معاشر الناس! قد استشهدت الله و بلغتكم رسالتى، و ما على الرسول إلا البلاغ المبين. معاشر الناس! (اتقوا الله حق تقاته و لا تموتن إلا و أنتم مسلمون) (آلعمران، 102). معاشر الناس! آمنوا بالله و رسوله و النور الذى أنزل معه من قبل أن نطمس وجوها فنردها على أدبارها. معاشر الناس! النور من الله عز و جل فى، ثم مسلوك فى على ثم فى النسل منه الى القائم المهدى الذى يأخذ بحق الله و بكل حق هو لنا، لان الله عز و جل قد جعلنا حجة على المقصرين و المعاندين و المخالفين و الخائنين و الاثمين و الظالمين من جميع العالمين . معاشر الناس! أنذركم أنى رسول الله قد خلت من قبلى الرسل أفإن مت أو قتلت انقلبتم على أعقابكم و من ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئا و سيجزى الله الشاكرين، ألا و إن عليا [هو] الموصوف بالصبر و الشكر، ثم من بعده ولدى من صلبه. معاشر الناس! لا تمنوا على الله إسلامكم فيسخط عليكم و يصيبكم بعذاب من عنده إنه لبالمرصاد. معاشر الناس! [إنه] سيكون من بعدى أئمة يدعون الى النار و يوم القيامة لا ينصرون. معاشر الناس! إن الله و أنا بريئان منهم. معاشر الناس! إنهم و أنصارهم وأشياعهم و أتباعهم فى الدرك الأسفل من النار و لبئس مثوى المتكبرين، ألا إنهم أصحاب الصحيفة فلينظر أحدكم فى صحيفته. قال: فذهب على الناس إلا شر ذمة منهم أمر الصحيفة. معاشر الناس! انى أدعها إمامة و وراثة فى عقبى إلى يوم القيامة، و قد بلغت ما أمرت بتبليغه حجة على كل حاضر و غائب و على كل أحد ممن شهد او لم يشهد ولد أو لم يولد، فيبلغ الحاضر الغائب، و الوالد الولد الى يوم القيامة، و سيجعلونها ملكا و اعتصابا، ألا لعن الله الغاصبين و المغتصبين، و عندها (سنفرغ لكم أيها الثقلان) (الرحمن، 30) (فيرسل عليكما شواظ من نار و نحاس فلا تنتصران) (الرحمن، 35) . معاشر الناس إن الله عز و جل لم يكن يذركم على ما أنتم عليه حتى يميز الخبيث من الطيب، و ما كان الله ليطلعكم على الغيب. معاشر الناس! إنه ما من قرية إلا و الله مهلكها بتكذيبها، و كذلك يهلك القرى و هى ظالمة كما ذكر الله تعالى، و هذا على إمامكم و وليكم، و هو مواعيد الله و الله يصدق ما وعده. معاشر الناس! قد ضل قبلكم أكثر الأولين، و الله لقد أهلك الأولين و هو مهلك الآخرين، قال الله تعالى: (ألم نهلك الأولين * ثم نتبعهم الآخرين * كذلك نفعل بالمجرمين * ويل يومئذ للمكذبين) (المرسلات، 16 ـ 19). معاشر الناس! إن الله قد أمرنى و نهانى، و قد أمرت عليا و نهيته، فعلم الأمر و النهى من ربه عز و جل، فاسمعوا لأمره تسلموا، و أطيعوا تهتدوا، و انتهوا نهيه ترشدوا، و صيروا إلى مراده و لا تتفرق بكم السبل عن سبيله. معاشر الناس! أنا صراط الله المستقيم الذى أمركم باتباعه، ثم على من بعدى، ثم ولدى من صلبه أئمة يهدون بالحق و به يعدلون، (ثم قرأ:) (الحمد لله رب العالمين...) (الفاتحة) (و قال:) فى نزلت و فيهم نزلت و لهم عمت و إياهم خصت، أولئك أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون. ألا إن حزب الله هم الغالبون. ألا ان أعداء على هم أهل الشقاق و النفاق و الحادون و هم العادون،و إخوان الشياطين الذين يوحى بعضهم إلى بعض زخرف القول غرورا. ألا إن أولياءهم الذين ذكرهم الله فى كتابه فقال عز و جل : (لا تجد قوما يؤمنون بالله و اليوم الآخر يوادون من حاد الله و رسوله...) (المجادلة، 22). ألا إن أولياءهم الذين وصفهم الله عز و جل فقال: (و الذين آمنوا و لم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الامن و هم مهتدون) (الأنعام، 82). ألا إن أولياءهم الذين يدخلون