وقال العلامة في الخلاصة ص243 : عقبة بالقاف ابن قيس من أصحاب الباقر عليه السلام مجهول. وقد ضعفه مَن ضعفه لِمجهوليته. ووثقه مَن وثقه لكونه من أصحاب الباقر عليه السلام وذلك يدل على أنه إمامي، والأصل فيه العدالة، وعلى الأقل التوثيق، بالإضافة إلى أنّ الشيخ لم يظفر بشيء من الذم فيه ولو كان لبان. ويمكن الميل لوثاقته والاطمئنان بها بالإضافة لما ذُكر بأنه لو كان كذّابا فهل يُعقل أن ينقل عنه العين من أصحابهم عليهم السلام، وخاصةً مثل هذه الزيارة التي فيها الكثير من الحساسيّة ؟!. وبهذا تثبت وثاقة الرجلين صالح وأبيه عقبة لتجاوزهما لهذه العقبة على أقل تقدير. فهذا الطريق للرواية صحيح وإلا فحسن.
3 ) وعن سيف بن عميرة - الذي هو من الثقات الأجلاّء، عن علقمة بن محمد الحضرمي ( وهو مجهول ) ( ويُمكن تصحيح الطريق بما مرّ ) عن الباقر عليه السلام.
4 ) وعن محمد بن خالد الطيالسي. وقال السيد الأستاذ ( وطريق الشيخ إليه فيه محمد بن يحيى وهو لم يوثق ). فنرفع اليد عن هذا الطريق الآن، لأجل عدم التطويل. من هنا نعرف بأنَّ إسناد الشيخ إلى زيارة عاشوراء صحيح بعدة طرق، فماذا بعد الحق إلا الضلال.
· ثانياً : قد رواها قبل الشيخ الطوسي، شيخ الطائفة ابن قولويه أستاذ الشيخ المفيد في كتابه المعتمد لدى علماء الإمامية (( كامل الزيارات )) بإسنادين معتبرين :
1 ] عن محمد بن خالد الطيالسي، ( المذكور ).
2 ] وعن ابن بزيع وهو من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام الأجلاّء الفقهاء ومن عيون أصحابه، وهو في أعلى درجات التوثيق كما ذكرنا ذلك قبل قليل.
عمّن ذكرنا وأثبتنا وثاقتهم فالإسناد صحيح. كما قد رواها الشيخ محمد بن المشهدي في كتابه المعروف المزار الكبير، وهو من أعلام الطائفة الإمامية في القرن السادس، بسنده. ومن أعلام القرن السابع قد رواها السيد ابن طاووس في كتابه مصباح الزائر باسناده. وقد أوردها الشيخ الكفعمي أيضاً في كتابه المصباح، وهو من أعلام القرن العاشر. كما أوردها الشيخ عباس القمي في كتاب مفاتيح الجنان وهو في مقدمة كتابه قد ذكر (قد سألني بعض الأخوان من المؤمنين أن أراجع كتاب مفتاح الجنان فأولف كتابا على غراره، خلواً مما احتواه مما لم أعثر على سنده مقتطفاً منه ما كان له سندٌ يدعمه....) وهو من أهل الخبرة في هذا الفن فكفى بذلك تأييداً. فإذاً هيَ إما :
أ ] صحيحة السند.
ب ] أو على رأي بعضهم ذا سند حسن، أو معتبر.
ج ] أو إذا أبى أحدهم إلا ضعفَها، فعملُ المشهور يجبر الرواية الضعيفة عند المشهور.
د ] وإن أبى كلَّ ذلك عناداً وتشدداَ واستكباراً فأنَى لهُ الردُّ وقد شاع العمل بالضِّعاف في السُّنَنِ - أي في الأمور المستحبة - وإن اشتدَّ ضَعفُها ولم ينجبر. والإيراد بأنَّ إثبات أحد الأحكام الخمسة بما هذا حاله مخالفٌ لِما ثبتَ في محله مشهور. فالعمل عندنا – معاشر الخاصة - ليس بها في الحقيقة بل بحسنة ( مّنْ سَمِعَ شيئاً مِنَ الثواب.... ). الوجيزة للشيخ البهائي ص7-8 بأدنى تصرف.
هـ ] بالإضافة لما ذُكِر فهيَ متواترة معنىً، وإلا فهي مستفيضة معنى عند الفرقة المحقة. فبعد هذا ألا يكون في كلِّ ذلك ردعٌ كاف وزجر شديد لِمَنْ أراد أن يدّعي العلم ويردد بأنَّ زيارةَ عاشوراء سندها ضعيف، إذْ كلُّ طريق مسدودٌ أمامه، ولا مستند له إلا الهوى، ولا ينفعهُ بشيء كما رأينا، إذ من تبع الهوى هوى.
وَفَّقَ اللهُ الجميعَ لاتباع الهدى، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
محمد حسين الأنصاري / سدني / أستراليا.