الفئة الخامسة: من الملعونين هم الذين لعنهم الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) أو لعنهم الأنبياء أو الذين لعنهم الأئمة المعصومين (عليهم السلام) من عترة المصطفى الذين طهرهم الله تطهيرا واذهب عنهم الرجس بإرادته وبنص وحيه.
فأما الذين لعنهم الأنبياء فيقول تعالى:
(لعن الّذين كفروا من بني إسرائيل على لسان داود وعيسى ابن مريم)[المائدة: الآية 78].
وأما الذين لعنهم محمد (صلى الله عليه وآله) فهم كل من آذاه وآذى آل بيته ووصيه علي بن أبي طالب، وابنته فاطمة وابنيه الحسن والحسين ولعن رسول الله(صلّى الله عليه وآله) كل من حاربه وناصبه العداء ومنعه من أداء رسالته وكل من تآمر عليه وعلى دين الله وكاد للإسلام، وفيما يلي نورد تلك الأصناف التي لعنها النبي محمد (صلى الله عليه وآله).
- أولا: لعن (صلى الله عليه وآله) الذين تآمروا على حياته الشريفة والذين تصدوا له ليمنعوه أو يعيقوه من أداء رسالته التي كلفه الله تعالى بها: مثال، ورد في كتاب الخصال لأبي جعفر بن علي بن الحسين بن بابويه القمي الصدوق الجزء الثاني ص 397-398 مع تفصيل في الإسناد عن ابن موسى عن محمد بن موسى الدقاق، عن محمد بن محمد ابن داود الحنظلي، عن الحسين بن عبد الله الجعفي، عن الحكم بن مسكين عن أبي الجارود عن أبي الطفيل عامر بن واثله قال: أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعن أبا سفيان في سبعة مواطن:
أولهن: يوم لعنه الله ورسوله وهو خارج من مكة إلى المدينة مهاجرا وأبو سفيان جاء من الشام، فوقع فيه أبو سفيان يسبه ويوعده، فهم أن يبطش به فصرفه الله عن رسوله.
والثانية: يوم العير: إذ طردها ليحرزها من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، فلعنه الله ورسوله.
والثالثة: يوم أحد، قال أبو سفيان: أعل هبل، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : الله أعلى وأجل، فقال أبو سفيان: لنا عزى ولا عزى لكم، فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): الله مولانا ولا مولى لكم.
والرابعة: يوم الخندق، يوم جاء أبو سفيان في جمع من قريش فردهم الله بغيضهم لم ينالوا خيرا، وانزل الله عزّ وجل في القرآن آيتين في سورة الأحزاب، فسمى أبو سفيان وأصحابه كفارا، ومعاوية يومئذ مشرك عدو لله ولرسوله.
والخامسة: يوم الحديبية، والهدي معكوفاً إن يبلغ محله، وصد مشركوا قريش رسول الله (صلى الله عليه وآله) عن المسجد الحرام وصدوا بدنه أن تبلغ المنحر، فرجع رسول الله (صلى الله عليه وآله) لم يطف بالكعبة ولم يقض نسكه، فلعنه الله ورسوله.
والسادسة: يوم الأحزاب، يوم جاء أبو سفيان بجمع قريش، وعامر بن الطفيل بجمع هوازن، وعيينه بن حصين بغطفان، وواعدهم قريظة والنضير أن يأتوهم، فلعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) القادة والأتباع وقال: أما الأتباع فلا تصيب اللعنة مؤمنا، وأما القادة فليس منهم مؤمن ولا نجيب ولا ناج.
والسّابعة: يوم حملوا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) في العقبة وهم اثنا عشر رجلاً من بني أمية وخمسة من سائر الناس، فلعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) من على العقبة غير النبي (صلى الله عليه وآله) وناقته وسائقه وقائده.
وفي نفس المصدر (الخصال) الجزء الأول ص191، وبتفصيل في السند أيضا عن عبد الله بن عمر، أن أبا سفيان ركب بعيرا له ومعاوية يقوده ويزيد يسوق به، فلعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) الراكب والقائد والسائق.
- ثانيا: لعن رسول الله (صلى الله عليه وآله) لعنا تشريعيا لمطلق المنع في فعل ما أو من باب التحذير والتوجيه أمثال:
ـ ملعون ملعون من ضيع من يعول
ـ ملعون ملعون مبغض علي بن أبي طالب
ـ ملعون ملعون من يظلم ابنتي فاطمة.
ـ من أبغض عترتي فهو ملعون.
- ثالثا: أشار الرسول (صلى الله عليه وآله) إلى أفعال كونها من الأصناف الملعونة في القرآن، أمثال الكافرين والظالمين والذين يؤذون رسول الله.. أمثال:
المثال الأول: روى الطبري في تاريخه الجزء 11 ص356، والواقدي وكافة رواة الحديث، أن الحكم ابن أبي العاص كان سبب طرده وولده مروان حين طردهما رسول (صلى الله عليه وآله)، أن الحكم اطلع على رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوماً في داره من وراء الجدار وكان من سعف، فدعا رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقوس ليرميه فهرب.
وفي رواية أنه قال للنبي (صلى الله عليه وآله) في قسمة خيبر: اتق الله يا محمد!، فقال النبي (صلى الله عليه وآله): لعنك الله ولعن ما في صلبك، أتأمرني بالتقوى؟! وأنا جئت به من الله تعالى اخرج فلا تجاورني فلم يريا الأطريدين، حتى ملك عثمان فأدخلهما.
