اليكم يا اخواني الخطاب كاملا بعد الجهد الكبير في كتابته 00وارجوا العذر لكل خطأ إن وجد 0

خطاب ولي أمر المسلمين القائد السيد علي الخامنائي للعالم في مجلس الأمن الدولي أثناء قيادته للجمهورية الإسلامية الإيرانية بعد تسع سنوات على قيام الجمهورية 0

اللهم باسمك أبدأ ومنك أرجو الهداية والعون إن محياي ومماتي ونسكي كلها لك واليك ، فاطفي على كلامي وضوح الكلمة الحقة وأجعل كلامي نداء الحق إلى مئات الملايين من الآذان والأفئدة التواقة إليك بتعطش ولهفة ، والى مئات الإضعاف التي ستكون كذلك في المستقبل أسألك يا رب تعبيرا عن شكري وشكر شعبي أن تصلي على أنبياءك العظام ولا سيما إبراهيم وموسى وعيسى ومحمد (صلى الله عليه وآله ) الذين نشروا عبر العالم - وبكل ما في طاقتهم – رسالة تحرير الإنسان وتوعيته ، وضحوا في سبيل ذلك بكل غال ونفيس ، فجعلوا منها رسالة خالدة خلود الدهر، وتحية إجلال لتلك القلوب الطاهرة النيرة التي آمنت بهذه الرسالة ولا سيما أولئك الذين قدموا حياتهم دونها 0

سيادة الرئيس ، سيادة الأمين العام ، الحضور الكرام ، إنني رئيس دولة كانت أرضها خلال أحد أطول وأخطر فترات التاريخ مهدا للحضارة ومثابة للثقافة الإنسانية ، وها هي اليوم أضحت دولة يحكمها نظام بني على قاعدة ذلك الماضي الرصين معتمدا على رصيده الحضاري الفريد في نوعه والذي ازداد اليوم ثراءا وخصوبة بفضل الإسلام 0

إنني قادم من إيران التي فجرت ثورة دويها أكبر من جميع الثورات وقدرها مجهول أكثر من أي ثورة في نفس الوقت 0 ثورة قامت على أساس دين الله وعلى امتداد الدرب الذي سلكه كرام الرسل وكبار المصلحين الإلهيين درب طويل طول التاريخ البشري 0 وهذه الثورة تنبع جذورها الراسخة من الرؤية التوحيدية الإسلامية كما تستقي تفكيرها القاعدي من هذه الرؤية الكونية نفسها 0 فعلى ضوء هذه الرؤية الكونية يفسر الإنسان والتاريخ وتفسر أحداث الماضي والحاضر والمستقبل 0 كما تفسر الطبيعة والعلاقات التي تربط بين الإنسان وبين العالم الخارجي – الكون وأبناء نوعه والأشياء إلى آخره – فضلا عن إدراك الإنسان لوجوده ، وبشكل عام كل ما يبني للمجتمع نظاما وأسسا تمكن قيمه من تسيير شؤونه على ما يرام ، وبناءا على التفكير الإلهي الإسلامي يعتبر الكون برمته مخلوقا لله سبحانه ومظهرا لعلمه وقدرته وصائرا إليه ويعتبر الإنسان أشرف المخلوقات وخليفة الله في الارض0

إن الإنسان بإمكانه أن يبني ويزين نفسه والعالم المخلوق من اجله على أجمل ما يكون ، وذلك بتفجير المواهب الكامنة في وجوده ، كما انه يستطيع أن يصعد بجناحي العلم والإيمان إلى اشمخ القمم في المجالين المادي والمعنوي ، وبإمكان الإنسان أيضا أن يخلق في هذا العالم جحيما من الظلم والفساد ، وذلك بإهدار المواهب المذكورة أو حرفها عن مجراها الصحيح ، إن مصباح الهداية للإنسان هو إيمانه بالله سبحانه وامتثاله لما أمره به وابتعاده عما نهاه ، إن الدنيا مزرعة الآخرة ، وان الموت ليس نهاية للحياة وإنما هو بداية النشأة الجديدة 0