الجنة آمنين، و تتلقاهم الملائكة بالتسليم أن: (طبتم فادخلوها خالدين) (الزمر، 73). ألا إن أولياءهم الذين قال [لهم] الله عز و جل: (يدخلون الجنة يرزقون فيها بغير حساب) (الغافر، 40). ألا إن أعداءهم يصلون سعيرا. ألا أن أعداءهم الذين يسمعون لجهنم شيهقا و هى تفور و لها زفير. ألا إن أعداءهم الذين قال الله فيهم: (كلما دخلت أمة لعنت أختها) (الأعراف، 38). ألا إن أعداءهم الذين قال الله عز و جل: (كلما ألقى فيها فوج سألهم خزنتها ألم يأتكم نذير * قالوا بلى قد جاءنا نذير فكذبنا و قلنا ما نزل الله من شئ إن أنتم إلا فى ضلال كبير) (الملك، 8 ـ 9). ألا إن أولياءهم الذين يخشون ربهم بالغيب لهم مغفرة و أجر كبير. معاشر الناس! شتان ما بين السعير و الجنة، عدونا من ذمه الله و لعنه، و ولينا من مدحه الله و أحبه. معاشر الناس! ألا و إنى مندر و على هاد. معاشر الناس! إنى نبى و على وصيى. ألا إن خاتم الائمة منا القائم المهدى صلوات الله عليه. ألا إنه الظاهر على الدين. ألا إنه المنتقم من الظالمين. ألا إنه فاتح الحصون و هادمها. ألا إنه قاتل كل قبيلة من أهل الشرك. ألا إنه المدرك بكل ثار لأولياء الله عز و جل. ألا إنه الناصر لدين الله. ألا إنه الغراف فى بحر عميق. ألا إنه يسم كل ذى فضل بفضله و كل ذى جهل بجلهه . ألا إنه خيرة الله و مختاره. ألا إنه وارث كل علم و المحيط به. ألا إنه المخبر عن ربه عز و جل و المنبه بأمر ايمانه. ألا إنه الرشيد السديد. ألا إنه المفوض اليه. ألا إنه قد بشر به من سلف بين يديه. ألا إنه الباقى حجة و لا حجة بعده، و لا حق الا معه، و لا نور إلا عنده. ألا إنه لا غالب له و لا منصور عليه. ألا و إنه ولى الله فى أرضه، و حكمه فى خلقه، و أمينه فى سره و علانيته. معاشر الناس! قد بينت لكم و أفهمتكم، و هذا على يفهمكم بعدى. ألا و أنى عند انقضاء خطبتى أدعوكم الى مصافقتى على بيعته و الاقرار به، ثم مصافقته بعدى. ألا و أنى بايعت الله و على قد بايعنى، و أنا آخذكم بالبيعة له عن الله عز و جل (فمن نكث فإنما ينكث على نفسه) (الفتح، 10). معاشر الناس! (ان الصفا و المروة من شعائر الله فمن حج البيت أو اعتمر فلا جناح عليه أن يطوف بهما) (البقرة، 158) . معاشر الناس! حجوا البيت، فما ورده أهل بيت إلا استغنوا، و لا تخلفوا عنه إلا افتقروا . معاشر الناس! ما وقف بالموقف مؤمن إلا غفر الله له ما سلف من ذنبه الى وقته ذلك، فإذا انقضت حجته استؤنف عمله. معاشر الناس! الحجاج معانون و نفقاتهم مخلفة، و الله لا يضيع أجر المحسنين. معاشر الناس! حجوا البيت بكمال الدين و التفقه، و لا تنصرفوا عن المشاهد إلا بتوبة و إقلاع. معاشر الناس! أقيموا الصلاة و أتو الزكاة كما أمركم الله عز و جل، فلئن طال عليكم الامد فقصرتم أونسيتم، فعلى وليكم، و مبين لكم الذى نصبه الله عز و جل بعدى، و من خلفه الله منى و أنا منه، يخبركم بما تسألون عنه، و يبين لكم ما لا تعلمون . ألا إن الحلال و الحرام أكثر من أن أحصيهما و أعرفهما، فآمر بالحلال و أنهى عن الحرام فى مقام واحد، فأمرت أن آخذ البيعة منكم و الصفقة لكم بقبول ما جئت به عن الله عز و جل فى على أمير المؤمنين و الائمة من بعده الذين هم منى و منه، ائمة قائمة منهم المهدى ـ إلى يوم القيامة الذى يقضى بالحق. معاشر الناس! [و] كل حلال دللتكم عليه، و كل حرام نهيتكم عنه، فإنى لم أرجع عن ذلك و لم أبدل. ألا فاذكروا ذلك و حفظوه و تواصوا به و لا تبدلوا و لا تغيروه. ألا و إنى أجدد القول: ألا فأقيموا الصلاة و آتوا الزكاة و امروا بالمعروف و انهوا عن المنكر. ألا و إن رأس الأمر بالمعروف و