شكرا على المتابعه

سلام من الله عليكم

الحلقة السادسة



( الأنوركسيا )


تأملت سلوى المرأة التي تجلس في مواجهتها

والأوراق التي بين يديها لتقول : اعتقد بأن هناك خطأ , فالعمر الذي في الورق ....

ابتسمت المرأة وقالت قبل إن تكمل سلوى كلامها : بالحقيقة ليس هناك أي خطأ

فلست أنا المعنية به

أنها ابنتي إيمان وهي تجلس الآن بالخارج , أردت إن أحدثك على انفراد قبل إن تباشري معها

حركت سلوى رأسها إيجابا وقالت : تفضلي , أنا بالخدمة

تنهدت المرأة وقالت : بالحقيقة لا أعرف من أين ابدأ , ولم يكن الطبيب النفسي في حساباتنا أبدا ً

لكننا تعبنا مع إيمان ووجدنا بان مصلحتها فوق كل شيء لذلك تريني اليوم جالسة هنا

إيمان اليوم في الرابعة عشر من العمر كما قرأتِ

مشكلتها بدأت عندما كانت في الثانية عشر أي قبل سنتين

في البدء لم نلحظ شيئا كانت تفوت وجبات الغداء والعشاء

وبعدها تبعها الفطور وبعدها كل الوجبات الخفيفة

فأصبحت لا تأكل إلا بالإجبار وبالغصب
ثم زادت حالتها سوءاً وأصبح جسمها لا يتلقى الغذاء إلا في المتشفى من خلال الأنابيب التي تمدها بقليل من الجلوكوز

ومنذ ثلاثة شهور قمنا بإنقاذها من محاولة انتحار

ولم نعرف ماذا نعمل فوجدنا بأن السبيل الوحيد إن نلجأ للطبيب نفسي

فما رأيكِ يا دكتورة

تكلمت سلوى بكل هدوء : في البداية أهنئك بأنك أقدمتِ على هذه الخطوة , ولم تمنعك نظرة المجتمع من الحضور وأثرتي مصلحة ابنتك , سأحاول عمل جهدي لتتخلص إيمان من حالتها

فمرض فقدان الشهية منتشر كثيرا بين الفتيات , ولكن مما يبدو من كلامك بأن ابنتك قد وصلت لمرحلة متقدمة جدا منه ومع ذلك لن نيأس

فلتسدعي إيمان للدخول



تحركت أم إيمان من مكانها وخرجت

ولتعاود الدخول مع فتاة أقل ما يمكن القول عنها بأنها شبح إنسان

بوجهها المصفر الشاحب وجسمها النحيل جدا

تقدمت سلوى ناحيتها وقالت مبتسمة : تفضلي عزيزتي إيمان بالجلوس هنا لجواري

ونظرت لأم إيمان التي فهمت الإشارة وهمت بالخروج

وبمجرد خروج أم إيمان

التفت سلوى ناحية إيمان وقالت: اسمك جميل جدا فأنا أعشق هذا الاسم

لم تلتفت إيمان ولم تنطق بكلمة واحدة

فعاودت سلوى الحديث أخبريني يا إيمان , هل أجبرتك والدتكِ على الحضور

هنا التفت إيمان لسلوى وأشارت بحركة من رأسها ايجابيا

ضحكت سلوى وقالت : حسنا , سأخبرك سرا بيني وبينك ولا تخبري والدتك

لن أخضعك لأي فحص نفسي , وكل ما سنفعله هو التسلية مع بعضنا البعض

نطقت أخيرا إيمان : تسلية , وكيف سنتسلى

لتجيبها سلوى : ما هو الشيء الذي تحبين القيام به

لتجيب إيمان : ليس هناك شيء أحب القيام به

حركت سلوى رأسها يمينا ويسارا متأملة الغرفة حتى وقع بصرها على صندوق خشبي موجود أعلى خزانة الملفات

فتحركت من مكانها وأحضرته ثم تقدمت ناحية إيمان وقالت : سنتسلى بهذا , فما رأيكِ

نظرت إيمان لسلوى مستغربة وقالت : كيف

لتضحك سلوى : أنها لعبة قديمة , كل ما علينا إن نحضر ورقة وقلم

ونكتب شيء نعتقد بأن الشخص الآخر يفكر به , ونضع الأوراق في الصندوق ثم نبدأ بفتحها

ونرى من الذي يتمتع بحس التخاطر




تغيرت ملامح إيمان وبدت أكثر راحة وقالت : لم اسمع بهذه اللعبة من قبل , لكن يبدو بأنها مسلية