وانطلاقا من التفكير الإلهي الإسلامي يعتبر أبناء البشر إخوة الجميع عباد الله وليس هناك أي امتياز لعرق دون عرق أو للون دون لون أو لشعب دون شعب ، فلا تشكل مثل هذه الاعتبارات عاملا لتفضيل أي فرد أو شعب على غيره ، إن البشرية وحدة متماسكة متلاحمة ، ومن ثم فان الاعتداء على فرد واحد من بني الإنسان يعتبر اعتداء على الإنسانية برمتها بغض النظر عن كل المميزات الجغرافية والعرقية ، إن دافع الاستعلاء والأثرة سبب اعتداء أخ على أخيه والدم الذي أريق على أثره لم ينتهي عند هذا الحد وإنما ظل الدافع مستمرا وأصبحت الضربات المماثلة تتوالى لتجري انهار من الدماء وتتحول إلى بحار من الدماء يغرق فيها أصحاب الاستعلاء وضحاياه ، وبذلك يفقد الإنسان الراحة والطمأنينة 0

لقد دعا الأنبياء أبناء الإنسان إلى عبادة الله القاضية على الأثرة والاستعلاء وعرضوا على الإنسان طريقا يؤدي به إلى جنة الآخرة بعدما يصل به في حياته الدنيوية أيضا إلى جنة ملؤها الصفاء والهدوء والطمأنينة ، وحثوه على التحكم في غريزة التكاثر والتسلط لديه ، كما حذروه من مغبة ضياع المواهب وهدرها ومن خطر الانزلاق إلى أعماق مستنقع الفساد الأخلاقي ، وفجروا فيه عيون الفضيلة والصدق والأمانة والمحبة وينابيع العمل والإبداع والعلم والمعرفة ولقنوه ذكر الله وحبه ، الأمر الذي يضمن له تحقيق كل ذلك ويسموا بروحه إلى ما لا يمكن تصوره ، كما أنهم - أي الأنبياء - علموا الإنسان أن يقوي ساعده ليذود عن هذه القيم ويسد الطريق بوجه شياطين الشر والفساد والانحطاط وان يقارع الجهل والظلم والاستعباد ويدافع عن العلم والعدالة والحرية ، علموه أن لا يظلم وأن لا يرضخ للظلم 0عليه أن ينهض لإقامة العدل والقسط وان لا يترك قطاع طريق الصلاح والفلاح لان يعيشوا آمنين ، فالاستسلام أمام أعداء الفضيلة والعدالة والصلاح يعني القبول بفناء هذه القيم وانتفاء هذه المثل والرضوخ للرذيلة والظلم والفساد 0

إن الفكر الإسلامي يعتبر دين الله هو الذي يشكل إطار الحياة الإنسانية ، وان الدين لا يقدم للإنسان سلسلة من العبادات والعادات فقط ، وإنما يعطي له نظاما اجتماعيا منبثقا من نفس الرؤية الكونية ومبنيا على شكلها ، وان كانت العبادات والعادات نفسها مفعمة بروح الحياة وسائرة باتجاه ذلك النظام الاجتماعي نفسه 0ان مبادئ كالحرية والمساواة بين أبناء الإنسان والعدالة الاجتماعية وتكوين الوعي الذاتي لدى أفراد المجتمع ومكافحة أسباب الانحراف والاعوجاج وتفضيل القضايا الإنسانية على الأماني الفردية والتوجه إلى الباري وذكره ورفض أنواع الهيمنة الشيطانية وغير ذلك من المبادئ الاجتماعية الخاصة بالنظام الإسلامي ، بالإضافة إلى حسن الأخلاق والسلوك الفرديين وممارسة السياسة والعمل على ضوء تقوى الله ، كل ذلك ينبع من تلك الرؤية الكونية وذلك التفسير العام للعالم والإنسان 0

إن الإسلام يرفض النظم المبنية على أساس القهر والجبروت والتي لا تثمر إلا الظلم والجهل والإرهاب والاستبداد والاستخفاف بكرامة الإنسان والتمييز بين مختلف العناصر والجنسيات والشعوب على أساس الدم أو اللغة ، يرفض كل ذلك ، كما أن الإسلام يقف بوجه كل نظام أو فرد يقوم بمحاربة النظام الإسلامي 0 أما ما عدى هؤلاء فان الإسلام يأمر بالتعامل على أساس المحبة والتسامح مع كافة الناس سواء أكانوا من أبناء الإسلام أو غيره ، انطلاقا من مثل هذه المبادئ ووصولا إلى مثل تلك الغايات والأهداف قامت الثورة الإسلامية في إيران ، وانتصرت بتأسيس النظام الجمهوري الإسلامي 0

