سأخبركم عن..




وعدتكم اني سأخبركم عن أشياء كثيرة ..

تحار بها دروبي..و تتيه بها خيالاتي و تُمزق عَبرتي الى عِبر لغيري..

حتى أكاد أموت خوفا من أنني لن أصل يوما..!


سأكمل لكم ما بدأته عن..علي بريه !



سأخبركم كيف أن الصديق منشغل بشيء آخر..!!!

بشيء آخر..!!

إنه لا يراقب الشاشة الخضراء.. و لا ينظر نظر المودع او الآيس من صديقه..

كان في يديه لفافة قماش..حاول فك الرباط عنها.. لم يستطع.. فـ مزقه ..! و مزقها.. ليخرج ما بداخلها..و بسرعة !

لفرط الحرارة المتصاعدة من رأسه.. أو لنعبر عنها بالمتصاعدة من (قلبه )!

بات في يده محفظة صغيرة.. تحوي اوراقا أصغر مغلفة بالبلاستك الشفاف.. لها إطار ملون.. و تحوي كلمات صغيره..

كان الصديق منشغل بها.. ورقة تتلوها ورقة.. يقرأها بصمت..

حاول أكثر من مسعف أن يأخذ بيده ليخرجه من غرفة الـ (RR)

و لكنه واقف كالجبل.. لا يزحزحه أحد.. و يقرأ في أوراقه بصمت..

نظر له أحدهم و عبر عما بداخله .. لِداخله فقط ..(ألم يجد وقتا لهذا الا الآن ؟؟)

محاولات الأنعاش .. تتابع.. ! و قراءات الصديق.. تتابع..

الممرضة تبادر بالقول .. (سأسجل عملية الإنعاش غير ناجحة).. و الطبيب المناوب.. يرمق نظرة عاجلة للساعة..

ليعلن عن ساعة الــ وفاة!

يغلق الصديق أوراقه.. يجمعها ..يلفها.. و إذا بــ علي يشهق شهقة !

لكم أن تتخيلوا ذلك!

كل الأنظار تجتمع في نقطة واحدة.. وجهه ! يا الله ! انه يفتح عينه.. يقع نظره على .. صديقه ..

فيبادر علي قائلا ( اتصلت بك.. و ما رديت ؟ خير إن شاء الله!!)

فيبكي الصديق..!

نعم دمعت عيناه عميقا ..بل و دمعت أكثر من عين في تلك الغرفة!

أيقن الجميع / الشهود.. في تلك اللحظة..أنهم شهدوا معجزة في ذلك المساء..

تردد البعض في تسميتها معجزة.. لأنه أغمض عينه مرة أخرى..

نقل من هناك الى قسم العناية المركزة في تلك الليلة .. ليلة الخميس..

في عصر الخميس.. استيقظ ! مؤشراته الحيوية ممتازة !

نقل الى قسم باطنية الرجال..

عصر الجمعة.. غادر علي المستشفى و في رأسه ضماد خفيف ما أن خرج من البوابه حتى نزعه!

ترى.. أين ذهبت جراحه؟ هل مسحتها تلك الأوراق الصغيرة !!

لقد سمعت هذه القصة من أحد المسعفين.. و هو أردني الجنسية.. يقول معقبا..

(طول ثمانية عشر سنه..ما شفت مثل اللي شفته!)

(عندي خبرة طويلة في اسعاف الحوادث و خاصة السيارات.. أعرف اللي يموت ..من وجهه.. و هذا علي مات..)

(صدقوني علي بريه هذا..مات ّ! )

(شفته بعيني مات..بس و الله ما ادري ايش هذي الأوراق الصغيرة.. !)

أخبرته اننا نسميها (حرزاً) ! فسألني إن كنت أستطيع أن أشتري له واحداً و لو بـ (100) ريال !

أخبرته انني سأجلب له واحدا من عندي..و لكنه لن ينفعه إلا أن يكون كصديق علي..!

و أنا حين اخبركم عن علي ..لا اريدكم ان تذكروا قصة (علي).. بل اذكروا ان هناك صديقاً له .. قد تمنى شيئا في

لحظة واحدة..

فتحققت أمنيته..

أعلم أن ما تمناه الصديق..لم يكن لأجل نفسه..و لكن..لنتأمل ما فعله !

و لماذا فعل هو ما فعله..!! لآنه امتلك شيئاً لا يملكه الكثيرون ..

سأخبركم عنه..

و سأخبركم عن أشياء كثيرة..!