السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

نبارك لكم عيد الغدير الأغر ونسأل الله أن يعيده علينا باليمن والبركات


نص خطبه الغدير



الحمد لله الذى علا فى توحده، و دنا فى تفرده، و جل فى سلطانه، و عظم فى أركانه، و أحاط بكل شئ علما و هو فى مكانه، و قهر جميع الخلق بقدرته و برهانه، مجيدا لم يزل، محمودا لا يزال، بارئ المسموكات و داحى المدحوات و جبار الارض و السماوات، قدوس سبوح رب الملائكة و الروح، متفضل على جميع من برأه، متطول على من أدناه، يلحظ كل عين و العيون لا تراه، كريم حليم ذو أناة، قد وسع كل شئ رحمته، و من عليهم بنعمته، لا يعجل بانتقامه، و لا يبادر إليهم بما استحقوا من عذابه، قد فهم السرائر و علم الضمائر، و لم تخف عليه المكنونات، و لا اشتبهت عليه الخفيات، له الاحاطة بكل شئ‏و الغلبة على كل شئ، و القوة فى كل شئ، و القدرة على كل شئ، و ليس مثله شئ، و هو منشئ الشئ حين لا شئ، دائم قائم بالقسط،لا اله الا هو العزيز الحكيم، جل عن أن تدركه الابصار و هو يدرك الابصار و هو اللطيف الخبير، لا يلحق أحد وصفه من معاينة، و لا يجد أحد كيف هو من سر و علانية الا بما دل عز و جل على نفسه.

و أشهد بأنه الله الذى ملأ الدهر قدسه، و الذى يعشى الأبد نوره، و الذى ينفذ امره بلا مشاورة مشير و لا معه شريك فى تقدير و لا تفاوت فى تدبير، صور ما أبدع على غير مثال، و خلق ما خلق بلا معونة من أحد و لا تكلف و لا احتيال، أنشأها فكانت، و برأها فبانت، فهو الله الذى لا اله الا هو المتقن الذى أحسن الصنيعة، العدل الذى لا يجور، و الاكرم الذى ترجع اليه الامور. و أشهد أنه الذى تواضع كل شئ لقدرته، و خضع كل شئ لهيبته، مالك الاملاك، و مفلك الافلاك و مسخر الشمس و القمر، كل يجرى لأجل مسمى، يكور الليل على النهار و يكور النهار على الليل يطلبه حثيثا، قاصم كل جبار عنيد، و مهلك كل شيطان مريد، لم يكن معه ضد و لا ند، أحد صمد لم يلد و لم يولد، و لم يكن له كفوا أحد، إله واحد و رب ماجد، يشاء فيمضي و يريد فيقضى، و يعلم فيحصى، و يميت و يحيى، و يفقر و يغنى، و يضحك و يبكى، و يمنع و يعطى، له الملك و له الحمد بيده الخير و هو على كل شئ قدير. يولج الليل فى النهار و يولج النهار فى الليل لا إله إلا هو العزيز الغفار، مجيب الدعاء و مجزل العطاء، محصى الانفاس و رب الجنة و الناس، لا يشكل عليه شئ و لا يضجره صراخ المستصرخين و لا يبرمه إلحاح الملحين، العاصم للصالحين ، الموفق للمفلحين و مولى العالمين، الذى استحق من كل خلق أن يشكره و يحمده.