الواقع أن هناك جمعا غفيرا ممن بحثوا عن جذور ثورة شباط عام تسعة وسبعين وتسعمائة وألف الإسلامية ، فلم يصل كثير منهم إلى فهم صحيح لها ووقعوا في أخطاء كبيرة ونحن من جانبنا نرى أن هذه الظاهرة الكبرى يرجع سببها فيما يرجع إلى النقص الذي تعاني منه النظم القائمة في عالمنا من جهة وعقم الشعارات التي رفعتها هذه النظم من قبيل الحرية والديمقراطية والمساواة من جهة أخرى 0 في خضم ظلام دامس رهيب استطاع الإسلام أن يلوح كبرق وضاء من وراء ما أثاروا حوله عبر القرون من غبار التحريف والتضليل وما أحاطه من غيوم الأوهام ، فما إن لاح هذا البرق حتى أضاء الأفق في إيران ثم جاء بعاصفة ما زالت تفرض علينا أن نتوقع أحداث في مناطق عديدة من العالم 0ان حركة الصحوة الإسلامية بين المسلمين في كثير من البلاد الإسلامية رغم ما قيل فيها وما يتصور حولها ويروج لها ليست وليدة للثورة الإسلامية في إيران وإنما هي شقيقة لها 0

تقع إيران في إحدى أكثر المناطق الإستراتيجية في العالم حساسية ولها ما لها من تاريخها وتراثها العلمي والحضاري ، فضلا عما وهبها الله من ثروات ينذر مثيلها ، وقد انفجرت الثورة الإسلامية في إيران ضد نظام سخر كل هذه الإمكانيات المتاحة لخدمة مصالح القوى المسيطرة على العالم ولا سيما الولايات المتحدة الأمريكية التي نالت منها حصة الأسد طيلة الأعوام الخمس والعشرون الماضية ، فما كان هناك احد أفقر إلى ثروات إيران المادية والمعنوية من الشعب الإيراني نفسه الذي حرمت عليه هذه الثروات 0 إن كل ما كانوا يتشدقون به من ادعاءات لم يكن إلا أكاذيب وخداع رغم أن الإعلام الغربي وعلى وجه الخصوص ما كان يرتبط منه بالصهاينة قد عكف متحمسا يطبل لهذه الادعاءات الواهية ويزمر ، فانفجرت ثورتنا الإسلامية ضد نظام كهذا متطلعة إلى أهداف سامية مستقيمة ، واليوم وقد مضى عليها < أي الثورة الإسلامية في إيران > تسعة أعوام ما زال هناك الكثير للتحدث عنه ، فقد قيل عنا وعن ثورتنا ومبادئنا ووجهات نظرنا أكثر من القدر المعتاد ، ما يعبر عن الحقد والنوايا السيئة حينا أو ينم عن الجهل وعدم الفهم حينا آخر 0

إن لثورتنا عدة مميزات خاصة بها يمكن اعتبارها استثناءا عن المعايير المتعارف عليها للثورات وأنا أتناول هذه المميزات لأوجه في الختام نداءنا للعالم :-

