الغلو (في حب الأئمة)
لانقصد بالغلو هنا هو الخروج عن الحق وإتباع الهوى حتى يصبح المحبوب هو الآله المعبود فهذا كفر وشرك لا يقول به أي مسلم يعتقد برسالة الأسلام ونبوة محمد صلّى الله عليه وآله وسلّم.
وقد وضع الرسول صلّى الله عليه وآله وسلم حدودا لهذا الحب عندما قال للإمام علي عليه السلام:
«هلك فيك إثنان محب غال ومبغض غال».
وقوله صلّى الله عليه وآله وسلم:
«ياعلي إن فيك مثلا من عيسى بن مريم أبغضته اليهود حتى بهتوا أمة، وأحبه النصارى حتى أنزلوه بالمنزلة التي ليس بها»(1) .
____________
(1) مستدرك الحاكم 3 /123 تاريخ دمشق لإبن عساكر 2 /234.
التاريح الكبير للبخاري 2 /281 تاريخ الخلفاء للسيوطي ص 173.
خصائص النسائي ص 27 ذخائر العقبى ص 92 ـ الصواعق المحرقة لإبن بحر ص 74.

وهو المعنى المرفوض للغلو أن يطغى الحب حتى يؤلّه المحبوب وينزله منزلة ليس فيها أو أن يطغى البغض حتى يصل إلى درجة البهت والإتهام الباطل.
والشيعة في حب علي والأئمة من ولده لم يغالوا بل أنزلوهم المنزلة المعقولة التي بوأهم فيها رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم وهي إنهم أوصياء النبي وخلفاؤه ولم يقل أحد بنبوتهم فضلا عن ألوهيتهم، ودع عنك قول المشاغبين الذين يدعون بأن الشيعة ألهوا عليا وقالوا بربوبيته فهؤلاء إن صح الخبر لم يكونوا فرقة ولا مذهبا ولا شيعة ولا خوارج.
فما هو ذنب الشيعة إذا كان رب العزة والجلالة يقول: قل لا أسألكم عليه أجراً إلا المودة في القربى والمودة كما هو معلوم أكبر من الحب وإذا كان الرسول صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
«لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه فإن المودة تفرض عليك أن تحرم نفسك من شيء لتود به غيرك».
وما هو ذنب الشيعة إذا كان رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلّم يقول:
«ياعلي أنت سيد في الدنيا وسيد في الآخرة من أحبك فقد أحبني ومن أبغضك فقد أبغضني وحبيبك حبيب الله وبغيضك بغيض الله والويل لمن أبغضك»(1) .
ويقول أيضاً:
«حب عليٌّ إيمان وبغضه نفاق»(2) .
ويقول:
«من مات على حب آل محمد مات شهيدا، إلا ومن مات على حب
____________
(1) مستدرك الحاكم 3 /128 قال حديث صحيح على شرط الشيخين نور الأبصار للشبلنجي ص 73 ينابيع المودة ص 205 الرياض النضرة 2 /165.
(2) صحيح مسلم 1 /48 ـ الصواعق المحرقة ص 73 كنز العمال 15 /105
.
آل محمد مات مغفورا له، ألا ومن مات على حب آل محمد مات تائبا، ألا ومن مات على حب آل محمد مات مؤمنا مستكمل الإيمان ألا ومن مات على حب آل محمد بشره ملك الموت بالجنة …»(1) .
وما هو ذنب الشيعة إذا كانوا يحبون رجلا قال فيه رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«غداً لأعطين رايتي إلى رجل يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله»(2) .
فيجيب علي هو حبيب الله ورسوله وهو مؤمن وبغيض علي هو بغيض الله ورسوله وهو منافق.
وقد قال الإمام الشافعي في حبه.
يا أهل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القرآن أنزله كفاكم من عظيم الفضل إنكم من لم يصل عليكم لا صلاة له وقد قال فيهم وفي حبهم الفرزدق في ميميته المشهورة.