المثال الثاني:
روى الترمذي في الجامع، وأبو نعيم في الحلية، والبخاري في الصحيح، والموصلي في المسند وأحمد في الفضائل والخطيب في الأربعين عن عمران بن الحصين وابن عباس وبريده أنه رغب علي (عليه السلام) من الغنائم في جاريه، فزايده حاطب بن بلتعه وبريد الأسلمي، فلما بلغ قيمتها قيمة عدل في يومها أخذها بذلك، فلما رجعوا وقف بريدة قدام الرسول (صلى الله عليه وآله) وشكى من علي، فأعرض عنه النبي (صلى الله عليه وآله) ثم جاء عن يمينه وشماله ومن خلفه يشكو فأعرض عنه، ثم قام إلى بين يديه فقالها، فغضب النبي (صلى الله عليه وآله) وتغير لونه وتربد وجهه وانتفخت أوداجه وقال: مالك يا بريدة! ما آذيت رسول الله منذ اليوم؟ أما سمعت الله تعالى يقول: (إنّ الّذين يؤذون الله ورسوله لعنهم الله في الدّنيا والآخرة وأعدّ لهم عذاباً مهيناً)[الأحزاب: الآية 57].
أما علمت أن عليا مني وأنا منه وإن من آذى عليا فقد آذاني ومن آذاني فقد آذى الله ومن آذى الله فحق على الله أن يؤذيه بأليم عذابه في نار جهنم، يا بريدة أنت اعلم أم الله أعلم؟ أم قراء اللوح المحفوظ أعلم؟ أنت أعلم أم ملك الأرحام أعلم؟ أنت أعلم أم حفظة علي بن أبي طالب؟ قال: بل حفظته، قال: وهذا جبرئيل أخبرني عن حفظة عليّ أنهم ما كتبوا قط عليه خطيئة منذ ولد، ثم حكى عن ملك الأرحام وقرّاء اللوح المحفوظ وفيها: ما تريدون من علي، ثلاث مرات، ثم قال: إن عليا مني وأنا منه، وهو ولي كل مؤمن بعدي. وفي رواية أحمد: دعوا عليا.
وهذه الرواية واضحة في تصنيف الذين يؤذون الإمام علي (عليه السلام) من أصناف الملعونين في القرآن في محكم قوله تعالى الوارد في هذه الرواية.
وجاء اللعن على لسان الأئمة المعصومين أيضا في أصناف هي أصناف الذين لعنهم الله ورسوله:
أولا: ما جاء في قول أمير المؤمنين (عليه السلام) للأشعث بن قيس وهو على منبر الكوفة يخطب فمضى في بعض كلامه شيء اعترضه الأشعث فقال يا أمير المؤمنين هذه عليك لا لك فخفض (عليه السلام) بصره إليه فقال:(ما يدريك وما عليّ مما لي عليك لعنة الله ولعنة اللاعنين. حائك أبن حائك منافق أبن كافر، والله لقد أسرك الكفر مرة والإسلام أخرى.. فما فداك من واحدة منهما مالك ولا حسبك. وإن امرأً دل على قومه السيف وساق إليهم الحتف، الحري إن يمقته الأقرب ولا يأمنه الأبعد.
ثانياً: ما جاء في توجيهات الأئمة (عليهم السلام) من أمثال لعن الكافرين والظالمين والمنافقين.. ولعن الذين تصدوا للأئمة في دعوتهم لله تعالى.. والقول المشهور عن العباس في حضرة الحسين (عليه السلام) حين دعاه شمراً، وقد أخذ له الأمان من ابن زياد باعتباره من أخواله: صاح الشمر يوم الطف أين بنو أختنا أين العباس وأخوته.. فقالوا له ماذا تريد؟ ـ بعد إعراض ـ فقال لهم لكم الأمان من ابن زياد فخلوا معسكر الحسين، فرد عليه أبو الفضل: لعنك الله ولعن أمانك.. أتئمننا وابن رسول الله لا أمان له. وقد ورد اللعن من لدن الإمام المعصوم في التوجيه وفي تفقيه الأمة بدينها قالوا (عليهم السلام) مثلا:
ـ المنجم ملعون، والكاهن ملعون، والساحر ملعون، والمغنية ملعونة.
ـ ملعون من ظلم أجيراً أجرته.
ـ من آذن الله فهو ملعون.
ـ المحتكر ملعون.
ـ ملعون من جلس على مائدة يشرب عليها خمر
ـ ملعون ملعون من آذى جاره..
ـ ملعون ملعون قاطع رحمه.
ومثل ذلك كثير.
ملخص القول:
إن اللعن: هو الطرد من رحمة الله تعالى والبوء بغضبه، ولذا فهو واقع يتجسد عن معاصي بعض الآدميين في الأصناف المذكورة، فلا مناص من هذا الواقع لكل من فضل خيار نفسه على خيار خالقه المحسن له، فهم الخارجون على طاعة الله وطاعة رسوله وطاعة أولي الأمر الذين قرن الله طاعتهم بطاعته واختارهم لدينه وأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيرا بإرادته وكتب على العباد مودتهم وأمر بالرجوع إليهم، ثم هم السفينة المنجية وأحد الثقلين، ولذا فاللعن واقع لإرادة الله سبحانه وتعالى، والملعون هو من يشك في لعن من لعنه الله تعالى ولعنه رسول (صلى الله عليه وآله)، ولعنه أولي الأمر الأطهار المعصومون (عليهم السلام).
المفضلات