نظر الحسين (عليه السلام) إلى الجيش الزاحف، وتأمّل به طويلاً، وهو لم يزل كالطـود الشامخ، قد اطمأنّت نفسه، وهانت دنيا الباطل في عينه، وتصاغر الجيش أمامه، فكان وأصحابه كما قال الشاعر فيهم:
لَبَسوا القلوبَ على الدّروعِ وأقبَلوا *** يَتهافَـتونَ على ذهـابِ الأنفُس
فلم تُرهِبْهُ كثرةُ الجيوش، ولم توهنْ عزيمتَهُ كثافةُ الصِّفاح والأسنّة، بل استشرق من عليائه الرّوحي المتعال، ورفع يدي الضّراعة والابتهال إلى الله سبحانه، وراحَ يُناجي:
(اللّهمَّ ! أَنتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْب، وَأَنتَ رَجائي في كُلِّ شِدَّة، وَأَنتَ لي في كُلِّ أمر نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وَعُدَّةٌ، كَمْ مِن همٍّ يَضْعُفُ فِيهِ الفُؤادُ، وَتَقلُّ فِيهِ الحِيلَةُ، وَيَخْذِلُ فِيهِ الصَّدِيقُ، وَيشمتُ فِيهِ العَدُوُّ، أَنزَلتُهُ بِكَ وَشَكوتُهُ إِليكَ، رَغْبَةً مِنِّي إِليكَ عَمَّن سِوَاكَ، فَفَرَّجْتَهُ عَنِّي وَكَشَـفْتَهُ، فَأنْتَ وَليُّ كُلِّ نِعْمَـة، وَصَاحِبُ كُلِّ حَسـنَة، وَمُنتَهى كُلِّ رَغْبَة)(5).
المفضلات