واليوم مع شهيد المحراب الثاني

وهو آية الله العظمى
سيد أسد الله المدني (رحمه الله)



ولادته ودراسته

ولد آية الله السيد أسد الله المدني عام 1323هــ ق [1293هــ ش] في ‏دهخوارقيان (آذرشهر). والده المرحوم آقامير علي كان بزازاً في سوق آذرشهر. ‏
فقد الشهيد المدني أمه في سن الرابعة عشرة وأباه في السادسة عشرة وقضى ‏صباه في معاناة وصعوبة.‏
قصد في عنفوان شبابه مدينة قم المقدسة لطلب العلم والكمال، وانهمك في دراسة ‏العلوم الدينية على الرغم من مشكلاته الشخصية لفقدانه والده واستبداد الشاه رضا ‏خان في عصره. ‏
وبعد أن أنهى المرحلة التمهيدية (المقدمات) أخذ يدرس لدى كبار أساتذة الفقه ‏والأصول والفلسفة. فحضر مدة دروس آية الله حجت كوه كمري رحمه الله وآية ‏الله السيد محمد تقي الخونساري رحمه الله، كما حضر مدة أربع سنوات دروس ‏الفلسفة والعرفان والأخلاق لدى الإمام الخميني (قدس سره). ‏
وبعد مدة، هاجر السيد أسد الله المدني إلى النجف الأشرف، وأخذ إلى جانب ‏مواصلة دروسه في المراحل العليا بإعطاء دروس في مرحلة السطح ( المرحلة ‏المتوسطة)، واستلم بأمر السيد الحكيم رحمه الله مقعد تدريس اللمعة والرسائل ‏والمكاسب والكفاية ليصبح خلال فترة وجيزة أحد الأساتذة المعروفين في الحوزة ‏العلمية في النجف الأشرف. لقد حضر شهيد المحراب في النجف الأشرف دروس ‏البحث الخارج للمرحوم آية الله السيد عبد الهادي الشيرازي رحمه الله والمرحوم ‏آية الله السيد الحكيم رحمه الله والمرحوم آية الله السيد الخوئي رحمه الله، كما ‏حصل على إجازة اجتهاد من كبار المراجع كآية الله السيد الحكيم في النجف وآية ‏الله حجت كوه كمري في قم، وآية الله الخوانساري. ‏

*******

أيام الجهاد الأولى

بدأ الشهيد الكبير آية الله المدني جهاده السياسي والاجتماعي في أيام دراسته في ‏مدينة الجهاد والشهادة قم، فكان أول نشاط له هو مواجهته للبهائية كعنصر تفرقة ‏وانحراف في منطقة آذرشهر. ‏
وتمكن أخيراً من تطهير مدينة آذرشهر الدينية من لوث هذه الفرقة الاستعمارية. ‏
دخل آية الله المدني ساحة الجهاد السياسي والاجتماعي منذ أيام شبابه، فكان على ‏علاقة بآية الله الكاشاني. ‏
ولم يغفل آية الله المدني وهو يمارس نشاطه العلمي في الحوزة العلمية في النجف، ‏لحظه واحدة عن النشاط السياسي، وكان دوماً الرائد في القضايا السياسية الجهادية ‏ضد نظام الطاغوت في ايران. ‏
وفي العام 1342هــ ش [1963م] بدأ الشعب الإيراني المسلم حركته الكبرى ‏بقيادة الإمام الخميني للإطاحة بنظام الشاه، فكان آية الله المدني أول من لبى نداء ‏الإمام "هل من ناصر ينصرني" في النجف، إذ عطل دروسه وأقام مجالس الخطابة ‏للكشف عن الوجه الكريه للنظام البهلوي الغاشم. ‏

*******

فتنة حزب الشعب المسلم

بعد نصب آية الله المدني لإمامة جمعة مدينة تبريز، واجه مشكلة حزب الشعب ‏المسلم الذي اتخذت منه تيارات مختلفة غطاءً لمحاربة الثورة، إلا أن وعي سكان ‏محافظة أذربيجان ومكانة آية الله المدني لديهم أدت إلى إفشال هذه المؤامرة. ‏
ويمكن اعتبار أصعب الأيام التي عاشها آية الله المدني هي تلك الأيام التي وجد ‏نفسه فيها وسط اضطرابات حزب الشعب المسلم. وفي هذه الأحداث الخطرة، ‏قامت هذه المجموعة المضادة للثورة بتهديده عدة مرات. فقد أحرقوا موقع صلاة ‏الجمعة، ومنعوا عن إقامة الصلاة، ولكن آية الله المدني سار في يوم الجمعة أمام ‏الناس وهو يرتدي الكفن وقال: مادمت حياً وممثلاً عن الإمام في هذه المدينة فإني ‏سأقيم صلاة الجمعة. ‏