أشارت سلوى بحركة من يدها مسلية جدا , ومتأكدة بأني سأفوز عليكِ

ضحكت إيمان وقالت : لنرى

بدأت إيمان بالكتابة على الأوراق الصغيرة ومن ثم وضعها بداخل الصندوق وبالمثل سلوى

وبعد إن امتلئ الصندوق بالأوراق

قامت سلوى بخلط الأوراق جيدا ثم قدمت الصندوق لإيمان لتختار ورقة

أخذت إيمان ورقة وبمجرد فتحها اعتلت وجهها الحمرة

لتقول سلوى : اقرئيها

لتقول : إيمان أنتِ بارعة

لتضحك سلوى وتـأخذ الورقة من يد إيمان لتجد خطها وقد كتبت عليها

لم أتوقع إن تكون الطبيبة صغيرة في العمر فقد توقعتها عجوز ( ما تفكر به إيمان )

لتضحك سلوى وتقول : هيا جربي مرة أخرى

أخذت إيمان ورقة أخرى وهذه المرة كان الخط خط سلوى أيضا

وبدأت في قراءتها

هل تعتقد بأني غبية وبأنها ستهزئ مني وبأني لن اكتشف لعبتها وبأنها تريد استدراجي ( ما تفكر به إيمان)

نظرت إيمان لسلوى وقالت : أنتِ فعلا بارعة

ابتسمت سلوى وقالت : هيا جربي مرة أخرى أيضا

وسحبت إيمان ورقة أخرى وفتحتها لتجد هذه المرة خطها وقدمتها لسلوى وقالت : اقرئيها أنتِ

أخذتها سلوى وقرأتها : إلى أي نوع تنتمي هذه الفتاة ( ما تفكر به الطبيبة )

ضحكت سلوى وقالتِ أنتِ أيضا بارعة

واستمرت إيمان في سحب الأوراق الواحدة تلو الأخرى

فتارة تجد فكرتها وتارة فكرة سلوى

حتى وصلت إيمان للورقة التي كتبت عليها سلوى ( لماذا إيمان حزينة)

نظرت إيمان لسلوى ودمعت عيناها

ثم ازدادت دموع إيمان غزارة

اقتربت سلوى منها أكثر ومسحت دموعها بالمنديل

وقالت : لماذا تبكي يا حبيبتي , هدئي من نفسك

هيا الآن امسحي دموعك وأخرجي لوالدتك ولا تخبريها بسرنا

ابتسمت إيمان وأخفضت رأسها

وقامت مع سلوى لتوصلها لوالدتها التي تنتظر بالخارج

وفور خروجهما اتجهت أم إيمان ناحيتهما وعيونها معلقة على سلوى

قالت سلوى : إن إيمان ابنتك شخصية رائعة ولقد سعدت بالتعرف عليها , أرجو أن تحضريها غدا عند الساعة الرابعة مساء

فأطرقت أم إيمان رأسها ايجابيا وخرجت مع ابنتها




باليوم التالي حضرت إيمان مع والدتها على الموعد تماما

وتكلمت أم إيمان مع سلوى مستفسرة عن إيمان

فقالت سلوى : بالحقيقة مازال لدينا بعض الوقت , يجب اولا إن ابني جسرا بيني وبين إيمان حتى أستطيع إن أحوز على ثقتها , ثم نرى ماذا نستطيع فعله

وسوف اطلب منك طلب ارجوا ان لا تفهمي قصدي خطأ

أم إيمان : تفضلي

سلوى : لا أريدك إن تكلميني على انفراد أمام إيمان , وذلك حتى أحوز على ثقة إيمان الكاملة

أم إيمان : حسنا كما تشائين , ولكن كيف سأعرف عن تحسن حالتها

سلوى : يمكنك مهاتفتي وأخبرك أنا بكل التطورات

أم إيمان: حسنا , كما تريدين

خرجت أم إيمان ولتدخل بعدها إيمان

ابتسمت سلوى لها فور دخولها وقالت : أهلا وسهلا , تفضلي يا عزيزتي

أخبريني ماذا عملتي أمس بعد خروجك من هنا

لتجيب إيمان : لم أفعل شيئا

رفعت سلوى حاجبيها وقالت : معقول , إذا ماذا فعلتي اليوم في المدرسة , هل تحدثني مع رفيقاتك في المدرسة ولعبتي معهم

لم تجب إيمان ولم تحرك ساكنا

فعاودت سلوى الحديث : حسنا , مما يبدو إنه ليس هناك ما تخبريني به لذلك , سٍأخبرك بماذا حلمت البارحة

