الحلقة الرابعة
( هل أنا مريضة )
بينما سلوى تراجع قائمة المواعيد ليوم غد لفت نظرها الاسم الأخير
ريفاء مصطفى
لم تصدق سلوى عينيها وجلست تتأمل في ذلك الاسم وهي تقول هل من المعقول أن تكون هي أم هو مجرد تشابه أسماء
................
في اليوم التالي لم تكف سلوى عن النظر للساعة حتى حانت الساعة الرابعة مساءً
ودخلت الممرضة سحر وهي تقول : لقد حضرت السيدة ريفاء مصطفى هل أدخلها
فقالت سلوى : نعم أدخليها ..........وجلست تتأمل في الباب حتى دخلت منه سيدة تناهز الثلاثين بيضاء البشرة ممشوقة القوام
نظرت لسلوى بعينين حادتين
لكن سلوى قابلت تلك العيون بإبتسامة مشرقة وأشارت لها بالجلوس
تقدمت السيدة الثلاثينة لتجلس ببرود
لتحيها سلوى بتشكك : أهلا بأديبتنا الكبيرة
تفاجأت السيدة وقالت: هل عرفتني
ابتسمت سلوى قالت: إذن أنت هي
بالحقيقة لم اتوقع أن تجمعنا الصدفة الرائعة أنا معجبة بقصصك ورواياتك كلها الواحدة تلو الأخرى
ليأتيها صوت ريفاء تشوبه نبرة حزن: شكرا لكِ
نظرت سلوى للورق بين يديها لتنظر مطلوب إستشارة طبية
وتقول بعدها : أنا بالخدمة
صمتت ريفاء لبرهة وكأنها تفكر ثم قالـت: كيف بإمكاني معرفة إذا ما كنت مريضة أو لا
أعني نفسيا
أدارت سلوى عينيها في أرجاء الغرفة ثم صوبتهما باتجاه ريفاء وقالت: لماذا ما الذي جعلك تفكرين بالأمر
ريفاء : أوه لا تسأليني فأنا فعلا أشعر بأن شيئا قد إخترقني
وأجهشت بعدها في البكاء
قامت سلوى من مكانها وهي تقول : هدئي من نفسكِ
ولنبدأ من البداية ما الذي حدث
نظرت ريفاء لسلوى بعيناها المحمرتان وهي تقول : آسفة لم أكن أريد البكاء
ليجبها صوت سلوى الحاني : لا تقولي هذا الكلام , أنا كلي آذان صاغية
تنهدت ريفاء وقالت: صدقيني لا أعرف ماذا أقول
لكني أشعر بحزن عميق جدا
ولا أعرف سببه
أشعر بأني إنسانة أخرى
لتجيبها سلوى بصوت حاد : ما الذي حدث
ريفاء: هذا ماجئت لمعرفته
سلوى : حسنا سنبدأ من البداية هل تشعرين بخفقان شديد في قلبك
أجابت ريفاء : نعم كثيرا لدرجة أني أشعر بأن إمكان أي شخص سماع ضربات قلبي المتتالية بقوة
سلوى : هل تشعرين بفقد للشهية ونقصان مفاجىء لوزنك
ريفاء: نعم فقد خسرت ستة كيلو غرامات من وزني خلال شهر ونصف دون رغبة مني في ذلك وبات وزني ضئيل جدا كما ترين
سلوى : هل يجافيكِ النوم في أكثر الليالي
ريفاء: بل قولي جميع الليالي
أصبحت أسهر دون سبب وأتمنى النوم ولو للساعة واحدة
سلوى : هل تشعرين بضيق في صدرك
ريفاء : يا آلهي وكأنك تسكنين بقلبي , نعم كل ماذكرته صحيح
سلوى: وهل ترغبين بالبكاء وتشعرين بحزن غامر و مفاجىء
ريفاء: أن دموعي تأبى النزول لعلي أشعر بقليل من الراحة
لقد تعبت كثيرا , أنا على هذه الحالة منذ أكثر من ستة أشهر
لم أذق طعم النوم أو الراحة
ارجوكِ ساعديني , وهل أنا مريضة لأني راجعت طبيب عضوي وفحص كل جسدي
لكنه قال بأني سليمة
إذا لماذا كل هذا التعب الذي أشعر به
سلوى : لاتقلقي سنكتشف ذلك
هل تحبين الجلوس على الأريكة لتكوني مسترخية أكثر
لتجيب ريفاء : نعم أرغب بذلك
انتقلت ريفاء لتسترخي على الأريكة المريحة وبجوارها سلوى
