إتفاقية مع الحزن الصادق ..!!
يعاب علينا إننا ننافق أنفسنا قبل أن نوقع الآخرين في نفاق المشاعر والاحاسيس ، نعيش فيما بيننا الكذب والزور فنوهم أنفسنا بالحزن على المصائب والنوائب وسرعان ما نخذل أنفسنا ويتكرر هذا المشهد سنوياً مع عاشوراء محرم فقط أو قد يزيد ذلك بثلاثة أيام حتى شعائر الدفن ، وأظن كلامي أصبح واضحاً فهو يتعلق بمصيبة المصائب ألا وهي مقتل سيد الشهداء الإمام أبا عبدالله الحسين (ع) ، حيث يستعد الناس وأخص بالذكر شيعة هذه المنطقة الوفيّة فتخلع لباس الفرح لترتدي لباس الحزن وهذا ديدن أهل هذه المنطقة فنمارس عقائدنا وطقوسنا المعتادة وشعائرنا الحسينية ونبدأ رحلة مع الإرادة والصبر والإيثار والتضحية والجهاد والتفاني والإخلاص فينوح النائح ويبكي الباكي وتعتصر القلوب حزناً وكمداً على ما ألمّ بهذه العترة ، وهذه ذكرى عزيزة على قلوبنا ومن الواجب علينا كشيعة إحيائها على مر الدهور جيل وراء جيل ، عقيدة راسخة في الدماء وفي اللحم والعظام لا نتصور أن نعيش بدونها ولا طعم لهذه الحياة دون أن نستنشق عبق الشهادة الصادقة من دماء هذه الأجساد الزكية الطاهرة 0
تعمدت أن أثير مثل هذا الموضوع نظراً لدنو المناسبة الذي لم يتبقى عليها سوى بضعة أيام وتتحول حياتنا إلى حياة أخرى وتتلون مشاعرنا إلى لون آخر ولون وحيد لا يتصل معه أي لون آخر وهو اللون الأسود فترى الوجوه غير الوجوه وترى العادات غير العادات وترى المشاعر غير المشاعر والأرض غير الأرض والروح غير الروح وهذا ينطبق على الصغير والكبير على حد سواء وهذا شئ لا يمكن تغييره أبداً لإنه امتداد جذري لم يولد في يوم وليلة فلقد ورثنا هذه المبدأ واعتقدنا به أباً عن جد وجيل بعد جيل وليس مجرد إرث عاطفي كما يطلق عليه البعض بل إرث ديني وشعائر دينية أوصى بها الرسول (ص) وتوارثها الأئمة إمام بعد إمام ومن ثم اتصل وتواصل من خلال الأولياء والصالحين والعلماء والشيعة المخلصين تباعاً ودفعت في سبيله دماء المجاهدين من أجل أن ينتصر الدم على السيف ، وقد قال الله تعالى في محكم كتابه الكريم ( ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب ) ، وقال الإمام جعفر الصادق (ع) : رحم الله من أحيا أمرنا ) ، ( شيعتنا خلقوا من فاضل طينتنا يفرحون لفرحنا ويحزنون لحزننا ) 0
لذلك يجب استغلال مثل هذه الذكرى المؤلمة كما ينبغي وأن نحزن بصدق وأن نوثق علاقتنا بهذه المناسبة وأن نتعايش وأن ننصهر في فلسفتها وفي مضمونها لا أن نكتفي بالبكاء العابر والحزن الوقتي ، يجب علينا أن نغتسل بهذه الذكرى بما فيها من أحداث ومن عبرة ومن فوائد ومن أهداف ..!! فالملاحظ على البعض والقلة طبعاً أنهم يصابون بالحزن المؤقت والتأثير المحدد الذي يزول وينتهي بانتهاء هذه المناسبة وهذا ما لا يجب أن يحدث وعلينا أن نجدد الولاء والوعد و المعاهدة مع أنفسنا وأن لا نكتفي بخلع الملابس السعيدة بل يجب أن نخلع معها تلك النفوس الرديئة وتلك الأيديولوجية المهزوزة وتلك الإرادة الضعيفة وتلك الشهوات والغرائز الدنيوية ..!! أقولها بصدق واقتناع إننا نعيش حالة الفوضى مع الذات وحالة التقلب المزاجي وحالة من انفصام الشخصية والازدواجية ، ونخرج من هذه المناسبة صفر اليدين بل وحتى لو خرجنا بمحصول من الفائدة والمنفعة تتسرب مع سراب الحياة اليومية وتتبخر كل المشاعر ويعود الوضع إلى ما هو عليه ولا كأن الدموع التي تفجرت في عيوننا حفرت خندق من العزيمة والصدق على سفوح خدودنا ، ولهذا يجب علينا أن نقسم قسماً بأن لا نعود بعد هذه المناسبة الحسينية إلا والآخرة هي أولى اهتماماتنا وأن نبدل عقولنا وقلوبنا وألسنتنا وإرادتنا ونظرتنا إلى الحياة بنظرة تختلف عن سابقها ، بنظرة كلها الخير والصلاح والهداية وأن نقطع حبل الدنيا ونربط حياتنا بالحياة الأخرى حيث الحسين وأبو الحسين وأبناء الحسين (عليهم السلام ) ..!!
أكتفي بهذا القدر وأترك لكم الفرصة لكي تخبروني عن مشاعركم تجاه هذه المناسبة وأرى الوعد الصادق وأرى الحزن الصادق وأرى الصدق يمتثل طاعة في سلوكياتنا وأفكارنا ومفاهيمنا وسيرنا الحثيث إلى الله وإلى النور وإلى الفوز بمرضات الله وإلى الحشر مع النبي محمد وآل محمد (ص) 0
تحياتي
يوم سعيد
المفضلات