سلام من الله عليكم

الحلقة الخامسة

( خُلقت قاتلاً )

بينما سلوى تغادر العيادة عند الساعة التاسعة كعادتها

رأت ذلك الشاب الأسمر واقف حائرا

وقفت للحظات تتأمله أنها ترا ه أكثر من ثلاث ليالي يحوم حول المكان

أخذتها الأفكار وحدثت نفسها هل من الممكن إنه يريد سرقة المكان , لكنها سرعان ما أبعدت الفكرة من رأسها وقالت : ماذا يسرق فأنا لا أملك سوى الملفات في العيادة

ولكن الأفكار عاودتها وحدثت نفسها لربما يريد سرقة أحد الملفات ليبتز صاحبه

يا إلهي ماذا أفعل

وقبل أن تفيق من أفكارها , جاءها صوت العم مرعي بواب العمارة : ماذا هناك يا دكتور هل نسيتي شيئا

لتجيب بشرود : لا يا عم مرعي لم أنسى شيئا , ارجوا أن تحرس المكان جيدا

ليجيب عم مرعي : لماذا هل هناك شيئا يا دكتورة

سلوى : أبدا , أنت تعرف أولاد الحرام قد كثروا هذه الأيام

العم مرعي: الله يبعدهم عنا وعنكِ وعن الجميع

سلوى : شكراً , تصبح على خير

العم مرعي : وأنتِ من أهله

....................

بعد أيام نست سلوى أمر الشاب

لكنها سرعان ما تذكرته وهي تراه في صفوف المنتظرين في العيادة

وبعد ثلاث ساعات حان دوره

كان شاب فاره الطول , له عينان عسليتان لا تتناسب مع بشرته السمراء

وقف حائرا مترددا

نظرت له سلوى وقالت : إجلس من فضلك

جلس على الكرسي وبلع ريقه

وحاول إبعاد بصره عن سلوى

باشرت سلوى بالحديث : استرخي وتفضل بماذا يمكن أن أخدمك

ليجيب : أنا , بالحقيقة

وصمت بعدها لتستحثه سلوى تكلم يا مرسي

لينظر لها ويقول : كيف عرفتي اسمي

تبسمت سلوى وقالت : من الإستمارة

مرسي : أها

وعاد للصمت

لتحاول سلوى معه مرة آخرى

وتقول : تحدث عن أي شيء, حتى لو لم تكن قد أتيت لتقوله

ليفرقع مرسي أصابعه ويقول : بالحقيقة أنا إنسان مهوس , واطلب منكِ مساعدتي , لقد وجدت إعلان في الصحيفة عن عيادتك وعرفت بأنك أفضل طبيبة في المنطقة

سلوى : أنا بخدمتك

إذا أحببت لننتقل للأريكة إن كنت تريد

مرسي: كما تريدين

كان مرسي طويل القامة بحيث إن رجليه تدلت من الأريكة

طلبت منه سلوى التنفس بعمق , وأخذ وقت قبل البدء في الحديث

وبعدها بدأ مرسي بالحديث

بالحقيقة لا أعرف ماهي مشكلتي فأنا إنسان ناجح في عملي فقد درست دبلوم محاسبة

وأعمل الآن في إحدى الشركات

والجميع يحبني

لكن هناك شعور داخلي يتملكني لا أعرف ماهو , فكلما رأيت شخصا أتخيل بأني أقوم بقتله

وبأني أمسكه من رقبته حتى يقع ميتا

لتتدخل سلوى : متى يتكرر هذا المشهد معك , هل يرتبط بوقت معين

أم في جميع الأوقات

ليجيب مرسي : لا أعرف تحديدا , لكن المشهد يتكرر إذا ما بقيت في نفس المكان كثيرا

فقد مكثت هنا ما يقارب الأربع ساعات

حتى تخيلت نفسي أقتل الممرضة القابعة بالخارج

لتشهق سلوى ولكنها سرعان ما تداركت خطأها وقالت : أسفة أكمل

ليقول مرسي : أرجوا إن لا تفزعي مني

لتجيبه سلوى باسمة : أنا لا أخاف أبدا , ولكن لكي أتمكن من مساعدتك يجب أن تكون صريحا معي ولا تخفِ شيئا