احمده على السراء و الضراء و الشدة و الرخاء، و أؤمن به و بملائكته و كتبه و رسله، أسمع أمره و أطيع و أبادر الى كل ما يرضاه، و أستسلم لقضائه رغبة فى طاعته و خوفا من عقوبته، لانه الله الذى لا يؤمن مكره و لا يخاف جوره، [و] أقر له على نفسى بالعبودية، و أشهد له بالربوبية، و أؤدى ما أوحى الى حذرا من أن لا أفعل فتحل بى منه قارعة لا يدفعها عنى أحد و ان عظمت حيلته. لا اله الا هو، لانه قد أعلمنى [أنى‏] ان لم أبلغ ما أنزل الى فما بلغت رسالته، و قد ضمن لى تبارك و تعالى العصمة، و هو الله الكافى الكريم، فأوحى الى: بسم الله الرحمن الرحيم (يا أيها الرسول بلغ ما انزل اليك من ربك) فى على ـ يعنى فى الخلافة لعلى بن أبى طالب عليه السلام (و ان لم تفعل فما بلغت رسالته و الله يعصمك من الناس) (المائدة، 67). معاشر الناس! ما قصرت فى تبليغ ما أنزل الله تعالى الى و أنا مبين لكم سبب نزول هذه الآية، أن جبرئيل عليه السلام هبط الى مرارا ثلاثا يأمرنى عن السلام ربى ـ و هو السلام ـ أن أقوم فى هذا المشهد فأعلم كل أبيض و أسود أن على بن‏أبى‏طالب عليه السلام أخى و وصيى و خليفتى، و الامام من بعدى، الذى محله منى محل هارون من موسى إلا أنه لا نبى بعدى، و هو وليكم بعد الله و رسوله، و قد أنزل الله تبارك و تعالى على بذلك آية من كتابه: (انما وليكم الله و رسوله و الذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة و يؤتون الزكاة و هم راكعون) (المائدة، 55). و على بن أبى‏طالب عليه السلام أقام الصلاة و آتى الزكاة و هو راكع يريد الله عز و جل فى كل حال. و سألت جبرئيل أن يستعفى لى عن تبليغ ذلك إليكم أيها الناس لعلمى بقلة المتقين و كثرة المنافقين و إدغال الآثمين و ختل المستهزئين بالإسلام الذين وصفهم الله فى كتابه بأنهم يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم و يحسبونه هينا و هو عندالله عظيم، و كثرة أذاهم لى غير مرة حتى سمونى أدنا، و زعموا أنى كذلك لكثرة ملازمته إياى و إقبالى عليه، حتى أنزل الله عز و جل فى ذلك [قرآنا]: (و منهم الذين يؤذون النبى و يقولون هو أذن قل أذن ـ على الذين يزعمون أنه أذن ـ خير لكم يؤمن بالله و يؤمن للمؤمنين) (التوبة، 61). و لو شئت أن أسمى بأسمائهم لسميت، و أن أومى إليهم بأعيانهم لأومأت، و أن أدل عليهم لدللت، و لكنى و الله فى أمورهم قد تكرمت، و كل ذلك لا يرضى الله منى الا أن أبلغ ما أنزل إلى، ثم تلى صلى الله عليه و آله و سلم: (يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك ـ فى على ـ و إن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس) . فاعلموا معاشر الناس! إن الله قد نصبه لكم وليا و إماما مفترضا طاعته على المهاجرين و الانصار و على التابعين لهم بإحسان، و على البادى و الحاضر و على الأعجمى و العربى، و الحر و المملوك، و الصغير و الكبير، و على الأبيض و الأسود، و على كل موحد، ماض حكمه، جائز قوله، نافذ امره، ملعون من خالفه، مرحوم من تبعه، و من صدقه فقد غفر الله له و لمن سمع منه و أطاع له. معاشر الناس! إنه آخر مقام أقومه فى هذا المشهد، فاسمعوا و أطيعوا و انقادوا لامر ربكم، فإن الله عز و جل هو مولاكم و إلهكم، ثم من دونه رسوله محمد صلى الله عليه و آله و سلم وليكم القائم المخاطب لكم، ثم من بعدى على وليكم و إمامكم بأمر الله ربكم، ثم الامامة فى ذريتى من ولده الى يوم تلقون الله عز و جل و رسوله، لا حلال إلا ما أحله الله، و لا حرام إلا ما حرمه الله، عرفنى الحلال و الحرام، و أنا أفضيت بما علمنى ربى من كتابه و حلاله و حرامه اليه. معاشر الناس! ما من علم إلا و قد أحصاه الله فى، و كل علم علمت فقد أحصيته فى إمام المتقين، و ما من علم إلا علمته عليا، و هو الإمام المبين. معاشر الناس! لا تضلوا عنه و لا تنفروا منه، و لا تستنكفوا من ولايته، فهو الذى يهدى إلى الحق و يعمل به و يزهق الباطل و ينهى عنه، و لا تأخده فى الله لومة لائم، ثم إن أول من أمن بالله و رسوله، و [هو] الذى فدرى رسوله بنفسه و [هو] الذى كان مع رسول الله و لا أحد يعبد الله مع رسوله من الرجال غيره. معاشر الناس! فضلوه فقد فضله الله، و اقبلوه فقد نصبه الله. معاشر الناس! إنه إمام من الله، و لن يتوب الله على أحد أنكر ولايته، و لن يغفر الله له، حتما على الله أن يفعل ذلك بمن خالف أمره فيه، و أن يعذبه