قالت إيمان : حسنا

ضحكت سلوى وقالت : حلمت بأني عدت فتاة صغيرة مشاغبة وبأن المعلمة قد وبختني لأني لم أنجز الواجب واستيقظت فزعة ولكني حمدت الله بأنه كان مجرد حلم

ضحكت إيمان

فقالت سلوى : وأنتِ بماذا حلمتي

تغيرت ملامح إيمان وقالت : لقد حلمت بكابوس

صمتت سلوى ثم قالت بحذر : وماذا كان

لتجيب إيمان : لقد حلمت باني فراشة جميلة زاهية الألوان حرة انطلق أينما أشاء بين سفوح الجبال والمروج الخضراء لأتمتع بجمال الطبيعة
وفجأة وبينما أنا أستريح على فرع شجرة جاء عصفور صغير والتهمني لأموت وتنتهي حياتي

نظرت سلوى لإيمان وقالت : ما الذي جعل العصفور يأكلك

لتجيب إيمان : إنه حب البقاء , لكي تعيش لابد إن تقتل الغير وأنا أكره إن يموت أي مخلوق حتى لو كان مجرد حيوان

لتقول سلوى : لهذا السبب أنتِ لا تـأكلي

أطلقت إيمان تنهيدة وقالت : أتعرفين الطائر المدعو أبو حن

لتجيب سلوى : بالحقيقة لا

لتقول إيمان : لهذا الطائر قصة مشهورة كان في يوم من الأيام يطير متجولا حتى مر ببحيرة يكاد يجف الماء فيها ووجد السمكات الجائعة

فذهب لاصطياد اليرقات وأحضرها ليطعم السمكات التي أكلت حتى شبعت

وبعد قليل جاء إنسان واصطاد تلك السمكات وبهذا يكون قد ضاع جهد الطائر هباء وبدل إن يساعد تلك السمكات على العيش جعلها أكثر سمنة ليستمتع بتناولها الإنسان

أتريدين مني إن أكون هكذا

صمتت سلوى التي فوجئت بحديث إيمان وحاولت إن تجد ثغرة تنفذ من خلاله

حتى قالت : ولكن يا إيمان أنتِ لم تفكري بتلك اليرقات التي أكلها السمك

أليس من حقها إن تعيش

لتجيب إيمان : إنها مجرد يرقات

ابتسمت سلوى وقالت : لكنها كانت ستكبر وتنتج حشرة

يا عزيزتي إيمان أنا أيضا لدي قصة سوف تعجبك فلتسمعيني جيدا

فأشارت إيمان برأسها علامة الإيجاب

وبدأت سلوى بالحديث : كانت هناك دجاجتان تعيشا في مزرعة

وقد سمعتا عن إنهما قد تذبحان وبذلك تكونان غذاء لإنسان فخافت إحداهما وهربت

ولكنها تعبت من التنقل فقررت العودة للمزرعة وعند عودتها شمت رائحة الشواء الشهي فسألت الكلب عن هذه الرائحة فقال لها : إنها رائحة شواء صديقتك

فقالت : أهذا ما يسمونه بالذبح هل عندما أذبح ستكون رائحتي جميلة هكذا وذهبت مسرعة تجري وراء المزارع وهي تقول أذبحني أذبحني لتكون رائحتي جميلة كهذه

ضحكت إيمان وقالت : يالها من غبية حمقاء

لتجيبها سلوى : لا أنها ليست غبية لكن لكل مخلوق هنا وظيفة فذهبت هي لتؤدي وظيفتها

فقالت إيمان : وكيف ذلك

لتجيب سلوى : تلك الدجاجة خلقها الله مهيئة لإنتاج البيض ليكون غذاء للإنسان وايضا جعل لحمها طري ولذيذ
فلو لم يأكل الإنسان بيضها أو لحمها لن يكون هناك معنى لوجودها وستحزن هي

لتصرخ إيمان : هل يعقل ذلك

لتقول سلوى : حسنا دعينا من تلك المسألة وأخبريني لو امتلىء دولابك بالملابس وكان فيه بعض الملابس القديمة فماذا ستفعلين

لتجيب إيمان : سأتخلص من الملابس القديمة

ابتسمت سلوى وقالت : بهذه الطريقة ذاتها يتم الحفاظ على الاتزان في الكون

لتقول إيمان : كيف لم أفهم ذلك

لتجيب سلوى : لو لم يأكل الإنسان الحيوانات ولم تأكل الحيوانات بعضها البعض لمتلىء الكون بهم وسيكون هناك تزاحم كبير

هزت رأسها إيمان ولكنها بقيت صامتة


يتبع