(أولا :) إن هذه الثورة منذ بدايتها كانت شعبية مئة بالمئة ، فلم يكن هناك وجود أو نشاط لمجموعة مسلحة من أفراد حرب العصابات أو حزب سياسي نشط أو مجموعة من الضباط الثوريين الأحرار أو أي نوع آخر من الأنواع المتعارف عليها التي توجد التغييرات الثورية في الدول ، لم يكن هناك إلا الشعب نفسه وهو الأعزل تماما بدون سلاح ، فقد نزلت الجماهير الشعبية في طهران وكل مكان إلى الشوارع فملئت الفضاء الرحب وأجواء الحياة في المدن بتواجدها في الساحة بالشعارات الثورية بشكل لم تجد معه الطغمة الحاكمة وحكمها مجالا للبقاء ، لقد اضطروا لان يتركوا قصورهم ومراكز نفوذهم ثم يغادروا البلد زرافات ووحدانا ، ابتداءا بالشاه وكبار ضباط الجيش وغيرهم ورئيس الوزراء والوزراء وآخرين من أصحاب السلطة والمقدرة وكل من استطاع أن يهرب من قبضة الشعب وذلك بعد فترة طالت أكثر من سنة ونصف ، استخدموا فيها كافة ما لديهم من إمكانيات سياسية وعسكرية وبوليسية في تفكيك صفوف الجماهير وإعادتها إلى البيوت أو أماكن العمل ، وفي هذه الفترة كان قد قتل الآلاف من الجماهير أمام أعين الآخرين في الشارع وفي المسجد وفي الجامعة وفي مكان العمل ، إلا أن التواجد الشعبي كان يتزايد يوما بعد آخر ، وقد ازداد النظام في الشهور الأخيرة من حياته عنفا وبطشا كما ازداد التواجد الشعبي في المقابل أيضا ، وبعد أن عجز النظام عن التصدي لتيار غضب الشعب المضحي بحياته اضطر يائسا لان يقدم اكبر التنازلات فرحل الشاه وبعد ذلك اخذ النظام يتراجع عن مواقعه بشكل متلاحق وسريع ، واعتمادا على هذه الإرادة الجماهيرية الصلبة قام زعيم ثورتنا العظيم بتأليف حكومة الثورة وهو يضفي على الشعب بالروح والوعي والدروس مع كل كلمة يقولها 0 فلم يرى الحكم الملكي الغاشم سبيلا أمامه إلا أن يترك السلطة من تلقاء نفسه ويولي هاربا ، وكانت المعسكرات وثكنات الجيش الفارغة من الجنود والضباط تشكل آخر الخنادق ، فقد هرب هؤلاء الجنود والضباط والتحق كثير منهم بصفوف الشعب ، عدة معسكرات قاومت في اللحظات الأخيرة ولكن بلا فائدة ، وهناك أيضا كان الشعب متواجدا وكانت معجزة الثورة انتصار الشعب ، ولم يحصل الشعب على السلاح إلا بعد سقوط هذه المعسكرات ولم يتم ذلك إلا بعدما كان النظام قد سقط ، وقد تم استخدام هذه الأسلحة في المحافظة على النبتة الفتية للثورة 0

إن الشعب بشبابه وشيبه ونسائه ورجاله هو الذي استطاع أن يسقط النظام الفهلوي الذي كان يظهر قويا ومسلحا تماما ويحظى بحماية القوى الكبرى ، وهو الذي استطاع أن يقيم النظام الجمهوري الإسلامي ، إن الشعب لم يمتلك سلاحا سوى الإيمان والإرادة الصلبة والدم الذي يجري في شرايينه فكان أن انتصر الدم على السيف 0 إن سياسة انتصار الدم على السيف هي سياسة المقاومة المظلومة التي أعلنها قائدنا العظيم قبل انتصار الثورة ، وأول معجزة أتت بها تجسدت في الانتصار على نظام الشاه المسلح من أعلى رأسه إلى أخمص قدميه والمتمتع بالدعم الأمريكي الغربي ، وبعد ذلك أيضا حققت الثورة انتصارات يعتبر بعضها اكبر من الانتصار على نظام الشاه ، إنها تجربة لا مثيل لها على الأقل في القرن الأخير وحبذا لو وضعت قيد الدرس بإمعان وتأمل من قبل الدول الرازحة تحت الهيمنة ومن قبل قوى الهيمنة العالمية على حد سواء 0

(ثانيا :) قامت هذه الثورة على أساس الدين على أساس الإسلام ، فهناك ثورات عديدة ارتوت جذورها النضالية من الإيمان الديني ولكن لم يحسب له حساب يذكر في البنية الثورية إن لم نقل لم يؤخذ في الحسبان مطلقا ، إلا أن ثورتنا اعتمدت الإسلام في كل شيء ابتداءا من الأهداف والمبادئ ومرورا بأساليب النضال وانتهاءا بشكل النظام الجديد ونوعية إدارته ، كل ذلك يعطي الثورة أبعادا مدهشة ويقدم لها تفسيرا جديدا لانتصارها ، فقد ضل الإسلام مئة وخمسين سنة على الأقل يتعرض لهجوم القوى الاستعمارية وعملائها الرجعيين الحقراء وذلك لما يحتوي عليه الإسلام من طاقة هائلة للثورة والبناء ، بالإضافة إلى ذلك يعتبر الإسلام إيمانا مقدسا ودينا الهي بالنسبة لأكثر من خمسين دولة ومليار إنسان ، فإذا انتصرت ثورة بروح ومضمون إسلاميين فذلك في الحقيقة يعد انتصارا على كل هؤلاء المهاجمين ولحساب هذه الساحة المليارية كلها 0 لقد غمر الشعور بالانتصار مئات الملايين من المسلمين والمسلمات في عشرات الدول عندما انتصرت ثورتنا في إيران ، وهناك مبدأ يسد طريق التراجع والفشل والضعف والخوف أمام الشعب وقائد الثورة ومسئوليها ، وهو لا هزيمة في سبيل الله لكي يترتب عليها ضعف أو خوف أو تراجع 0