ليأتيها صوت سلوى الهادىء وهي تقول : الآن تـحدثي عن أي شيء
ومن أي مكان
صمتت ريفاء لبرهة ثم قالت : رغم أني مشهورة واسمي يتصدر المجلات والصحف
إلى أني لا أشعر بسعادة كبيرة
فمازالت ذكريات الطفولة تعود لي عندما كنت طفلة صغيرة في بيت
متواضع ليس فيه سوى غرفتين بالكاد كانت تكفي عددنا الكبير
ورفيقاتي في المدرسة أني اكرههم
ونظرت لسلوى
لكن سلوى لم تبدي أي استجابة
فعادت للحديث : لقد كنا يتفاخرن كثيرا بمنازلهم الفارهة
وبملابسهم من المحال المشهورة
بينما أنا كنت أراقب كل ذلك بصمت وسكوت
وانتقلنا لمرحلة المراهقة , وكانت موضة الإحتفال بأعياد الميلاد
ففي كل أسبوع كانت إحدى الفتيات تحتفل بعيدها
وأنا لم استطع الذهاب لتلك الأعياد لعدم تمكني من شراء هدية وبالطبع لم أكن أملك الزي المناسب
مع ذلك لم يتركنني وشأني كانوا يتعمدن أحراجي
فتارة يسألنني عن موعد عيد ميلادي
وتارة عن المكان الذي سأقيم فيه الحفلة
لا أعرف لماذا كنا يردن مني الاحتفال بمولدي فأنا لم أكن سعيدة لأني سأكبر سنة وسيزداد شقائي فيها
بسببهن قررت لن أتزوج إلا رجل غني بل واسع الثراء
يحقق كل مطالبي ويجعلني انفق النقود بغير حساب وفي أي وجهة أريد
وفعلا تزوجت برجل ثري لا يهمه كم أنفق من المال
وكم أصرف وحسابي في البنك يتضاعف ويتضاعف دون أن أعمل شيئا
لكني فجأة شعرت بالفراغ يحيطني
فقد كبرت دون أن يكون لي صديقة أشكو لها مايختلج في صدري
أحدثها عن آمالي , عن أحزاني
وزوجي أنه دوما بعيدا عني في عمله الذي لا ينتهي
وهو دائم السفر
حتى في أحدى سفراته رافقته إلى حيث لندن الباردة
لكنه تركني في الفندق وحيدة كالعادة
وبينما أنا جالسة في ردهة الفندق انظر للمارة وللخدم وهم يتحركون كالنحل الذي لا يتعب
قررت أن أبدد الملل بالكتابة
وفعلا قمت بالكتابة لأنتج رواية في وقت قصير
وعدنا بعدها لأرض الوطن وقمت بطباعة الرواية لتنشر
وبعد أن رأت تلك الرواية النور
بدأت أشعر بقلق مفاجىء
ويجافيني النوم حاولت معرفة السبب لكني لا أعرف
هنا تحدثت سلوى : وماذا كان مضمون الرواية
صمتت ريفاء ثم قالت : كتبت عن حياتي , ظننت بأنني سأرتاح
إذا ما أفضيت ببعض من أسراري
لكن النتيجة جاءت عسكية
صمتت سلوى قليلا ثم قالت : لقد تعودتي أن تكنزي كل شيء بقلبك دون أن يكون هناك من تخبريه عن أي شيء
تعودتي أن تكوني صديقة ذاتك
ولكنك فجأة قمت بنشر أسرارك وكل أحلامك وآمالك للجميع
فنتابك خوف داخلي
خوف أن يعرف الجميع بأنك تتحدثين عن ذاتك عن نفسك التي طالما حفظتها وأخفيتها عن عيون الناس
فأجابت : ريفاء معك حق , أنا خائفة من ذلك , لكن ما الحل الآن
لتجيب سلوى: إنه سهل وبسيط
وقومي بكتابة قصة أخرى مناقضة تماما لشخصيتك
عندها ستشعرين بقليلا من الراحة
لتلمع عينا ريفاء وتقول : سأبدأ بذلك فورا
لتقاطعها سلوى : ولكن هناك شيء آخر أهم من الرواية
لتقول ريفاء : ماهو
لتجيب سلوى : ابحثي عن صديقة مخلصة تفضين لها بهمومك
لتجيب ريفاء : لقد وجدتها , هل تقبلين أن تكوني صديقتي
تبسمت سلوى وقالت: على الرحب والسعة .
تمت
دعواتي الصادقة وتحياتي العطرة






رد مع اقتباس
المفضلات