النهى عن المنكر أن تنتهوا إلى قولى و تبلغوه من لم يحضر و تأمروه بقبوله و تنهوه عن مخالفته، فإنه أمر من الله عز و جل و منى، و لا أمر بمعروف و لا نهى عن منكر إلا مع إمام معصوم. معاشر الناس! القرآن يعرفكم أن الائمة من بعده ولده، و عرفتكم أنهم منى و منه، حيث يقول الله فى كتابه: (و جعلها كلمة باقية فى عقبه) (الزخرف، 28) و قلت: «لن تضلوا ما إن تمسكتم بهما». معاشر الناس! التقوى التقوى، احذروا الساعة كما قال الله عز و جل: (إن زلزلة الساعة شىء عظيم) (الحج، 1) اذكروا الممات و الحساب و الموازين و المحاسبة بين يدى رب العالمين و الثواب و العقاب، فمن جاء بالحسنة أثيب [عليها]و من جاء بالسيئة فليس له فى الجنان نصيب. معاشر الناس! إنكم أكثر من أن تصافقونى بكف واحدة، و قد أمرنى الله عز و جل أن آخذ من ألسنتك الإقرار بما عقدت لعلى من إمرة المؤمنين، و من جاء بعده من الائمة منى و منه على ما أعلمتكم أن ذريتى من صلبه، فقولوا بأجمعكم: «إنا سامعون مطيعون راضون منقادون لما بلغت عن ربنا و ربك فى أمر على و أمر ولده من صلبه من الائمة، نبايعك على ذلك بقلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و أيدينا، على ذلك نحيى و نموت و نبعث، و لا نغير و لا نبدل و لا نشك و لا نرتاب، و لا نرجع عن عهد و لا ننقضى الميثاق و نطيع الله و نطيعك و عليا أمير المؤمنين و ولده الائمة الذين ذكرتهم من ذريتك من صلبه بعد الحسن و الحسين» اللذين قد عرفتكم مكانهما منى و محلهما عندى و منزلتهما من ربى عز و جل، فقد أديت ذلك إليكم، و أنهما سيدا شباب أهل الجنة، و أنهما الامامان بعد أبيهما على و أنا أبوهما قبله. و قولوا: «أطعنا الله بذلك و إياك و عليا و الحسن و الحسين و الائمة الذين ذكرت، عهدا و ميثاقا مأخوذا لأمير المؤمنين من قلوبنا و أنفسنا و ألسنتنا و مصافقة أيدينا من أدركهما بيده و أقر بهما بلسانه و لا نبتغى بذلك بدلا و لا نرى من أنفسنا عنه حولا أبدا، أشهدنا الله و كفى بالله شهيدا، و أنت علينا به شهيد، و كل من أطاع ممن ظهر و استتر و ملائكة الله و جنوده و عبيده و الله اكبر من كل شهيد». معاشر الناس! ما تقولون؟ فإن الله يعلم كل صوت و خافية كل نفس (فمن اهتدى فلنفسه و من ضل فإنما يضل عليها) (الزمر، 39)، و من بايع فإنما يبايع الله (يد الله فوق أيديهم) (الفتح، 10). معاشر الناس! فاتقو الله و بايعوا عليا أميرالمؤمنين و الحسن و الحسين و الائمة كلمة طيبة باقية، يهلك الله من غدر، و يرحم الله من وفى (فمن نكث فانما ينكث على نفسه) (الفتح، 10). معاشر الناس! قولوا الذى قلت لكم، و سلموا على على بإمرة المؤمنين، و قولوا: (سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير) (البقرة، 285)، و قولوا: (الحمد لله الذى هدانا لهذا و ما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله) (الأعراف، 43). معاشر الناس! ان فضائل على بنابىطالب عليه السلام عند الله عز و جل و قد أنزلها القرآن أكثر من أن أحصيها فى مقام واحد، فمن أنبأكم و عرفها فصدقوه. معاشر الناس! من يطع الله و رسوله و عليا و الائمة الذين ذكرتهم فقد فاز فورا عظيما. معاشر الناس! السابقون [السابقون] إلى مبايعته و موالاته و التسليم عليه بإمرة المؤمنين، أولئك هم الفائزون فى جنات النعيم. معاشر الناس! قولوا ما يرضى الله به عنكم من القول، فإن تكفروا أنتم و من فى الأرض جميعا فلن يضر الله شيئا، اللهم اغفر للمؤمنين واغضب على الكافرين و الحمد لله رب العالمين.
الاحتجاج / تأليف ابى منصور احمد بن على بنابىطالب الطبرسى (من علماء القرن السادس)
المفضلات