(ثالثا :) كان عدم الاعتماد على الشرق والغرب ميزة أخرى من المميزات الاستثنائية لهذه الثورة ، كما يشكل اليوم أيضا السياسة الحازمة التي يتبناها نظامنا الثوري ، إن ذلك من معاجز إيماننا بالله سبحانه واعتمادنا عليه في كل أمور حياتنا الفردية والاجتماعية ، إن السيطرة على الساحة السياسية في كافة أنحاء العالم ، هي التي تقول باستحالة مواصلة الحياة على المسرح السياسي المعاصر بدون الاعتماد على القوى الكبرى ، لكنا نقول إن استحالة ذلك تكمن في عدم الاعتماد على قدرة مطلقة يعتمد عليها ألا وهي قدرة الله سبحانه 0 لقد كنا نعلم بأننا يجب علينا أن ندفع ثمنا باهظا لهذه العقيدة وهذا الطريق وقد هيئنا أنفسنا لذلك لندع هذه التجربة تهدي الشعوب إلى الاستقلال الحقيقي الذي لا يتزعزع ، وبالتالي إلى رفض قوى الهيمنة العالمية الكبرى رفضا باتا 0 فان الاتجاه الحالي لتوزيع القوى يهدد البشرية بمستقبل أكثر مرارة 0

(رابعا :) كذلك امتازت ثورتنا وما زالت بميزة أخرى تتمثل فيما واجهته من مواقف عدائية حاقدة وما تعرضت له من ضربات لا مثيل لها ، صحيح أن ما واجهناه خلال التسعة أعوام من عداء وحقد بكل ذاك العنف والاتساع والشراسة إلا أن له قصة فريدة ، لقد بدأ العداء للثورة الإسلامية قبل انتصارها وكانت أمريكا هي السباقة في هذا المجال ، إن المسئولين الذين اعتبروا انقضاء الزمان مبررا لكشف الأسرار الخفية ، نراهم اليوم يعترفون بان إدارة رئيس الجمهورية الأمريكي ومستشار الأمن القومي ورئيس الجمهوري نفسه ، كانوا يطمأنون الشاه ويحرضونه على العمل بحزم ، والمقصود من هذا الحزم هو بالضبط ما ظهر بصورة أوضح من خلال ما صرح به شخص اسمه ( الجنرال هايزر ) الذي جاء إلى طهران في مهمة خاصة بإيعاز من الرئيس الأمريكي ، لقد كانت وجهة نظر هذا الشخص وبناءا على التوصيات التي تلقاها " انه يجب الحفاظ على نظام الشاه حتى بثمن قتل عشرات الآلاف من أفراد الشعب " وكاستدلال مبرر قال " هذا أحسن من أن يقتل فيما بعد أضعاف هذا العدد "

لقد كان افتراض انه يمكن الحيلولة دون إراقة دماء عشرات الآلاف في تلك الأيام وأضعاف هذا العدد فيما بعد وذلك من خلال عدم تدخل أمريكا في الشؤون الداخلية الإيرانية ، كان افتراضا مردودا بالكامل ، ولا شك أن فشل مهمة (هايزر) وهروبه من طهران ، وكذلك هروب وإلقاء القبض على أولئك الذين كانت أمريكا قد علقت عليهم الآمال لتنفيذ خطتها المشئومة ، لم تكن إلا بأمواج الثورة الصاعقة والقدرة العظيمة لشعب قام لله ولم يخف شيئا إلا الله 0لم يتنازل أعداء الثورة أمامها بل إن الثورة هي التي ألقت بكل من عاداها خارج الساحة ، لقد كان الأعداء أيضا ومن خلال الشاه قد مارسوا كل الضغوط التي كانوا يستطيعونها وباءت بالفشل 0

