" إليك عبث قلمي التائه على أرض غربتك الحزينة .."
كلمة بدأت بها في دفتر جنون القلم وأنا في زاوية جديدة من مقهى الاوهام ..
هناك حيث اخذت اراقبك بصمت مطبق محاولة فهم استدراتيجية الفضول المتعمد حولك أنت بالذات ..
لقد كان مختلفاً كلياً عن الرجال الذين عرفتهم في حياتي ...
فهو لم يكن يشبه أبي بشيء اطلاقاً .. ولا يمد لأخي الاكبر بصلة .. وبعيد كل البعد عن أخي الذي يعتبر اصغرهم ..
فهو مختلف كلياً بهدوءه البارد عن حب طفولتي الساخر ..
ولا يلتقي مع حب تسع سنوات من عمري إلا في شكل سبحان من ابدع ..
عرفت صمته ما يقارب الخمس سنوات وأنا اراقبه خلسة من خلف حجاب الصمت الثقيل ..
تمنيت بأن اسمع صوته الهادئ العميق ..
أردت بأن اتعمق في ملامح عينيه الفضيتين لكي لا أنقص من حقهما عند رسمهما بقلمي ..
مضت الأيام المثقلة بالآمنيات والاحلام ..
إلى ان أتى يوم تحقق فيه الوعيد ..
فإذا به يتخذ الكرسي المجاور لي .. فأخذ بي العجب فأخذت اتفرس في ملامحه الهادئة وحاجباه الحزينتين .. فرمقني بنظرة باردة حزينة ..
فتلعثمت عيناي بالرد على سؤال عينيه ..
فأشحت وجهي عنه خجلاً من طلب اصابعه ..
فامتدت يده الدافئة بهدوء إلى ذقني الصغير ليدير وجهي المحمر خجلاً ليصبح قريباً من وجهه فتنهدت بيأس حائرة متساءلة أأجاري جنون احزانه أم ابقى ممسكة بقلمي ...؟؟!
ابتعد عني وفارقت اصابعه شعري ..
وهمس بصوت مبحوح كلمات طلب مني أن ادونها على ورقتي البالية ..
فسألته عن السبب فأجابني بلغة الاقرار .. فأطرقت برأسي بالايجاب ..
وعندما همّ بالرحيل استوقفته بشهقة المفجوع .. فطلبت اسمه لأدون همساته به..
فلمعت عيناه الفضيتان ببريق غريب فتجاهل سؤالي وغمرني بقوة فأحسست بأن عظامي ستتكسر ..
اردت الصراخ .. لكنه .. اجبرني على التزام الصمت ..
فوقع قلمي من بين اصابعي ليتوسد الأوراق .. محدثاً صوتاً خفيفاً خوفاً من أن يوقف لحظة الجنون هذه ..
فتركني بعد برهة ورحل من باب المقهى ..
فأصبحت اجول بنظري في المكان ودموعي منسكبة على وجهي الشاحب ..
فرجعت إلى وحدتي فأمسكت القلم وبدأت باسترجاع همساته وأدونها باصابع مرتجفة ونحيبي يتخللها ..
فمضت الأيام وأنا لازلت عند تلك الزاوية أراقب تلك الطاولة الفارغة .. التي اعلن صاحبها التمرد والرحيل ..
انتظرته أيام طويلة ولربما كانت أشهر ..
فإذا بنفس ذلك اليوم يتكرر ..ولكنه .. لم يأتي ، بل أتى شخص لأول مرة أراه فيها وإذا به يحمل كتاباً أسود كبير فوضعه على طاولة الهموم وأخبرني بالخبرالمشؤوم..
حاولت الصمود ،فاستندت على جدار الزاوية المهترئ وابتلعت غصتي ،
فسألته بحزن :متى ...؟
فأطرق برأسه فقال بأسف : أسبوع مضى وهو يتعذب ...
فترقرقت دموعي وقاطعته :" لكنني لم أعرفه ، لم يسبق لي أن ...
فاختفى صوتي من شدة الحزن .
فقال :" أعلم ذلك .. ولكنه أوصاني بأن أعطيك هذا الكتاب في حال ...
فسألته بصوت مختنق أجش :" لماذا أنا بالذات ...؟؟!
فشعر الرجل بالأسى لحالي الفضيعة فأجاب باستنكار :" لا تسأليني فأنا أجهل الجواب .
ومضى في حال سبيله بعد أن اعطاني رداء الحزن لاتلحف به.
أمسكت الكتاب بين يدي المرتجفتين وفتحته وإذا بخطه يملأ الصفحات وشهقت بالبكاء عندما رأيت بأن جميع هلوسات قلمي موجودة في هذا الكتاب مزدان بخطوط تحت جمل السؤال وبخط يده يعطيني أغرب الأسباب..
( هذه كانت قصتي مع زاوية مقهى الأوهام ..)
My heart is flying without wings only for you
المفضلات