مرسي : صدقيني لن تري مني إلا الصدق

سلوى : حسنا , فلنبدأ , حدثني عن طفولتك

مرسي : لقد كانت طفولة عادية لم تكن سعيدة وليست شقية أيضا

فقد كنت الأخ الأصغر بين خمسة أخوة كلهم من الفتية

سلوى : كيف كانت العلاقة بينك وبين أخوتك

تردد مرسي ثم قال : لا بأس بها

سلوى : ووالدك ووالدتك , كيف هي علاقتك معهما

ولاحظت سلوى بأنه بدأ يتصبب عرقا , وبأن لونه قد تغير

فأعادت السؤال عليه مجددا

ولكنه صرخ بوجهها وتوجه ناحيتها وأخذ يعصر رقبتها بيديه لتدوي صرختها في أرجاء المكان

ولتحضر الممرضة سحر والعم مرعي مسرعين على آثر صرختها

ويخلصوها من بين يديه

وبعد أن تأكدوا من سلامتها , تلفتوا حولهم ليجدوا بأن مرسي قد غادر العيادة مسرعا
.........................

لم تنم سلوى ليلتها وهي تفكر بمرسي

والسبب الذي يجعله يقدم على هذا الفعل

و هل سيعود للعيادة مرة أخرى أم لا

و عادت بذاكرتها بالسؤال الذي جعله يثور ويغضب هكذا ربما يكون هو السبب

...................

في الصباح

راجعت سلوى ملف مرسي والمعلومات التي سجلها ولكنها لم تكن أكيدة بأنها معلومات صحيحة

ومع ذلك قامت سلوى بإلغاء جميع مواعيدها

وتوجهت نحو إحدى تلك العناوين التي سجلها مرسي

فأوصلها ذلك العنوان عند بيت متواضع

طرقت سلوى الجرس

لتخرج لها طفلة يبدو بأنها في عمر الثلاث سنوات

فاقتربت منها سلوى وهي تقول : حبيبتي , أين ماما , أين بابا

وقبل أن تقول سلوى شيئا آخر كانت الطفلة قد غادرت

ثم عادت بصحبة سيدة يبدو بأنها والدتها فهي تشبهها تماما

توجهت تلك السيدة ناحية سلوى وهي تقول : بماذا يمكنني أن أخدمك

لتجيب سلوى : هل هذا منزل إن السيد محمد راضي

لتجيب السيدة : نعم , إنه منزل راضي إبنه الأكبر

تلفتت سلوى حولها ثم قالت : هل بإمكاني الدخول

نظرت لها السيدة ثم قالت : لكِ ما شئت ِ, وأفسحت لها الطريق لتدخل

وبمجرد وصولهم لغرفة الضيوف , قالت السيدة : لم تقولي من أنتِ , ولماذا جئتي

صمتت سلوى ثم قالت : لقد أتيت بخصوص مرسي

صرخت السيدة مرسي وماذا فعل هذه المرة , سأذهب لأخبر زوجي إنه أخاه , فأنا ليس لي شأن بمرسي

ذهبت السيدة

وبعد فترة جاء رجل

نظرت سلوى له ثم حدثت نفسها لابد بأنه راضي أخ مرسي إنه لا يشبهه إنه متوسط القامة وملامحه أقل حدة من مرسي

وقبل أن تنطق سلوى

قال الرجل : نعم أنا راضي , ماذا فعل مرسي

فكرت سلوى بسرعة بأنها لو أخبرته بأنها طبيبة نفسية فسيتعامل معها بحذر

لذلك قالت : أنا أتيت من قبل المشفى فقد عالج مرسي أسنانه عندنا ولكنه لم يدفع المبلغ المطلوب عليه للآن

فتنهد راضي وكأنها أزاحت ثقلا عنه بكلامها

فقال : بالحقيقة مرسي لا يسكن هنا الآن لذلك , لا يمكنني مساعدتكِ

وصرخ بصوت عالي : أمينة , أمينة

فجاءت السيدة مرة آخرى

فقال : أوصلي السيدة , فقد إنتهت من مهمتها

شعرت سلوى بخجل فقامت من مطرحها

وبينما هي تسير مع أمينة قالت : لماذا , غادركم مرسي

أجابت أمينة : لقد تسبب لنا في كثير من المشاكل مع الجيران

وجدت سلوى بأن أمينة من النوع الثرثار فاستغلت ذلك بقولها : وكيف ذلك

لتجيب أمينة : لقد كانت تنتابه أحيانا حالات ......

