(11) لنحاول أن نفرغ أنفسنا أيام عاشوراء من جهة : العمل والدراسة والتجارة وذلك إقامة للحداد على سبط النبي صلى الله عليه وآله وسلم الذي كان يؤذيه بكاؤه وهو صغير، وذلك لئلا يكون يومنا في يوم عاشوراء كباقي الأيام مشتغلين بأمور الدنيا، تاركين مشاطرة صاحب الأمر عليه السلام في مصيبته التي يبكى عليها بدل الدموع دماً.. والأمر يعطي ثماره عندما يكون ذلك مقترنا بشيء من المجاهدة في هذا المجال فإن أفضل الأعمال أحمزها أي أشقها على النفس.
(12) إذا كنت في بلد خال من مجالس الحسين عليه السلام فاستعن بالمسموعات والمرئيات والمواقع الهادفة، لئلا تحرم بركات الموسم، بل إن إحياء الذكر في أماكن غير متعارفة له أثره الخاص.. وهذه من المجربات التي لا تخلف لأثرها، إذ أن الذكر في الخلوات، يخلو من كل شوائب الجلوات، ومن هنا كان العمل أقرب للقبول من غيره وخاصة إذا اقترن ذلك بترويج لتلك الأهداف السامية في قلوب الذين يجهلون هذه المعارف فإن الناس لو عرفوا محاسن سيرتهم لاتبعوهم.
(13) أن من الأمور الراجحة - سواء داخل البيت أو خارجه - أن يعيش الأجواء المثيرة للعواطف، بالاستماع إلى ما أمكن من محاضرات، ومجالس عزاء، وقراءة الكتب المتعلقة بالسيرة والمقتل.. وكم من الجدير أن يحول المؤمن هذه الأيام إلى أسبوع شحن فكري وعاطفي، في مختلف المجالات، حتى العبادية منها.. فإن إحياء هذه الذكرى مقدمة لإحياء الدين، بكل حدوده وثغوره، ومن الراجح أيضاً أن لا يقتصر الأمر على مجرد الشحن العاطفي بمعزل عن الشحن الفكري، فإن من أهداف هذه الحركة المباركة هو تحريك العباد إلى المنهج الرباني الذي كادت تضيع معالمه عندما أقصى الظالمون الإمام عن الأمة.
(14) إن علامة قبول العزاء : وعظاً، واستماعاً، وبكاءً، وإبكاءً هو الخروج بالتوبة الصادقة بعد الموسم، إقلاعاً عن الذنوب، وتشديداً للمراقبة فإن الذي كان يعطى الحسين عليه السلام هويته المتميزة هو الذكر الإلهي في كل مراحل حركته المباركة بما في ذلك ساعة عروجه إلى الملكوت الأعلى.. والملاحظة - مع الأسف الشديد - أن الإنسان يفرط بسرعة في المكاسب التي اكتسبها في الموسم، وذلك بمجرد الخروج منه.. وهذا الأمر يتكرر في كل عام مما يعظم لصاحبه الحسرة يوم القيامة.. فالأمر بمثابة إنسان ورد الغدير، ولم يغترف منه إلا لعطش ساعته، من دون أن يتزود لسفره البعيد، في القاحل من الأرض.
(15) حاول أن تصطحب أهلك وأولادك وأصدقائك لمجالس الحسين عليه السلام فإنها مضان التحول الجوهري حتى للنفوس العاصية، ولا شك أنه يترك أثراً لا شعورياً في نفوس الأحداث.. وذلك لأن للمعصوم عليه السلام عنايته وإشرافه بعد وفاته، كما أن الأمر كذلك في حياته، فإذا كان الشهيد حياً مرزوقاً فكيف بإمام الشهداء ؟!.. ومن المعلوم أن الفرق بين المعصوم الحي والمستشهد، كالفارق بين الراكب والراجل، إذ أنه بانتقاله من هذه النشأة الدنيا ترجل عن بدنه الشريف.. فهل تجد فرقاً بينهما ؟!
(16) يغلب على بعض المستمعين - مع الأسف - جو الاسترسال واللغو بعد انتهاء المجلس مباشرة، وفي ذلك خسارة كبرى لما اكتسبه أثناء المجلس، فحاول أن تغادر المجلس إن كنت تخشى من الوقوع في الباطل.. ومن المعروف في هذا المجال، أن الإدبار الاختياري بعد الإقبال العبادي مع رب العالمين أو في مجالس أهل البيت عليهم السلام، من موجبات العقوبة الإلهية.. وقد ورد أنه ما ضرب عبد بعقوبة أشد من قساوة القلب.. وهذا أيضاً يفسر بعض صور الإدبار الشديد، بعد الإقبال الشديد، وذلك لعدم قيام العبد برعاية آداب الإقبال، كما هو حقه.
(17) إن البعض يحضر المجلس طلباً لحاجة من الحوائج، فيدخل في باب المعاملة مع رب العالمين، والحال أن الهدف الأساسي من هذه المجالس هو التذكير بالله تعالى، وبما أراده امراً ونهياً وهي الأهداف التي قدم الإمام نفسه من أجل تحقيقها، فشعارنا : ( تبكيك عيني لا لأجل مثوبة، لكنما عيني لأجلك باكية ).. وما قيمة بعض الحوائج المادية الفانية في مقابل النظرة الإلهية للعبد التي تقلب كيانه رأساً على عقب.
(18) إن المعزى في هذه المواسم بالدرجة الأولى هو بقية الماضين منهم، ألا وهو صاحب الأمر عليه السلام، فحاول استحضار درجة الألم الذي يعتصر قلبه الشريف، وذلك بأنه الخبير بما جرى على جده الحسين عليه السلام في واقعة الطف، إذ أن ما وصل إلينا - رغم فداحته - لا يمثل إلا القليل بالنسبة إلى ما جرى على آل الله تعالى ومن هنا يعد إمامنا المهدي عليه السلام من البكائين ولك أن تتصور حال من يندب جده الشهيد فى هذه القرون المتطاولة.
(19) إن البعض ينظر إلى ما جرى في واقعة الطف وكأنه ملف فتح ليختم والحال أننا مأمورون بالتأسي بالنبي الأكرم وآله عليهم السلام، ومنهم سيد الشهداء عليه السلام : رفضاً للظلم، وذكراً لله تعالى على كل حال، وفناء في العقيدة، واستقامة في جهاد الأعداء، وبصيرة في فهم حدود الشريعة، فإن ضريبة تمني الكون معهم من أجل نصرتهم هو السعي العملي للتشبه بهم في الحدود المتاحة الممكنة في أي موقع من مواقع الجهاد في الحياة.
(20) إن من الملفت حقاً تنوع العناصر التي شاركت في واقعة الطف.. فمنهم الشيخ الكبير كحبيب بن مظاهر الأسدي، ومنهم الطفل الرضيع، ومنهم الشاب في ريعانة شبابه كالقاسم والأكبر، ومنهم العبد الأسود كجون، ومنهم النساء اللواتي شاركن في قسم من المعركة، وما بعد المعركة كعقيلة الهاشميين زينب الكبرى عليها السلام.. أليس في ذلك درس للجميع وأن التكليف لا يختص بفئة دون فئة أخرى، وأن الله تعالى يريد من كل واحد منا أن يكون رافعاً للواء التوحيد أينما كان ؟!
المفضلات