*******

يا بني، أنت مقتول

خط الشهادة الأحمر هو خط آل علي عليهم السلام، وهذا الوسام قد انتقل من أهل ‏بيت النبوة والولاية إلى ذريتهم الطيبة والسائرين على خطاهم. قبل استشهاده ‏بسنوات كان آية الله المدني في الصف الأول من ميادين الجهاد. فقبل الثورة كان ‏يقف بوجه نظام الشاه الجائر، وبعد الثورة كان يواجه عملاء وجواسيس أمريكا ‏كسد منيع ويدافع عن حريم الإسلام والقرآن. فحافظ على صلاة الجمعة باعتبارها ‏أحد أهم مواقع الثورة. كان آية الله المدني قد عُيّن إماماً للجمعة في تبريز من بعد ‏شهادة آية الله القاضي الطباطبائي. إلا أن عملاء أمريكا أخذوا باغتيال أنصار ‏الإمام حيث كان العشرون من الشهر السادس الإيراني(شهريور) عام 1360هـ ‏ش موعد رجل آخر من أهل المعنى والمعرفة. في الساعة(1.54) من بعد الظهر ‏وبعد أن انتهت خطبتي صلاة الجمعة و الصلاة، كانت هناك مجموعة من أفراد ‏الشرطة تريد الذهاب إلى جبهات القتال وقد طلبوا منه تقديم بعض الإرشادات ‏إليهم. في هذه الأثناء أخذ آية الله المدني بصلاة ركعتين فرادى في مصلاه، إذ قام ‏منافق أعمى القلب خارجي المذهب من بين الناس وتوجه إلى المحراب ليمسك ‏بعضد آية الله المدني ويقطع صلاته. في هذه الأثناء هرع من حوله نحو هذا ‏الشخص، ولكن قبل وصولهم إليه كان هو قد سحب ضامن قنبلة يدوية أخفاها في ‏لباسه، وانفجرت القنبلة اليدوية بشكل فضيع ليرحل إلى لقاء الله رجل صالح ‏وعارف مؤثر وإنسان مثالي. فحاول الناس والأطباء ولكن من دون جدوى، فرحل ‏إمام جمعة تبريز مع ثلاثة من الشهداء، وجرح أكثر من خمسين مؤمناً من ‏المصلين. ولابد أن نقول هنا إن شهادة رجال كآية الله المدني كان لها فعلها في ‏عزل أعداء الثورة والمنافقين بالكامل. ‏

*******

زهده وتقواه

كان آية الله المدني إنساناً ورعاً زاهداً لم تنسه المناصب والمقامات يوماً الزهد ‏وبساطة العيش. فالحياة البسيطة غير المتكلفة كانت من سمات هذا العالم الرباني. ‏وإذا دعي إلى مكان كان يشترط أولاً ألا توضع في السفرة ألوان الطعام، وإذا ‏جاءوا بأكثر من نوع من الطبيخ اعترض عليهم. وكان هو يطعم الضيف من ‏طعامه البسيط الذي اعتاد على أكله. كان يراعي زي العلماء بكل معنى الكلمة، ‏ويحارب حياة البذخ علناً وعملاً. ‏
حياته البسيطة وتقواه كانت من خصاله المعروفة التي يتحدث بها العامة والخاصة. ‏كان يعيش كأفقر الناس في وقت هو فيه أمين أموال الناس حيث تأتيه الأموال ‏الشرعية من المدن الكبرى في إيران، إلا أنه لم يكن ليمد يده إليها أبداً. عندما كان ‏يقول له أصدقاؤه إن لك حقاً في الانتفاع بهذه الأموال، فلماذا لا تنتفع بها؟
يجيب: ‏أشهد الله أني لم استعملها إلى الآن ولن استعملها إلا في حال الاضطرار. ‏
كان ديدنه الاقتصاد في مختلف أبعاد حياته ناظراً في ذلك إلى من حوله من ‏الناس. في أوائل الحرب عندما رأى الناس يعانون قلة النفط ترك هو استخدامه، ‏ومرّ به الشتاء وهو يرتدي جبة من صوف. وفي الوقت الذي لم يكن بمستطاع ‏الناس جميعاً أكل اللحم، لم يكن هو يأكل اللحم أبداً. ‏

*******

تهذيب النفس

آية الله المدني مثال الأخلاق وتجسيد العرفان. لسانه وعمله تتجلى فيهما الأخلاق ‏وعمق الإيمان وبعد النظر في معرفة الإسلام. كان آية الله المدني يولي اهتماماً ‏قبل كل شيء بتهذيب النفس والتقوى، بل ويرى أن الانتصار على الأعداء ‏والطواغيت إنما يجدي فيما إذا كان مصحوباً بالتقوى والصلاح.
كان يقول: علينا ‏أن نعلم أننا إنما ننتفع بهذا الانتصار إذا ما كنا نحن قد أصلحنا أنفسنا، بمعنى أنه ‏إذا لم تصلح نفوسنا فإنه لن يجدينا الانتصار مهما بلغ، الإطاحة بالطواغيت إنما ‏تجدينا نفعاً إذا ما استقرت في أبداننا حكومة الله وأزيلت حكومة الطاغوت. ‏
تقول بنت الشهيد حول أدعية هذا العارف العاشق في منتصف الليل: من الطبيعي ‏أنه إذا أراد أحد اختبار شخص ما من حيث معرفته بالله، فالأفضل معرفته من ‏خلال عبادته وأدائه للفرائض، أي الأدعية يختار بعد الصلاة أو في منتصف الليل، ‏وهل يعمل بها أو لا؟ كان أبي في اختيار الأدعية دقيقاً جداً. كان يختار من ‏الأدعية ما يقل فيه ذكر الدنيا، ما يقل فيه ذكر الجنة. كان يدعو بما فيه قرب الله ‏ورضاه ويعمل ويلتزم به بكل قوة. هذه هي التي أوصلته إلى حد لم يبق في ‏وجوده مكان للبخل والحقد والحسد. ‏


فالسلام عليك يا سيدنا يوم ولدت ويوم استشهدت راضياً مرضيا ويوم تبعث حيا.........وجزاك الله عن الإسلام ومذهب آل البيت خير الجزاء

والسلام