ولكنها فجأة توقفت عن الكلام

فقالت سلوى : يا آلهي سأطرد من عملي إن لم أحصل على مكان مرسي وأتي من عنده بالنقود

نظرت لها أمينة ثم قالت : حسنا , سأعطيكِ عنوانه , لكن لا تخبري أحد بأنك حصلتي عليه مني

لتلمع عينا سلوى وتقول : كوني أكيدة من ذلك

وأخرجت سلوى من حقيبتها قلم وورقة وسجلت أمينة العنوان عليه

خرجت سلوى وهي تنظر لذلك العنوان أنها المرة الأولى التي تسمع فيها عن ذلك الشارع

ومع ذلك أعطت العنوان للسائق وهي تقول : هل تعرف هذا الشارع

نظر لها السائق وقال : نعم أعرفه

قالت سلوى : ممتاز , خذني إلى هناك

فزع السائق : هل تريدين الذهاب إلى هناك سيدتي , إنه مكان لا يليق بكِ

ضحكت سلوى وقالت: ألا يعيش هناك بشر , اذن هو يليق بي , تحرك إلى هناك

بعد فترة طويلة

وصلت سلوى للمكان المطلوب

لكنها لم تتوقعه بهذا السوء

فقد كانت المباني قديمة جداا , و الطرقات مزدحمة بالمارة

ومع ذلك خرجت من السيارة وأشارت لطفل بالإقتراب

وقامت بسؤاله عن منزل السيدة زهرة , حيث يسكن مرسي

قام الطفل بأيصالها لمنزل مهترىء مكون من طابقين

شكرت سلوى الطفل وكافأته بمبلغ من المال

وطرقت الباب بيدين مرتجفة , لتخرج لها سيدة تناهز الستين

حيتها سلوى وقالت : هل يسكن مرسي محمد هنا

أجابت السيدة نعم

لتقول سلوى : هل بإمكانك أخذي إليه

نظرت لها السيدة ثم قالت : تفضلي

وصلت سلوى مع السيدة لغرفة فوق السطوح

لتقول السيدة : هنا يسكن

طرقت سلوى الباب ولكن لم يجب أحد

فقالت السيدة : يبدو إنه ليس هنا , فأنا لم اسمع صوت عودته البارحة

وضعت سلوى يدها على المقبض فوجدت بأن الباب مفتوح

فلمعت عيناها وقالت : لقد طلب مني إنتظاره

نظرت لها السيدة بإستغراب ثم قالت : كما تحبين

وذهبت وهي تتمتم لا يبدو عليها بأنها من هذا النوع

......................

دخلت سلوى الغرفة وهي تقدم خطوة وتأخر الأخرى

لقد كانت الغرفة صغيرة وتحوي سريرا

ومكتب خشبي صغير

وكانت الملابس مبعثرة هنا وهناك

جلست سلوى على كرسي قريب من المكتب

وجلست تتأمل المكان , ثم إلتفت ناحية المكتب لتجد عليه أوراق مبعثرة

فأخذت إحداها لتقرأها

لتجد تلك الكلمات المكتوبة بخط غير مرتب

خنقاًً ماتت

تركت سلوى تلك الورقة وأخذت ورقة آخرى لتجد عليها نفس الكلمات

وهكذا حتى وصلت للورقة الأخيرة

لقد كانت مختلفا قليلا حيث كتب عليها

لم تمت غرقا إنما خنقا

طوت سلوى تلك الورقة ودستها في جيبها

وبعد مضي ساعتين

شعرت سلوى بالملل فقررت الذهاب والعودة غداً

وقبل إن تغادر المكان رأت إن تعرج على السيدة لتسألها بعض الأسئلة

و فور خروجها من الغرفة وجدت السيدة واقفة وعند رؤيتها لسلوى تظاهرت بالإنشغال بإطعامها لبعض الحمام

فاقتربت منها سلوى وهي تقول : ما أجمل الجو إنه مشرق

لتضحك السيدة : نعم , خصوصا بالنسبة للعشاق , ولتنظر لسلوى , لكن سلوى تجاهلت كلماتها الأخيرة وقالت: منذ متى تسكنين هنا يا عمة

لتجيب السيدة : زهرة اسمي زهرة

يتبع