عذابا نكرا أبد الأبد و دهر الدهور، فاحذروا أن تخالفوه فتصلوا نارا وقودها الناس و الحجارة أعدت للكافرين. أيها الناس! بى والله بشر الأولون من النبيين و المرسلين، و أنا خاتم الانبياء و المرسلين، و الحجة على جميع المخلوقين من أهل السماوات و الأرضين، فمن شك فى ذلك فهو كافر كفر الجاهلية الأولى، و من شك فى شئ من قولى هذا، فقد شك فى الكل منه، و الشاك فى ذلك فله النار. معاشر الناس! حبانى الله بهذه الفضيلة منا منه على و إحسانا منه إلى، و لا إله إلا هو، له الحمد منى أبد الآبدين و درهر الداهرين على كل حال. معاشر الناس! فضلوا عليا فإنه أفضل الناس بعدى من ذكر و أنثى، بنا أنزل الله الرزق و بقى الخلق، ملعون ملعون مغضوب مغضوب من رد على قولى هذا و لم يوافقه، ألا إن جبرئيل خبرنى عن الله تعالى بذلك و يقول: «من عادى عليا و لم يتوله فعليه لعنتى و غضبنى، فلتنظر نفس ما قدمت لغد، و اتقوا الله أن تخالفوه فتزل قدم بعد ثبوتها إن الله خبير بما تعملون». معاشر الناس! إنه جنب الله الذى ذكر فى كتابه فقال تعالى: (أن تقول نفس يا حسرتا على ما فرطت فى جنب الله) (الزمر، 56) معاشر الناس! تدبروا القرآن و افهموا آياته، و انظروا إلى محكماته، و لا تتبعوا متشابهه، فوالله لن يبين لكم زواجره و لا يوضح لكم تفسيره إلا الذى أنا آخذ بيده و مصعده الى ـ و شائل بعضده ـ و معلمكم أن من كنت مولاه فهذا على مولاه، و هو على بن أبى‏طالب عليه السلام أخى و وصيى، و موالاته من الله عز و جل أنزلها على. معاشر الناس! إن عليا و الطيبين من ولدى هم الثقل الأصغر، و القرآن الثقل الاكبر، فكل واحد مبنى عن صاحبه و موافق له، لن يفترقا حتى يردإ؛ على الحوض، هم أمناء الله فى خلقه و حكماؤه فى أرضه. ألا و قد أديت، ألا و قد بلغت، ألا و قد أسمعت، ألا و قد أوضحت، ألا و إن الله عز و جل قال و أنا قلت عن الله عز و جل، ألا إنه ليس أميرالمؤمنين غير أخى هذا، و لا تحل إمرة المؤمنين بعدى لأحد غيره. (ثم ضرب بيده إلى عضده فرفعه، و كان منذ اول ما صعد رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم شال عليا حتى صارت رجله مع ركبة رسول الله صلى الله عليه و آله و سلم، ثم قال:) معاشر الناس! هذا على أخيى و وصيى و واعى علمى و خليفتى على أمتى و على تفسير كتاب الله عز و جل و الداعى إليه، و العامل بما يرضاه، و المحارب لأعدائه، و الموالى على طاعته، و الناهى عن معصيته، خليفة رسول الله و أميرالمؤمنين و الامام الهادى، و قاتل الناكثين و القاسطين و المارقين بأمر الله، أقول ما يبدل القول لدى بأمر ربى، أقول: اللهم وال من والاه، و عاد من عاداه و العن من أنكره و اغضب على من جحد حقه؛ اللهم إنك أنزلت على أن الامامة بعدى لعلى وليك عند تبيانى ذلك، و نصبى إياه بما أكملت لعبادك من دينهم و أتممت عليهم بنعمتك و رضيت لهم الاسلام دينا، فقلت: (و من يبتغ غير الاسلام دينا فلن يقبل منه و هو فى الآخرة من الخاسرين) (آل‏عمران، 85)؛ اللهم إنى أشهدك و كفى بك شهيدا أنى قد بلغت. معاشر الناس! إنما أكمل الله عز و جل دينكم بإمامته، فمن لم يأتم به و بمن يقوم مقامه من ولدى من صلبه الى يوم القيامة و العرض على الله عز و جل، فأولئك الذين حبطت أعمالهم و فى النار هم خالدون، لا يخفف عنهم العذاب و لا هم ينظرون. معاشر الناس ! هذا على انصركم لى و أحقكم بى و أقربكم إلى و أعزكم على، و الله عزو جل و أنا عنه راضيان، و ما نزلت آية رضى إلا فيه، و ما خاطب الله الذين آمنوا إلا بدأ به، و لا نزلت آية مدح فى القرآن إلا فيه، و لا شهد بالجنة فى (هل أتى على الإنسان) (الانسان ، 1) إلا له، و لا أنزلها فى سواه، و لا مدح بها غيره. معاشر الناس! هو ناصر دين الله و المجادل عن رسول الله، و هو التقى النقى الهادى المهدى، نبيكم خير نبى و و صيكم خير و صى و بنوه خير الأوصياء.

معاشر الناس! ذرية كل نبى من صلبه و ذريتى من صلب على. معاشر الناس! إن إبليس أخرج آدم من الجنة بالحسد، فلا تحسدوه فتحبط أعمالكم و تزل أقدامكم، فأن آدم أهبط إلى الأرض بخطيئة واحدة و هو صفوة الله عز و جل، فكيف بكم و أنتم أنتم و منكم أعداء الله، ألا إنه لا يبغض عليا إلا شقى و لا يتوالى عليا إلا تقى و لا يؤمن به إلا مؤمن مخلص، و فى على و الله نزلت سورة [و] العصر: (بسم الله الرحمن الرحيم. و العصر إن الإنسان لفى خسر...) (العصر، 1 ـ 3).