ولقد ظهر التآمر المعادي للثورة بعد انتصارها بأشكال أخرى : أولها : جاء من خلال جهد وسيع لغرس أيادي العدو في مراكز الإدارة الثورية ، وفيما بعد استغلال الأجواء السياسية المفتوحة التي انفرجت بعد اختناق دام عشرات السنين ، كما جاء التآمر من خلال تنظيم الأحزاب والمنظمات المعادية للثورة ، في إطار المسعى الأول هناك نموذج طريف ، فاحد العملاء والذي لم يكن من المعروفين نسبيا والذي أدين في محكمة الثورة بصفته خائنا ومجرما ، بعد مضي عدة أسابيع من انتصار الثورة كان قد تمكن في الأيام الأولى من انتصار الثورة عبر استخدام الوسائل والوساطات أن يصبح قائد القوة الجوية 0 أما بالنسبة للخطوة : الثانية : فيكفي أن نقول انه في غضون الشهور الأولى للثورة ظهرت على الساحة في إيران أكثر من اربعمئة حزب ومجموعة تضم مزيجا متناقض الأجزاء ، ابتداءا بأنصار الملكية وانتهاءا بالشيوعيين ومرورا بالانفصاليين إلى جانب القوميين الجاهليين 0 كما أن بعض السفارات المعتمدة في طهران ومنها السفارة الأمريكية كانت مركزا لتوجيه ودعم بعض هذه المجموعات 0

الإرهاب الدموي هو احد أوجه العداء الانتقامي الذي واجهته الثورة بحيث أن بعض الفصائل تمكنت عن طريق سرقة السلاح والعتاد – الذي لم يكن الحصول عليه أمرا صعبا في تلك الأيام – وبدعم من الدول الأجنبية تمكنت من تأسيس اكبر شبكة إرهابية في إيران والإقدام على الاغتيال الفردي والجماعي والانفجارات المهيبة واختطاف الطائرات والمواطنين وممارسة التعذيب والمذابح الرهيبة في إيران ، كل ذلك أقدمت عليه تلك الفصائل الإرهابية المدعومة والمشجعة من قبل كبار أعداء الثورة ، وكان ضحايا هذا التيار الدموي العنيف من مختلف طبقات الشعب ، ابتداءا من كبار رجال قيادة الثورة والبلاد وانتهاءا بالمواطنين العاديين في المجتمع كالعمال والكادحين والنساء والأطفال وعابري السبيل الأبرياء 0

واليوم نرى نفس الإرهابيين اعضاءا أو قادة والذين قد اعترفوا في الغالب بجرائمهم متحملين مسئوليتها ، نراهم يتمتعون اليوم في أمريكا وفرنسا وبعض الدول الغربية بالحصانة والعيش الرغيد ويطلقون عليهم اسم " معارضي الثورة " ولكن اغلب تلك الدول ما زالت تتهم الجمهورية الإسلامية الإيرانية بالإرهاب ، وان من أخبث الدعايات السياسية هو أن يتهم بالإرهاب نفس ضحايا الإرهاب وذلك من قبل فئة لعبت دورا كبيرا في دعم الإرهابيين في عملهم ثم آوتهم ، إنني وبصفتي رئيسا للجمهورية وخادما لبلدي تعرضت شخصيا لإحدى هذه الجرائم الدموية التي أحبطها الله تعالى ، لاعتز أن هذه الجرائم لم تتمكن من زعزعت إرادة شعبي ، وان الأحداث المؤلمة التي لا مثيل لها والتي استشهد في إحداها فقط اثنان وسبعون شخصا من كبار القادة ورجال الثورة ، بما فيهم عدد من الوزراء والعديد من ممثلي مجلس الشورى وعدد من كبار المسئولين ورجل الثورة الفذ الشهيد بهشتي ، واستشهد في حادث آخر رئيس الجمهورية ورئيس الوزراء معا كل هذا لم يزد شعبنا إلا إيمانا بالله وتوكلا عليه كما سبب في تصعيد غضبه الثوري 0

أما الانقلاب العسكري الذي يعتبر تجربة دموية تقليدية مألوفة تدبره القوى العظمى لمواجهة كل الثورات فقد دبر لمرات عديدة في إيران وفي إحدى المرات تطور حتى وصل إلى مرحلة بالغت الخطورة قريبة من النجاح ، ولولا وعي الساهرين على هذه الثورة ودعم الشعب لدخل اقتراح الجنرال الأمريكي لصنع حمامات الدم والمجازر المليونية حيز التنفيذ ولأكثر من مره 0

يتبع 00000