ثانياً: ـ الحج رحلة للإبحار في عالم الزمان والمكان . . إلى الماضي العزيز الراسخ في النفوس . . وهو انطلاقة إلى تلك الربوع السامية التي مازالت تحكي للعالم على مدى آلاف السنين قصة الإسلام العظيم والفداء الكبير ، فهذا الذي يطوف حوله الحجيج هو بيت الله أوّل بيت وضع للناس }إنّ أوّل بيت وضع للناس للذي ببكة مباركاً وهدًى للعالمين * فيه آيات بيّنات مقام إبراهيم ومن دخله كان آمناً{(109) .
ومع تأمّل البيت تتجدّد ذكريات إبراهيم(عليه السلام) الذي بنى الكعبة بأمر منه تعالى ، وحينما أكمل البناء تراه يتوسّل هو وابنه بالله تعالى أن يتقبّل عملهما }وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ربّنا تقبّل منّا إنّك أنت السميع العليم{(110) .
ليكون درساً عظيماً في التواضع أمام الله والرجاء دائماً بقبول الأعمال ، فهذا إبراهيم الخليل(عليه السلام) يرجو قبول أعماله ، فكيف بالإنسان العادي الذي يجب أن يكون طموحه هو قبول حجّه ومناسكه؟
،وبين الصفا والمروة تتجدّد صورة سعي هاجر لينبثق الماء من زمزم ، ويكون باقياً مدى الدهور لإرواء الحجيج ، إنّ هذه كلّها تجعل المسلم يطير في اُفق جديد ، اُفق العقيدة التي لاقت الصعوبات الجسيمة حتى أصبح هو مسلماً ، ولا زالت كلمات الرسول(صلى الله عليه وآله)وأقواله واضحة جلية على كلّ التلال . .
وهذه كلّها تشدّ المسلم إلى تأريخه العظيم وإلى رسالته ، فالتاريخ مدرسة الإنسان . . وقد نحتاج إلى هذا الربط في وقتنا الحاضر بعد أن حاول أعداء الإسلام تشويه تاريخنا العظيم لإزالة الفكرة الدينية عند المسلمين .
ثالثاً: ـ تحرير الذات الإنسانية من عبودية الهوى واتباع الشهوات .
هذا الأمر الذي يبدأ من هجر الاخلاّء والأصحاب والأولاد والسفر إلى لقاء الله . وفي مظاهر الحج تلغى أشكال الزينة والترف والتفاخر والتعالي ، وتنطلق دعوة جديدة للإنفاق على الفقراء من خلال تقديم الهدي . . وإذا درسنا شعائر الحج لوجدناها رحلة لاجتياز الأنا . . فالحج ينزع الأهواء عبر الميقات الأوّل ولبس ثياب الإحرام ونزع كل زينة والتجرّد عن كلّ تعلّق دنيوي . الحج يعلِّم الإنسان أن يكون طوافه حول الله ، وأن تكون نيّته خالصة لوجهه تعالى ، ويسعى لتكون مسيرته نحو الله تعالى . . والسعي بين الصفا والمروة يُعلِّم الفرد كيف ينطلق نحو تحقيق الخير بسرعة ونبذ الخمول والتقاعس ، وبهذا ينطلق ضمن الدائرة الحركية الرافضة لكلّ أسباب القعود والتباطؤ }فضّل الله المجاهدين على القاعدين{(111) وليقتدي بالعائلة الإبراهيمية التي عانت الكثير لتكون حياتها سلوكاً يُقتدى به على مرّ الأجيال .
إّن الحجّ مسيرة تكاملية ترفض الأنا وتجمد الشهوات; كي ينطلق الفرد في رحاب التوحيد الإلهي نابذاً كلّ مظاهر الشرك الخفي والبائن ، وهو بهذا يربّي الفرد على كثير من المعنويات الروحية ، التي لا تستطيع آلاف المجلّدات والكلمات الوصول إليها

أخي تمثال
جلبت لك هذا واسمح لي إن قصرت علها تشفي أجوبه لأسئله غائبه
اتمنى لك التوفيق