من معشر حبهم دين وبغضهمكفر وقربهم منجى ومعتصم إن عد أهل التقى كانوا أئمتهمأو قيل من خير أهل الأرض قيل هم فالشيعة أحبوا الله ورسوله، وحبهم لله ورسوله هو الذي فرض حب أهل البيت فاطمة وعلي والحسن والحسين والأحاديث في هذه المعنى كثيرة لا تحصى وقد أخرجها علماء أهل السنة والجماعة في صحاحهم وقد ذكرنا البعض منها دوما للإختصار.
وإذا كان حب علي وأهل البيت بصفة عامة هو حب لرسول الله صلى الله
____________
(1) تفسير الثعلبي «الكبير» في آية المودة وكذلك تفسير الزمخشري «الكشاف» تفسير الفخر الرازي 7 /405 ـ إحقاق الحق للتستري 9 /486.
(2) صحيح البخاري 4 /20 و5 /76.
(3) صحيح مسلم 7 /120 (فضائل علي بن أبي طالب).

عليه وآله وسلم فعلينا أ نعرف مدى هذا الحب المطلوب من المسلمين حتى نعرف أن كان هناك غلو كما يزعمون.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
«لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه من ولده ووالده والناس أجمعين»(1) .
وعلى هذا الأساس فلا بد أن يحب المسلم عليا وأولاده الأئمة الطاهرين أكثر من الناس أجمعين بما في ذلك الأهل والاولاد ولا يتم الإيمان إلا بذلك لأن رسول الله قال: لا يؤمن أحدكم حتى أكون أحب إليه … الحديث.
فالشيعة أذن لا يغالون وإنما يعطون كل ذي حق حقه وقد أمرهم رسول الله أن ينزلوا عليا بمنزلة الرأس من الجسد وبمنزلة العينين من الرأس فهل هناك من الناس من تنازل عن عينيه أو عن رأسه ؟
ولكن في المقابل هناك مغالاة عند أهل السنة والجماعة في حب الصحابة وتقديسهم في غير محله وإنما يبدوا إنها رد فعل على الشيعة الذين لم يقولوا بعدالة الصحابة أجمعين وكان الأمويون يرفعون من شأن الصحابة ويحطون من قيمة وشأن أهل البيت النبوي حتى إذا صلوا على محمد وآله أضافوا إليهم، وعلى أصحابه أجمعين لأن في الصلة على أهل البيت فضل لم يسبقه سابق ولا يلحقه لاحق فأرادوا أن يرفعوا الصحابة الى تلك الدرجة العلية وغفلوا عن أن الله سبحانه أمر المسلمين وعلى رأسهم الصحابة أجمعين أن يصلوا على محمد وعلي وفاطمة والحسنين ومن لم يصل عليهم فصلاته مردودة لا يقبلها الله إذا إقتصرت على محمد وحده كما هو ثابت في صحيح البخاري ومسلم.
وإذا قلنا بأنه غلو في الصحابة ذلك لأن أهل السنة يتعدون حدود المنطق
____________
(1) صحيح البخاري 1 /9 (باب حب الرسول من الإيمان).
صحيح مسلم 1 /49 (باب وجوب محبة رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم أكثر من الأهل والولد والوالد والناس أجمعين) وكذلك في صحيح الترمذي.
عندما يقولون بعد التهم أجمعين وقد شهد الله ورسوله بأن فيهم الفاسقين والمارقين والقاسطين والمنافقين.
والغلو ظاهر عندما يقولون بأن رسول الله صلّى الله عليه وآله وسلم يخطيء ويصوبه صحابي. أو أن الشيطان يلعب ويمرح بحضرة النبي ولكنه يهرب من عمر، والغلو واضح في قولهم لو أصاب الله المسلمين بمصيبة بما فيهم رسول الله، لم يكون ينج منها إلا أبن الخطاب، والغلوا أوضح في إلغائهم لسنة النبي صلّى الله عليه وآله وسلم وإتباع سنة الصحابة وبالخصوص الخلفاء الراشدين وقد أوقفناك على البعض من ذلك وإذا أردت المزيد فعليك بالبحث والتأمل للوقوف على مزيد من هذه المفارقات.